خبراء لـ «الشرق الأوسط»: «رؤية بلاتيني» المنقذ الوحيد لعلاج تزايد ديون الأندية السعودية

البرقان قال إن «الاحتراف» سترفع توصية تحل جزءا من المشكلة.. والشمري يؤكد أن الحل في التقسيط

عقود ومستحقات لاعبي الاتحاد المتأخرة أضرت كثيرا بالنادي
TT

يعاني 18 ناديا سعوديا أزمة مالية خانقة تتجاوز قيمتها الـ71 مليون ريال سعودي، وتتوزع هذه الديون بين 12 ناديا في الدرجة الممتازة المحترفة و6 أندية تتنافس في دوري ركاء لأندية الدرجة الأولى، بحسب ما أعلنته لجنة الاحتراف وشؤون اللاعبين في الاتحاد السعودي لكرة القدم في اجتماعها الأخير، وهي مستحقات مالية متأخرة على الأندية لم يجر تسديدها.

ووصلت الشكاوى إلى 140 شكوى تقدم بها اللاعبون ووكلاؤهم وأندية تريد مستحقاتها من أندية أخرى. وأقرت اللجنة بأن كل ناد ملزم تسديد ديونه قبل انتهاء فترة التسجيل الشتوية إذا أراد تسجيل لاعبيه قبل نهاية الفترة التي جرى تحديدها بيوم الرابع عشر من الشهر المقبل، الذي يصادف بداية العام الميلادي الجديد.

وتواجه الأندية مشكلة كبيرة تتمثل في عدم وجود المداخيل والموارد المالية التي كانت تعتمد عليها في فترات سابقة، كالشراكات الراعية ودخل النقل التلفزيوني ودعم أعضاء الشرف، الأمر الذي أثر كذلك في انتقال اللاعبين إلى أي ناد مستغلين فترة الـ6 أشهر التي يستطيع من خلالها أي لاعب الانتقال دون الرجوع إلى ناديه.

وللبحث عن حلول جذرية لهذه المشكلة التي بدأت تتعاظم وتتزايد في صفوف الأندية السعودية بفئاتها كافة، قامت «الشرق الأوسط» بالتقاء خبراء من الرياضيين السعوديين ومسؤولين للحديث عنها وبحث مسبباتها وأفضل الحلول لها، وأكد البعض أن «رؤية بلاتيني» التي تتحدث عن الصرف المالي بقدر الميزانيات المالية المحددة هي السبيل لإنقاذ الأندية السعودية من الخطر المقبلة عليه، حيث أكد الدكتور عبد الله البرقان، رئيس لجنة الاحتراف وشؤون اللاعبين التابعة لاتحاد الكرة السعودي، الذي يشغل أيضا عضوية مجلس إدارة اتحاد الكرة المحلي؛ أن «هناك خللا في تطبيق عقود اللاعبين، وأغلب الأندية ترهق ميزانياتها بسبب هذه العقود، وهذا خطأ كبير للأسف ويتزايد بين لحظة وأخرى».

وكشف البرقان لـ«الشرق الأوسط» عن توصيات سيجري رفعها لمجلس إدارة الاتحاد السعودي لكرة القدم، من بينها أنه لا يحق لأي ناد سعودي توقيع عقود احترافية تتجاوز 70% من ميزانيته المالية المعتمدة قبل انطلاق الموسم الكروي، وهي التوصية الشبيهة بمقترح بلاتيني الذي يريد تطبيقه العام المقبل في أوروبا، وإذا زادت العقود الموقعة فإنه يتعين على النادي أن يقدم شيكات مصدقة من المصارف البنكية لضمان حقوق اللاعبين والوكلاء والأندية المهدرة حقوقها في هذا الشأن، فضلا عن حماية الأندية المعنية ذاتها من تزايد وتعاظم الديون على خزائنها المالية.

وأشار البرقان إلى أن ما يشاهد في الفترة الحالية فيما يخص العقود هو أن الأندية تواجه إشكاليات كبيرة، واستمرار ذلك يعني تفاقم الوضع إلى درجة إعلان الأندية إفلاسها، في ظل عدم قدرتها على تلبية التزاماتها أمام الدائنين.

وأضاف: «من وجهة نظري، الحل يكمن في تخطيط الأندية وبرمجة ميزانياتها التي يفترض أن تبحث عن آلية معالجة الديون والمستحقات المتأخرة، وكما هو معروف فإن مصادر الدخل شيء أساسي لعلاج جميع المشاكل المالية من خلال وجود الشركات الراعية، حيث لا بد على كل ناد من أن يجد له شركة راعية لتسهم في حل جميع القضايا، ومثال على ذلك نادي الفتح بطل الدوري في الموسم الماضي ونادي الشعلة لا توجد لديهما أي شكاوى، وهذا دليل على أن الناديين يطبقان الاحتراف بحذافيره، وخلال اجتماعنا الأخير قدمنا الشكر لهما من خلال العمل الجيد الذي يؤكد حرصهما على تطبيق نظام لائحة الاحتراف، وأنا على ثقة كبيرة بأن الأندية الـ18، سواء في دوري عبد اللطيف جميل أو دوري ركاء للدرجة الأولى، قادرة على حل جميع مشاكلها المالية خلال فترة التسجيل الشتوية التي تنتهي يوم 14 من الشهر المقبل، وما زال هناك مزيد من الوقت ليستطيع كل ناد حل جميع مشاكله وطي صفحة الشكاوى التي بالفعل أصبحت شغلنا الشاغل».

من جانبه، قال خالد المعمر، نائب رئيس نادي الشباب وعضو الجمعية العمومية في الاتحاد السعودي لكرة القدم عضو إدارة رابطة دوري المحترفين؛ إن أساس المشكلة يكمن في عدم وجود موارد ملموسة لدى الأندية، ولو تابع الجميع أندية الممتاز والدرجة الأولى لوجدوا أن هناك أندية محدودة هي التي تحظى بالرعاية وتسهم في تحمل أعباء كبيرة من الميزانية، و«لو تحدثنا عن الأندية الكبيرة كالهلال والشباب والنصر والأهلي والاتحاد، نجد أن ميزانياتها تفوق الـ150 مليون ريال، ونسبة دخل الرعاة تغطي 30%، والباقي هو دعم الشخصيات الشرفية التي تعد الداعم الأكبر لها».

وأشار إلى أن أبرز إشكالية تكمن في وصول عقود اللاعبين إلى أرقام فلكية لا توازي المردود الفني، سواء اللاعب الأجنبي أو السعودي، أو حتى المدرب الذي تصل رواتبه إلى 4 ملايين يورو في منطقة الخليج بشكل عام، وعده رقما مبالغا فيه، ويمكن الاستجابة لأسعار السوق وعروض مديري الأعمال، «ومن وجهة نظري، علاج المشكلة يبدأ من تصحيح السوق من خلال تخفيض أسعار اللاعبين والمدربين، إضافة إلى أن الأندية تستطيع تخفيض ميزانياتها إلى أرقام ومعدلات منطقية تغطيها عقود الرعاية ودعم أعضاء الشرف، وذلك حتى تكون لدينا كرة قدم محترفة وأندية تتمتع بهوية وأنظمة قانونية وميزانيات مالية لا بد من وجود إيرادات ملموسة توازي على الأقل المصروفات السنوية والعمل بموجب مالي صحيح».

وأضاف المعمر أن «الأندية الكبيرة رغم وجود رعاة ودعم أعضاء الشرف، فإنها تعاني عدم السيطرة على الطلبات نتيجة ارتفاع وتضاعف ميزانيات المصروفات، وهذا هو الذي أدى إلى هذه الكوارث، ويكفي نادي الاتحاد دليلا واضحا على ما يقوله كل الخبراء في هذا الشأن، حيث ارتفعت ديونه إلى ما يقارب الـ200 مليون ريال، وهو رقم خرافي ومزعج ومخيف لكثير من الأندية السعودية المحترفة».

وطالب بسن قوانين صارمة تكمن في تقديم الموازنات المالية من إدارة الأندية إلى اتحاد كرة القدم السعودي، وأن تكون هذه الميزانيات متوازنة مع الإيرادات التي تدخل في خزينة النادي.

وتمنى المعمر من اتحاد الكرة أن يسوق البطولات الأخرى غير بطولة الدوري السعودي للمحترفين الذي يحقق مداخيل عالية بنحو 100 مليون ريال سنويا، بحيث يجري تسويق بطولة كأس الملك وكأس ولي العهد ليدر المزيد من المال في خزائن الأندية.

بينما أكد بدر الشمري، مدير إدارة التسويق في رابطة دوري المحترفين، أن علاج تزايد الديون على الأندية لا يمكن إلا في ظل الأنظمة والقوانين الصارمة التي أصدرتها لائحة الاحتراف، ومن الصعب أن تجد حلا جذريا في الوقت الراهن: «لكن من وجهة نظري، نستطيع عمل برمجة على المدى البعيد من خلال تقسيط المبالغ، وهو المخرج الوحيد لمعالجة هذه الشكاوى بشرط أن يكون هناك اتفاق مع صاحب الدعوى، مثلما عملت الأندية في فترة سابقة، لكن هل نستمر على هذا السيناريو؟!».

وأضاف: «نحتاج إلى تضافر الجهود من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب والاتحاد السعودي لكرة القدم ورابطة دوري المحترفين ولجنة الاحتراف، ونحن كرابطة لدينا بعض الحلول ونسعى من خلالها إلى إيجاد مخرج، وحاليا نعمل على برنامج يطلق عليه (التنافس المالي العادل)، وسيجري تقديمه بشرط أن يجري تشريعه والاتفاق عليه من قبل اتحاد الكرة ولجنة الاحتراف حتى تستطيع عمل توازن في المصاريف والمداخيل، وللأمانة لم أطلع على لائحة الاحتراف الأخيرة فيما يخص شروط تسجيل اللاعبين، لكن أتمنى أن يكون هناك انحراف ولو بشكل بسيط في لائحة الاحتراف على مدى 5 إلى 10 سنوات، وأقصد هنا انحرافا تدريجيا في عملية الديون الخاصة بالأندية حتى يجري تقليصها بقدر الإمكان، ولا يوجد علاج في الفترة الحالية، كون لجنة الاحتراف هي المتحكمة في موضوع الديون، وهذا من حقها وفق اللوائح والأنظمة، ولا يمكن أن تضبط عملية الصرف في الأندية ولا ننكر الجهد الذي قامت به لجنة الاحتراف في ضبط صرف الأندية، وشاهدنا الكثير من اللاعبين في منتصف الموسم ينتقلون دون الرجوع لناديهم نتيجة عدم تسديد حقوقهم، وهذا يؤكد أن النادي لا يستطيع توفير مستحقات لاعبيه».

وقال الشمري إن أسباب ابتعاد الشركات الراعية للأندية، خاصة الكبيرة، جاء نتيجة سوء الطرح الإعلامي: «وحتى أكون صادقا معك كانوا يبحثون عن أرقام كبيرة ولا أعرف كيف جرى حسابها أو على أي شيء اعتمدوا حتى وصلوا إلى ما هم عليه من دون راع، خلاف ذلك فإن الأندية الصغيرة تأثرت، لكن رغم ذلك لا أجد العذر. ودون الدخول في التفاصيل وباختصار، السوق تأثرت وأضرت بالأندية، والآن هو قرارهم، وإذا أرادوا الحلول للمستقبل ولجميع الأندية هناك طريقة مثالية هي النظر إلى كيفية الصرف بحيث تكون مقننة، وهناك شركات راعية لديها الرغبة في العودة مجددا بخلاف النقل التلفزيوني الذي سيسهم في دعم الأندية ماديا».

وتابع: «متى ما استطعنا التفكير بصوت واحد والاجتماع على طاولة واحدة حتما، سنجد الحلول المناسبة التي تساعدنا على معالجة الديون، وعندما بدأنا في لجنة الخصخصة كنت أطالب بوجود دورات للتعليم المستمر للإداريين في الأندية، وهذه الدورة عندما يشارك فيها الإداري سيكتسب معلومات قيمة، وفي دراستي للماجستير اطلعت على جميع اللوائح والأنظمة بـ(الفيفا)، وأعرف المصاعب التي تواجه الناس، وبالتالي من المفترض أن نمنح مساحة كبيرة لدراسة التعليم المستمر في الأمور الإدارية والمالية حتى نكون نخبة من الكوادر تستطيع معرفة كل ما يتعلق في الإدارة الرياضية، وتصبح نظرتنا احترافية في ظل التطور الذي تشهده الرياضة في مختلف دول العالم».