أولمبياد سوتشي الشتوي يتأهب للانطلاق غدا وسط هواجس أمنية

الدورة تمثل تحديا كبيرا لروسيا.. وقلق عالمي من الفشل

شرطي روسي يحيي العلم أثناء احتفال ترحيبي بفرق مشاركة في الدورة (رويترز)
TT

تمثل دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي تحتضنها مدينة سوتشي الروسية اعتبارا من غد للرئيس الروسي فلاديمير بوتين حدثا رمزيا كبيرا لعودة روسيا إلى الساحة الرياضية العالمية وفرصة لتعزيز رصيده الشعبي، لكن الرهان يبقى محفوفا بالمخاطر بالنسبة له بحسب ما يتوقع الخبراء. كما تمثل دورة سوتشي حقل ألغام بالنسبة لرئيس اللجنة الأولمبية الدولية الألماني توماس باخ لأنه «يسير» في الأولمبياد الأول تحت قيادته بعد أن خلف البلجيكي جاك روغ، بين أحلام العظمة لبوتين والجدل الكبير الذي يحيط بهذا الحدث.

وكان بوتين الذي تولى الحكم قبل 14 سنة استعمل تأثيره الكبير عام 2007 للظفر بشرف استضافة هذا الحدث الرياضي الكبير الأول في روسيا منذ سقوط الاتحاد السوفياتي عام 1991 والذي سيفتتح في سوتشي المدينة الواقعة على البحر الأسود وجبال القوقاز. وكان بوتين أعلن في مقابلة أجرتها معه قناة «روسيا 24» بأنه اختار «هذا المكان شخصيا» لإقامة الألعاب الأولمبية الشتوية. وتقول المحللة ماريا ليبمان من مركز كارنيغي للدراسات بأن بوتين الرجل القوي في البلاد يريد أن «يثبت بأن روسيا قادرة على الإبهار عبر استضافة عيد رياضي كبير من خلال بناء البنى التحتية واستقبال الوفود» من مختلف أنحاء الكرة الأرضية. وجعل بوتين من الأحداث الرياضية أولويات استراتيجية وقد نجحت البلاد في الظفر بكأس العالم 2018 وبسباق فورمولا1 للسيارات ضمن بطولة العالم أواخر العام الحالي في الحديقة العامة لسوتشي أيضا. ويقول أحد السياسيين المقربين من الكرملين ويدعى دميتري اورلوف بأن استضافة الألعاب الأولمبية الشتوية للمرة الأولى في روسيا هو «مشروع شخصي لبوتين الذي يفكر بالتاريخ وماذا سيكتب عنه».

وكانت شعبية بوتين عام 2007 لامست نسبة 80 في المائة في ظل نمو الاقتصاد الروسي بشكل كبير وسط غياب المعارضة تماما، لكن الأمور تغيرت كثيرا منذ تلك الفترة. أما اليوم فتلاحظ ليبمان أنه «أصبح أكثر صعوبة الإقناع بأن روسيا تسير على الطريق الصحيح، حيث سجل النمو الاقتصادي واحدا في المائة فقط مؤخرا مقارنة مع 8 في المائة عام 2007. وبدأ الروبل ينهار إزاء اليورو، بالإضافة إلى قمع مظاهرات مناهضة بعنف عام 2012 والخروقات في حقوق الإنسان التي دانتها الأمم المتحدة. كما أن الانتقادات تضاعفت في الآونة الأخيرة حول تكاليف إقامة الألعاب الأولمبية الأغلى في العالم حتى الآن، بالإضافة إلى شكوك بأعمال فساد وإنفاق عام بلغ 50 مليار دولار لاستضافة الحدث الأولمبي في منطقة كانت خالية تماما من أي منشآت رياضية على بعد مسافة قصيرة من الجمهوريات القوقازية غير المستقرة من الناحية الأمنية.

ورغم الاحتياطات الأمنية الضخمة التي اتخذتها روسيا للوقوف في وجه التهديدات التي تلقتها من منظمات إسلامية متطرفة، فإن الأمن لا يزال يثير قلقا كبيرا، كما أن إصدار قوانين روسية ضد حقوق الإنسان عام 2012 أثارت انتقادات كبيرة في الدول الغربية وقد تضاعفت مع اقتراب موعد إقامة الألعاب. وبنظر المحلل المستقل دميتري اوريشكين فإن هذه الألعاب «تشكل تحديا كبيرا لبوتين وليست مصدر راحة بالنسبة إليه. فهو متوتر الأعصاب كالطالب الذي يقوم بالامتحان، وإذا لم تسر الأمور بشكل جيد فإنه سيرسب في هذا الامتحان». وأضاف: «في أفضل الأحوال، ستبرهن الألعاب الأولمبية بأن روسيا هي دولة كسائر الدول، لكن هناك فرص أكبر لحصد الفشل أيضا أكثر منها تحقيق فوائد». وتابع: «كانت روسيا وبوتين عام 2007 مختلفين، أما الآن فلا أحد يسامح بوتين» مشيرا إلى عدم احترام حقوق الإنسان، والفساد المستشري في قطاعات الدولة. وخلصت ليبمان إلى القول بأن ألعاب سوتشي لن تغير من صورة روسيا عبر العالم، لكنه على الصعيد الشخصي قد تسمح «لبوتين بأن يسجل نقاطا إضافية بعد نجاحاته مؤخرا على الصعيد السياسي».

ويأمل باخ أن يكون اختباره الأول على رأس اللجنة الأولمبية الدولية أفضل من سلفه روغ الذي استهل مهمته مع الألعاب الأولمبية الشتوية في سولت لايك سيتي الأميركية عام 2002 حيث كان على موعد مع فضائح الفساد والرشاوى التي عصفت باللجنة الأولمبية على خلفية منح شرف الاستضافة لعاصمة مدينة يوتا.

ويعتقد البعض أن «القيم الأولمبية» تتعارض مع استضافة روسيا للألعاب الأولمبية الشتوية في ظل اتهامها بالتعسف وانتهاك حقوق الإنسان. كما انتقد الكثيرون إقامة الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي بسبب الضرر الذي لحق بالبيئة وبسبب تهم استغلال العاملين المهاجرين الذي أوصلوا هذا المنتجع المتواجد على البحر الأسود إلى ما هو عليه الآن في غضون سبع سنوات.

ويتحدث كثير من المعارضين عن أن ثلث المبلغ القياسي الذي أنفقه الروس من أجل الوصول إلى حالة الجهوزية التامة لاستضافة هذا الحدث الكبير، والذي بلغ 50 مليار دولار، ذهب لجيوب المقربين من النظام. ويبدو أن حسابات اللجنة الأولمبية الدولية مختلفة عن حسابات النظام الروسي ومعارضيه، إذ كرر باخ في أكثر من مناسبة بأن ميزانية تشغيل الألعاب الأولمبية الشتوية تبلغ 3 مليارات دولار، أي أنها قريبة من ميزانيات النسخ السابقة، معتبرا بأن عملية بناء الطرقات وخطوط السكك الحديدية أو استحداث مطار في المنطقة يجب أن تعتبر كاستثمارات للمدى الطويل تستفيد منها المنطقة ولا يجب أن تحتسب كإنفاقات على علاقة مباشرة بالألعاب بحد ذاتها. ما هو مؤكد أن باخ ليس أول بطل أولمبي (ذهبية الفرق لسلاح الشيش في دورة مونتريال عام 1976) يتولى رئاسة الأولمبية الدولية من فراغ، فهو حافظ على أسلوبه الرياضي في البقاء على أهبة الاستعداد وانتظار اللحظة المناسبة للهجوم.

يعتمد باخ منهجا مخالفا لسلفه روغ الذي رفض مزج السياسة بالشؤون الأولمبية، فهو كمحام بارع يعلم تماما كيفية الرد على الأسئلة المحرجة بمهارة دون أن يظهر بأنه يحاول تجنبها. وفي أحد تصريحاته قال باخ «لا يجب أن تكون اللجنة الأولمبية الدولية منعزلة تماما عن السياسة»، هذا ما قاله باخ بعد انتخابه في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، مضيفا: «يجب أن نفهم تماما بأن القرارات التي نتخذها، مثل منح شرف استضافة الألعاب الأولمبية، لها عواقب سياسية، ويجب أن نأخذ في الحسبان هذه العواقب». وقال باخ في حديث خاص لوكالة الصحافة الفرنسية وردا على سؤال حول أحقية روسيا باستضافة هذه الألعاب بعد الكلام عن الاتهامات بالفساد والكارثة البيئية وحقوق الإنسان وظروف عمل الأجانب وغير ذلك: «نعم، روسيا تستحق تنظيم الألعاب لأن هذا النوع من النقاش يظهر أهمية الألعاب وإلى أي درجة العالم مهتم بها ما يلفت عندئذ انتباه الدول». وأضاف: «إننا نقدر هذه النقاشات لأنها تعطينا الفرصة لتوضيح ما تقوم به اللجنة الأولمبية الدولية وما هي إمكاناتنا وأين هي حدودنا. من هذا المنظار، مسؤوليتنا تكمن في أن نتأكد أن الميثاق الأولمبي مطبق بالنسبة إلى كل المشاركين، وإزاء ذلك نحن لدينا كل التطمينات من رئيس الاتحاد الروسي وحكومته». وأجاب باخ ردا على سؤال حول صرخة منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان بأن روسيا تنتهك هده الحقوق: «قبل كل شيء، هناك موضوع الألعاب الأولمبية. اللجنة الأولمبية الدولية ليست حكومة عالمية تستطيع فرض قوانينها على بلد ذي سيادة أو تتجاوز قوانين صوت عليها برلمان سيد». وتابع: «مسؤوليتنا، ونحن جادون بذلك، هي أن نتأكد من تطبيق كامل للميثاق الأولمبي خلال الألعاب. إذا ما حصل شيء على هذا الصعيد، سنبحث عن توضيح من المنظمين أو إيجاد حل له».

وسئل باخ عن انزعاجه عند طرح مثل هذه الأسئلة وكأنه ناطق باسم السلطات الروسية أو المدافع عن حصيلتها، فرد الألماني «بالتأكيد لا يزعجني ذلك لأنه يمنحنا الفرصة لشرح ما هي مسؤوليتنا. قد يحدث أحيانا سوء تفاهمات، فالناس يعتقدون بأننا نستطيع حل جميع المشاكل التي لم يستطع حلها لا رجال السياسة ولا المنظمات غير الحكومية ولن يستطيع غيرهم حلها». وقال في هذا الخصوص «ولايتنا تكمن في أن يحترم الميثاق الأولمبي ومن خلال ذلك إيصال الرسالة التالية: كيف يمكن أن يعيش الناس بسلام ودون أي شكل من أشكال التمييز. هذه هي مهمتنا، لن اتعب أبدا من شرح هذا الموضوع وآمل أن يفهم البعض ذلك بشكل أفضل». وتواجه روسيا تحديات أخرى في هذه الألعاب من ناحية أمن وسلامة الرياضيين والوافدين إلى سوتشي لأنه ورغم الاحتياطات الأمنية الضخمة التي اتخذتها للوقوف في وجه التهديدات التي تلقتها من منظمات إسلامية متطرفة، فإن الأمن لا يزال يثير قلقا كبيرا بالنسبة للكثيرين.