الجائع كارينيو.. عراب النصر الجديد

حول فريقه من حمل وديع إلى بطل يعشق الانتصار.. ويرفض الخسارة

كارينيو محمولا من لاعبي وإداريي النصر أمس (تصوير: عبد العزيز النومان)
TT

فريق كان معرضا دائما لاستقبال الخسارة، يعشق البطولات ولكنه بات بعيدا عنها، يبحث عن بطولة ليرد جزءا من الدين تجاه جماهيره الغفيرة التي ما فتئت عن مساندته ودعمه رغم ابتعاده عن دائرة المنافسة لسنوات مضت لكن وضعه الفني يؤكد أنه فريق بائس رغم كافة محاولات الإصلاح التي هبت عليه.

هكذا بدأ حال النصر المعنوي والفني قبل قدوم مدربه الأوروغوياني كارينيو الذي نجح بعد 16 شهرا من توليه الدفة الفنية لفريقه الجديد من إعادته لمنصات التتويج بعد غياب دام لأكثر من خمس عشرة سنة.

كارينيو الذي بدأ في حالة مشابهة لفريق النصر بابتعاده عن البطولات كمدرب حينما بدأت سيرته التدريبية ظاهرة على صعيد وسائل الإعلام المحلية بعدما أعلن النصر إبرام العقد معه ليحل بديلا للكولومبي ماتورانا الذي تعشم النصراويون به كثيرا قبل أن يتم إلغاء عقده بعد مرور الجولة الخامسة من دوري الموسم الماضي إثر خسارته من غريمه التقليدي الهلال، بدأت المخاوف النصراوية واضحة من هوية مدربها الجديد والذي جاء بعقد يمتد حتى نهاية الموسم، فمسيرته التدريبية تؤكد أن آخر بطولة خطفها الأوروغوياني كانت في عام 2002 مع فريق ناسيونال أي قبل ما يزيد عن عشر سنوات.

ابتعاد مدرب النصر الجديد حينها كارينيو عن البطولات ساهم في وجود رابط خفي في الشعور بينه وبين فريقه في العودة لمنصات التتويج.

«الجائع كارينيو» كان يدرك صعوبة المهمة في إعادة فريق محطم لدائرة المنافسة من جديد، عكف الرجل الخمسيني على رسم خطة تعيد النصر لسابق عهده وتغير نظرة إدارته نحوه ليستمر على رأس الجهاز الفني موسما إضافيا بعد أن كان عقده الأساسي حتى نهاية الموسم الفائت.

كان السلاح الأبرز لكارينيو روحه العالية ورفضه للخسارة، تحركاته أمام مقاعد البدلاء تلفت الأنظار وتبث الحماس في نفوس لاعبيه، يجوب المساحة المتاحة له أمام مقاعد البدلاء يمينا ويسارا، يصرخ ويشد شعره ويصفق بحرارة ثم يبتسم صادقا وربما ساخرا في بعض الأحيان يسخط ويوبخ لاعبيه بشدة أمام الملأ ولكن ما أن يطلق الحكم صافرته حتى يكون العناق بالأحضان مع من وبخه ليؤكد في تصرفاته أنه يغضب ويصرخ من أجل النصر.

كانت تلك هي أبرز طقوس المدرب كارينيو على مقاعد البدلاء ولاعبيه داخل الميدان.

يقول أمين دابو أحد أبرز وأمهر اللاعبين في تاريخ الكرة السعودية في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط» عن روح كارينيو وحماسه الزائد: كارينيو يتميز بحماسه الكبير وقربه من لاعبي فريقه، العناق الحار بينهم عقب تسجيل الأهداف ونهاية المباراة يعكس ذلك، أعتقد أن حماس المدرب وروحه العالية جعلت لاعبيه يقدمون كل ما لديهم من أجل الفوز.

خوسيه دانيال كارينيو المولود في الأول من مايو (أيار) 1963 في مدينة مونتيفيديو عاصمة بلاده الأوروغواي، بدأت علاقته مع كرة القدم كلاعب في خانة الهجوم مع فريق مونتيفيديو واندررز في عام 1977 وبعد رحلة دامت قرابة السبع سنوات حزم كارينيو حقائبه ناشدا الاحتراف الخارجي مع فريق لانس الفرنسي لمدة ثلاث سنوات قبل أن يعود مجددا لبلاده ويمثل فريق ناسيونال لمدة موسم حقق فيه بطولتين، قبل أن يختم كارينيو مسيرته الكروية كلاعب مع فريقه السابق مونتيفيديو واندررز، وبعد عشر سنوات من اعتزاله ميادين كرة القدم عاد مجددا مع مطلع الألفية الجديدة مرتديا ثوب التدريب عبر ناديه السابق مونتيفيديو واندررز حيث قاده في موسمه الأول للصعود من دوري الدرجة الثانية نحو الدرجة الأولى.

انتقل كارينيو الذي سيدخل مطلع مايو القادم عامه الواحد والخمسين إلى تدريب نادي ناسيونال وقاده نحو معانقة لقب دوري الدرجة الأولى، وبعد مسيرة عامين انتقل لتدريب فريق ليجا دي كويتو الإكوادوري لمدة موسم دون تحقيق أي إنجاز، قبل أن يعود في موسم 2005 لناديه السابق مونتيفيديو واندررز ليقضي معه ثلاثة مواسم دون إنجاز، ليرحل صوب ناسيونال مجددا ويدربه لموسمين دون أي بطولة، وفي موسم 2008 رحل لتدريب ديبورتيفو كالي الكولومبي ومنه عاد إلى مونتيفيديو واندررز، في حين كانت آخر محطاته التدريبية قبل قدومه للنصر فريق باليستينو التشيلي حيث انتهت العلاقة بينهما بالإقالة بعد المستويات التي لم تقنع مسيري النادي التشيلي.

بعد قدوم كارينيو للنصر نجح في تقليل نسبة الخسارة ورد الدين لخصمه الهلال دوريا بعد أن تسببت الخسارة الأولى في إقالة الكولومبي ماتورنا لتسارع إدارة النصر الخطى وتجدد عقد مدربها الذي زرع محبته في قلوب أنصار ناديه لعام آخر، إلا أن شهر العسل بين كارينيو والنصر كاد أن ينتهي بعدما خسر نهائي ولي العهد أمام غريمه التقليدي الهلال رغم أنها كانت بركلات الترجيح التي لا تعد في علم كرة القدم «خسارة» وإنما سبيل لاختيار الفائز.

تلك الخسارة التي قال عنها كارينيو إنها حرمته من تذوق طعم النوم، قبل أن يودع خلال أيام بعدها دوري أبطال العرب على يد فريق العربي الكويتي وينهى موسمه خال من تحقيق أي بطولة.

الجائع كارينيو نجح في صياغة فريقه قبل انطلاقة الموسم بصورة مثالية ليظهر النصر فريقا مدججا بالنجوم ينافس بشراسة ويعشق الانتصار ويكره الخسارة، تصدر لائحة ترتيب الدوري ونجح في إسقاط منافسه وأقرب مطارديه الهلال دوريا ليتسع الفارق بينهما إلى ست نقاط لصالحه مع المحافظة على سجله خالي من أي خسارة على صعيد الدوري.

يقول المدرب الوطني والمحلل الفني نايف العنزي في حديث فني عن كارينيو لـ«الشرق الأوسط» التعامل مع أكثر من نجم في الفريق يبعثر أي مدرب ولا يستطيع التعامل مع هذه الظروف إلا قائد محنك ومدرب فذ، مضيفا: كارينيو استطاع التعامل دون أي مشاكل رغم وجود اختلافات في الشارع النصراوي عمن يمثل الفريق إلا أنه جعلنا نشاهد تارة عوض خميس وتارة محمد نور وكذلك الشهري أو نور فهناك مجموعة ثابتة والبقية متحركون.

عراب النصر الجديد كارينيو كسر احتكار غريمه التقليدي الهلال لبطولة كأس ولي العهد ونجح في إعادة فريقه نحو منصات التتويج ورد الدين للفريق الذي حرمه النوم بعد نهائي النسخة السابقة، ورغم تحقيقه للقب بطولة ولي العهد إلا أن أنظاره ما زالت شاخصة نحو البطولة الأهم «درع الدوري» التي يعتبرها كارينيو التتويج المثالي لموسم ظهر فيه النصر بصورة لم يعرفها عاشقوه منذ سنوات طويلة.

حينما التقى النصر والهلال بحضور كارينيو لم ينجح الأخير في رسم علامة الفوز على النصر حيث خسر الهلال بهدف محمد السهلاوي في الجولة الثامنة عشرة العام الماضي في الدوري للمحترفين ثم بعد ذلك التقيا في نهائي كأس ولي العهد التي لم يستطع خلالها الهلال من التفوق إلا بركلات الترجيح لكن الهلال عاد ليخسر مرة أخرى في الجولة العاشرة من النصر قبل أن يخسر وبشكل واضح وفي الوقت الأصلي أمام الند التقليدي في نهائي كأس ولي العهد ليبدو كارينيو بعبعا ومخيفا للهلاليين.

يقول فهد الهريفي في معرض تحليله وحديثه عن مدرب النصر الحالي: منذ سنوات ونحن نؤمن بأن سياسة التدوير خطأ لكن كارينيو كسر هذه القاعدة من خلال ما يقوم به في فريقه الكبير.. لقد أعاد صياغة هذه السياسة التي كان الكثيرون يختلفون عليها!؟