ايزيبيو أسطورة الكرة البرتغالية يودع الحياة في عيد ميلاده

الموزامبيقي الأصل صنع المجد مع بنفيكا.. وبلاتر يؤكد أن مكانته بين العظماء لا يمكن انتزاعها

شاء القدر أن يودع الأسطورة ايزيبيو الحياة في اليوم الذي ولد فيه قبل 71 عاما، (في الاطار) يحتفل بفوزه بالحذاء الذهبي كأفضل هداف لمونديال 1966 (أ.ب)
TT

لطالما كان ايزيبيو حالة خاصة في كرة القدم البرتغالية وحتى أن وفاته أمس الأحد بسبب سكتة قلبية لم تكن «عادية» لأن الأسطورة قرر الرحيل في اليوم الذي ولد فيه قبل 71 عاما، وبالتحديد في 5 يناير (كانون الثاني) 1942.

الشعب البرتغالي رأى فيه صانع أحلى أيام الكرة في هذا البلد، ولأنه أسمر ويملك كل صفات الجوهرة السوداء لقبوه بيليه أوروبا، لكن الموزامبيقي الأصل، واسمه الكامل دا سيلفا فيريرا، أراد أن لا ينسى العالم اسمه وأسلوبه الخاص وأن لا يكون مجرد شبه لنجم كبير بل أراد أن يحفر اسم «الفهد الأسود» في قاموس اللعبة الشعبية الأولى في العالم.

كان ايزيبيو يملك تقريبا كل مواصفات بيليه، نفس البنية الجسدية (175 سم - 77 كلغم) نفس المرونة، نفس السرعة، ويتميز بتسديدات قوية لكنه برغم ذلك قال ذات يوم: «لا أحد يمكن أن يقارن ببيليه، إذا أردتم إسعادي نادوني ايزيبيو».

ونعى السويسري جوزيف بلاتر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم «فيفا» الأسطورة البرتغالية قائلا: «فقدت كرة القدم واحدا من أساطيرها، ولكن ايزيبيو سيظل بين العظماء ولن يقدر أحد على انتزاع مكانته».

وقال البرتغالي جوزيه مورينهو مدرب تشيلسي عن ايزيبيو: «كان واحدا من أعظم الشخصيات والقامات الذين أنجبتهم البرتغال. إنه شخصية لا تنسى. نعلم جميعا قدره وما يمثله لكرة القدم عامة وكرة القدم البرتغالية على وجه الخصوص». وأضاف مدرب بورتو وإنترناسيونالي وريال مدريد السابق: «لم يكن ملهما كبيرا فقط بل كان شخصية محورية في الحفاظ على قيم ومبادئ كرة القدم حتى بعد اعتزاله».

وقال توني زميله السابق في بنفيكا ومنتخب البرتغال: «أبلغته قبل وفاته بكل ما أكنه له من حب واحترام... لقد شرفت باللعب إلى جواره. فقدنا واحدا من أعظم الشخصيات في كرة القدم البرتغالية».

وأضاف لاعب الوسط السابق في بيان: «كان هناك الكثير من الأمراء في كرة القدم والقليل من الملوك. إنه واحد من الأساطير. حباه الله بالموهبة من الناحيتين الفنية والبدنية. يشبه الشخصيات المذكورة في الأساطير اليونانية».

ولد ايزيبيو في 5 يناير 1942 في لورينسو ماركيس في زيمبابوي التي كانت آنذاك مستعمرة برتغالية، وعاش فقيرا وسط عائلة من تسعة أطفال. كان الطفل فيريرا مولعا بالكرة منذ الصغر، وكانت مواهبه ناضجة منذ البداية، غير أن المشكلة كانت تكمن في أنه لا يستطيع الانضمام إلى نادي ديبورتيفو الشهير والأعرق في المدينة لأنه فقير جدا، فلجأ إلى نادي لورنسو ماركيز وهو أحد فروع سبورتينغ لشبونة الكبير.

في هذه الأثناء كان لاعب بنفيكا والدولي السابق سيرافين باتيستا يقوم بمراقبة أفضل المواهب في موزامبيق فلفت انتباهه هذا الطفل، وأبرق سريعا إلى ناديه في البرتغال يطلب ضم هذه الجوهرة.

عرض بنفيكا على ايزيبيو الحضور إلى البرتغال للانضمام إلى النادي، غير أن الشاب الفقير تردد في بادئ الأمر، لكن أمه وبسبب الفقر المدقع الذي تعيشه العائلة طلبت من ابنها قبول العرض الذي سينال بفضله 250000 اسكودوس بالإضافة إلى 50 يحصل عليها عقب كل مباراة.

رضخ الشاب إلى رغبة أمه، وقرر السفر إلا أنه اختار تغيير اسمه حتى لا يتنبه مسؤولو ناديه سبورتينغ، فغادر إلى البرتغال باسم أنطونيو فيريرا في 17 ديسمبر (كانون الأول) 1960.

بقي ايزيبيو يعيش بصفة غير شرعية لمدة 5 أشهر، حاول خلالها بنفيكا بواسطة مبعوثين له إلى نادي سبورتينغ إقناع المسؤولين هناك بتسريح فيريرا دا سيلفا وهو ما حصل بعد جهد كبير.

وابتداء من 23 مايو (أيار) 1961 انضم ايزيبيو رسميا إلى بنفيكا، وبعد ذلك بأسبوع توج النادي البرتغالي بلقب كأس أبطال الأندية الأوروبية السادسة واضعا حدا لسيطرة ريال مدريد الإسباني العملاق بقيادة النجم الفريدو دي ستيفانو، وبالطبع لم يكن ايزيبيو في عداد الفريق البطل.

وجد ايزيبيو الرهان صعبا عليه خصوصا بعد أن أضحى بنفيكا بين ليلة وضحاها من أشهر الأندية الأوروبية بفضل إنجازه، وزاد الأمر صعوبة إضاعته لركلة جزاء في أول ظهور له مع الفريق بعد أيام من الحدث الأوروبي ضد فريق سيتوبال ضمن منافسات الكأس وساهمت بخروج بنفيكا.

غير أن ذلك لم يؤثر على معنويات القادم الجديد الذي انفجرت مواهبه في يوليو (تموز) من السنة ذاتها في دورة باريس الفرنسية المشهورة آنذاك، حيث جمعت المباراة النهائية بنفيكا بسانتوس البرازيلي بقيادة بيليه.

ولم يكن ايزيبيو أساسيا في هذه المباراة التي انتهى شوطها الأول بتقدم الفريق البرازيلي 5 - صفر، ودخل احتياطيا في الشوط الثاني، حيث تمكن من تسجيل 3 أهداف فخطف الأضواء وأبهر المتتبعين الذين رأوا بداية بزوغ نجم جديد في سماء كرة القدم.

وفي الموسم 1961 - 1962 أثبت ايزيبيو علو كعبه، وكان نجم مباراة الدور ثمن النهائي من كأس أندية أبطال أوروبا ضد فيينا النمساوي حيث قاد فريقه للفوز 5 - 1 ثم في مباراة ربع النهائي أمام نورمبورغ حامل لقب الدوري الألماني الذي تلقى هزيمة نكراء صفر - 6.

في 2 مايو 1962 كان الموعد مع المباراة النهائية لكأس أندية أبطال أوروبا في أمستردام الهولندية، وجمعت بنفيكا بريال مدريد الذي كان لاعبوه لم ينسوا بعد هزيمة المباراة النهائية في الموسم الماضي، إلا أن ايزيبيو كان على الموعد وتمكن بفضل مهاراته العالية من تسجيل هدفين منح بهما اللقب الثاني على التوالي لبنفيكا وصار أحد النجوم العالميين.

وأضحى ايزيبيو، القوي البنية والسريع والمرن وصاحب التسديدات الصاروخية، معشوق الجمهور البرتغالي بفضل هذه المميزات التي مكنته من نيل لقب هداف الدوري البرتغالي، حيث تمكن من تحطيم الرقم القياسي في عدد الأهداف التي سجلها بـ43 هدفا عام 1968.

ونال ايزيبيو لقب الدوري البرتغالي مع بنفيكا 11 مرة، وكأس البرتغال 5 مرات. أما أهم 9 أهداف سجلها ايزيبيو في حياته، فهي بلا شك خلال نهائيات كأس العالم 1966 في إنجلترا حيث شاءت القرعة أن يكون المنتخب البرتغالي ضمن أصعب مجموعة في الدور الأول، غير أن ايزيبيو وزملاءه تمكنوا من الفوز بمبارياتهم الثلاث أمام المجر (3 - 1) ثم أمام بلغاريا (3 - صفر) وخاصة أمام البرازيل (3 - 1) فسجلوا 9 أهداف منها 3 لايزيبيو.

وفي الدور ربع النهائي واجه المنتخب البرتغالي نظيره الكوري الشمالي الذي أقصى المنتخب الإيطالي، وبعد 24 دقيقة من بداية المباراة فاجأ الكوريون الجميع وأبهروا العالم بعروضهم حيث تقدموا بثلاثة أهداف نظيفة، غير أن ايزيبيو لم يستسلم لأمر الكوريين واندفع نحو الهجوم كعادته وتمكن من قلب الموازين رأسا على عقب. فمن الدقيقة 28 حتى الدقيقة 60 سجل 4 أهداف وفازت البرتغال 5 - 3 وتأهلت إلى الدور نصف النهائي. وفي هذا الدور واجه زملاء ايزيبيو المنتخب الإنجليزي صاحب الأرض بقيادة النجم بوبي تشارلتون وفاز الإنجليز بهدفين لتشارلتون مقابل هدف لايزيبيو وتأهلوا إلى المباراة النهائية حيث توجوا باللقب العالمي.

أما البرتغال فنالت المركز الثالث بعد فوزها على الاتحاد السوفياتي (2 - 1) وسجل ايزيبيو أحد الهدفين وتوج بلقب أفضل هداف في الدورة برصيد 9 أهداف، لكن ولسوء الحظ لم يستطع ايزيبيو مواصلة مشواره الكروي على المستوى الدولي بسبب الإصابات الخطيرة التي كان يتعرض لها في كل مرة، وابتداء من 1970 فضل اللعب في مركز متأخر ورغم ذلك بقي وفيا للمرمى وتمكن من تسجيل 40 هدفا في الدوري عام 1973. وفي سن الثالثة والثلاثين وبعد مشوار لامع مع بنفيكا، فضل ايزيبيو تغيير الأجواء وانتقل إلى فريق تورونتو الكندي في دوري أميركا الشمالية، قبل أن يعود إلى بنفيكا ليعمل في مجلس إدارة النادي.