دلال الدوسري: الأندية السعودية تخلط بين مفهوم المسؤولية الاجتماعية والعمل الخيري

المديرة العامة لوكالة «إمباكت» قالت لـ «الشرق الأوسط» إن صناعة الرياضة تنطلق من مفاهيم أعمق

دلال الدوسري
TT

ما زالت المسؤولية الاجتماعية في الاتحاد السعودي لكرة القدم والأندية المحترفة تسير ببطء رغم وجود بعض المجهودات المستمرة والمحاولات الحثيثة نحو تطويرها، لكن يظل العمل الفردي طاغيا وبعيدا عن العمل المؤسساتي والجماعي، أو حتى وجود خطة عمل بين رابطة دوري المحترفين والأندية.

المسؤولية الاجتماعية، ذاك الجانب الذي يجد اهتماما كبيرا من قبل الاتحادات الأم للعبة الشعبية الأولى حول العالم، كرة القدم، حيث يستقطع الفيفا من ميزانيته السنوية ما يزيد على 30 في المائة منها لصالح المسؤولية الاجتماعية، وفقا لبعض التقارير الإعلامية الصادرة أخيرا، إضافة لاهتمام أندية القارة العجوز «أوروبا» بهذا الجانب استغلالا لنجومية لاعبيهم ودعما لمجتمعاتهم المدنية.

في السعودية رغم وجود كثير من مشاهير الرياضة ونجومها الذي يحظون بقبول كبير ويتمتعون بشعبية كبيرة وجارفة في الأوساط الرياضية وخارجها، فإن أدوار المسؤولية الاجتماعية تحضر فترة وتغيب مثلها.

وترى دلال الدوسري، المدير العام لوكالة «إمباكت» لحلول المسؤولية الاجتماعية، أن هناك لغطا وخلطا بين مفهوم المسؤولية الاجتماعية والعمل الخيري، مؤكدة أن المسؤولية الاجتماعية مرتبطة بصناعة الرياضة وليست تلك التي يروج لها في الشارع الرياضي بزيارة الجمعيات الخيرية.

وأشارت في حديثها لـ«الشرق الأوسط» إلى أن المسؤولية الاجتماعية ليست في زيارة مريض أو جمعية خيرية، بل هي تبدأ من ناديك أو اتحادك أو لجنتك الأولمبية، فمثلا عدم دفع إدارة النادي المرتبات الشهرية ومقدمات العقود للاعبين فيه تشويه للمسؤولية الاجتماعية لدى النادي باعتبار أن ذلك يهز صورتك كناد أمام اللاعبين والجماهير والاتحادات ذات العلاقة، فضلا عن أنه يرهق اللاعب نفسيا، في حين يجعل هذا التصرف الصادر عن إدارة النادي اللاعب الذي يفكر في الانخراط في هذه اللعبة كمهنة أن يفكر أكثر من مرة في الدخول إلى عالمها.

وشددت على أن المسؤولية الاجتماعية في الأندية السعودية ليست فاعلة بالقدر المطلوب باستثناء حضورها في أندية معينة، أبرزها نادي الشباب؛ بسبب وجود شخصية تعي جيدا معنى المسؤولية الاجتماعية، مثل فهد العليان، في حين تحضر فترات وأخرى في أندية أخرى، والسبب الخلط الدائر في مفهوم العمل الخيري والمسؤولية الاجتماعية.

وأضافت دلال الدوسري «نسبة تحقيق المسؤولية الاجتماعية في الأندية السعودية لا تتجاوز الـ30 في المائة، فيما الباقي يذهب إلى الخلط الواضح مع ما يسمى العمل الخيري، وبالتالي تجد أندية الشباب والفتح والهلال والأهلي والنصر والاتحاد حاضرة لكن بنسب مئوية لا تتجاوز الرقم الذي ذكرته آنفا للأسف».

وطالبت الدوسري بضرورة التفريق بين مفاهيم العلاقات العامة والتسويق والمسؤولية الاجتماعية والعمل الخيري وما يسمى بالاستدامة إذ شددت على أن لكل مفهوم معنى واضح وشامل ويختلف كليا عن الآخر.

إلى ذلك، يبرز في قطر نادي السد في مجال المسؤولية الاجتماعية، ويكاد يكون أحد صناع نقطة التحول في تاريخ المنطقة في هذا المجال بعد أن نزع رداء الفردية وطرق باب العمل المؤسساتي من خلال وضع خطة خماسية تبدأ بنطاق محدود في عامها الأول، ثم تكبر شيئا فشيئا في الأعوام التي تليها، إلى أن تصل إلى حدود العالمية وتحلق بعيدا عن حدود قطر في خطة تهدف إلى أن يكون السد أحد أبرز الأندية الناشطة في هذا المجال حول العالم.

«الشرق الأوسط» حصلت على دراسة تتعلق بأبرز ما قام به نادي السد القطري من تجربته التي انطلقت في موسم 2011 / 2012، وأصبحت اليوم مطلوبة في السعودية ودول البلقان، وما تلك التحديات التي واجهت القائمين على ذلك المشروع، وكيف نجحوا في تجاوز تلك العوائق، حيث كانت البداية القطرية عن طريق نادي السد بتوقيع عقد شراكة مع وكالة «إمباكت» الوكالة الوحيدة في الخليج والمتخصصة بإيجاد حلول للمسؤولية الاجتماعية، حيث يمتد العقد إلى خمس سنوات ابتداء من موسم 2011 / 2012.

وطردا لأي تساؤلات قد تبدر إلى الأذهان عما هي فائدة برامج المسؤولية الاجتماعية في الأندية، حيث تشير الأبحاث إلى أن برامج المسؤولية الاجتماعية تمكن المنظمات الرياضية من تحقيق عدد من المزايا والمردودات الإيجابية كما هو معمول به في كرة القدم الأوروبية، فبصرف النظر عما إذا كان هذا النادي يحقق بطولات أم لا فإنه بمثل هذه الاستراتيجيات سيتمكن من الحفاظ على العلاقة المباشرة مع أصحاب المصلحة وقدرته على التأثير فيهم، وفي هذه الحالة يكون المستهلكون أحد أهم أصحاب المصلحة ويمثلون في القطاع الرياضي الجمهور، فممارسة أنشطة المسؤولية الاجتماعية لناد رياضي مع جمهوره تعزز الرابط بين النادي والجمهور، الأمر الذي يخلق مشجعين أوفياء يتفانون في حضور مبارياته، وشراء منتجاته، وزيادة عائداته من النقل التلفزيوني، وبالتالي زيادة العوائد الاستثمارية للنادي على المدى الطويل. ومن هذه المعطيات تتضح أهمية هذه البرامج مع جميع أطراف المصلحة، سواء كان ذلك في مجال التعليم، والصحة، والتنمية الاجتماعية، أو في مجال البيئة.

وتوضح الدراسة التي تنفرد «الشرق الأوسط» بنشرها، أن هناك مشكلتين تواجهان أندية كرة القدم في منطقة الخليج وتمثلان تحديا غير سهل، فالمشكلة الأولى في عدم وجود القدوة المثال النموذجي في مجال المسؤولية الاجتماعية الرياضية على مستوى منطقة الخليج، أما المشكلة الثانية، فتكمن في صعوبة تطبيق المبادرات الاستراتيجية في المسؤولية الاجتماعية الرياضية في ظل ضعف الوعي لدى منسوبي القطاع الرياضي، حيث يوضح القائمون على هذا المشروع في السد القطري أن معظم الأبحاث المتوافرة حول استراتيجيات المسؤولية الاجتماعية داخل أندية كرة القدم تبحث في عالم كرة القدم الأوروبية، حيث لم تكن هناك أي معايير محلية أو خليجية أمام السد للتعلم منها، إضافة إلى أنه ما زال مفهوم المسؤولية الاجتماعية في قطر حديثا بين العامة من الناس ويتزايد السعي لإدراك قيمة المسؤولية الاجتماعية في جميع المجالات.

ورغم كل هذه التحديات وعدم وعي المجتمع بدور المسؤولية الاجتماعية، فإن الإرادة عندما حضرت في نادي السد أزالت كل العقبات، حيث تم العمل بدقة لرسم خطة استراتيجية مدتها خمس سنوات ضمن الاستراتيجية العامة للنادي، مع الإيمان بأن المسؤولية الاجتماعية خيار استراتيجي وليست إجراء تكتيكيا يلجأ له النادي في مناسبات محدودة، واهتم القائمون على هذا البرنامج بمشاركة المجتمع بأكمله في برامج هادفة من شأنها تحسين الآثار الاجتماعية لكرة القدم وتعزيز ثقة الجمهور به، مع ضمان الاستدامة المالية والتشغيلية، لذلك اعتمد نادي السد برنامجا زمنيا لنشر أهدافه عن طريق السنوات الخمس التي سيتم العمل فيها على هذه الاستراتيجية، ففي الموسم الأول جاء الشعار 180 درجة تغيير بحيث يكون التنفيذ على مستوى المنطقة المحيطة بالنادي، في حين حمل الموسم الثاني شعار 360 درجة تغيير بحيث شملت البرامج كل أرجاء البلاد، أما الموسم الثالث وهو الموسم الحالي فجاء الشعار «التأثير الكامل» بحيث يكون التنفيذ على المستوى الإقليمي «منطقة الخليج»، وأما الموسم الرابع فسيتم فيه إنشاء مؤسسة السد للمسؤولية الاجتماعية بحيث يكون العمل على النطاقين القاري والدولي، وأخيرا سيكون الموسم الأخير لهذه الخطة بأن يصبح السد ضمن أفضل خمسة أندية آسيوية في مجال المسؤولية الاجتماعية.

كما وضع القائمون على تنفيذ هذه البرامج أربعة محاور أساسية تحضر في كل عمل، وهي: سوق العمل، ومكان العمل، والمجتمع والبيئة، وعدم التشتت أو توقف البرنامج بعد فترة بسيطة، بل العمل على قياس النتائج إذا كانت إيجابية للاستمرار أو سلبية فيتم التعديل وإعادة الصياغة.

أما فيما يخص عدم وعي المجتمع في انتشار أنشطة المسؤولية الاجتماعية، فقد عقد السد شراكة مع قناة «الدوري والكأس القطرية» لنشر ثقافة المسؤولية الاجتماعية في الأوساط الرياضية مع الالتزام بالشفافية والإفصاح لكسب ثقة أصحاب المصلحة، وعليه أتاح النادي الوصول لكافة معلوماته بهذا الجانب على الموقع الإلكتروني في النادي مع بث تقارير مفصلة لكل الأنشطة.

كما عين السد خمسة من نجوم الفريق كسفراء لبرنامج المسؤولية الاجتماعية، وهو ما شكل التزاما بين النادي والنجوم أنفسهم ببرامج محددة للتواصل مع المجتمع مباشرة طوال خمس سنوات، ففي الموسم الأول حضر النجم الكروي الشهير وسام رزق للمساهمة في معالجة مشكلة السمنة والمرتبطة بالرياضة، وذلك من خلال تنفيذ برنامج يستهدف طلاب المرحلة الابتدائية حول أهمية الأكل الصحي وممارسة الرياضة من خلال استعراض الجدول اليومي له كلاعب مع توزيع وجبات صحية في المدارس.

وفاقت تجربة النادي القطري إعجاب الاتحاد السعودي لكرة القدم، الذي أكد أنه يريد تجربة نموذج السد القطري على ثلاثة أندية، بحسب وكالة «إمباكت» الشريك الاستراتيجي لنادي السد القطري في هذا المشروع، إضافة لذلك فقد أعلن نادي فايتور الروماني رغبته في قيادة مشروع المسؤولية الاجتماعية في دول البلقان بعد أن نال البرنامج إعجابه.

وللتأكيد فإن المسؤولية الاجتماعية في الأندية السعودية تسير بوتيرة بطيئة ولا تحقق الهدف الملموس منها، في ظل أن العمل الذي يجري الآن لا يتجاوز العشوائية والاجتهادات الفردية من بعض الأندية دون أن تكون هناك خطة عمل تسير وفق برنامج منظم من اتحاد الكرة أو الرابطة أو حتى الأندية بشكل عام.