فتيات تحت العشرين في عيادات التجميل

البعض يحلمن بتفتيح بشرتهن وهناك من تسعى إلى تكبير «الشفايف»

TT

تغيرت مقاييس الجمال وأصبحت المرأة تسعى وراء الحصول على نسب ومعايير مثالية في الجمال، ولم يعد الماكياج العادي كافياً لملاحقة أحدث صيحات الموضة، وظهرت مراكز وعيادات التجميل، التي انتشرت إعلاناتها في الصحف والمجلات تعلن عن إزالة التجاعيد وتفتيح البشرة، وخفض الوزن وتقويم الأسنان.

في البداية كان الإقبال على هذه المراكز ضعيفاً، لكن مع مرور الوقت ازدحمت هذه الأماكن، الغريب أنها امتلأت ببنات دون العشرين من أعمارهن، وأصبحن من المترددات عليها، فهذه فتاة تسعى لتصغير الثدي وأخرى تريد تكبيره، وفتاة ثالثة تتمنى تكبير شفتيها، وأخرى تريد استعمال الوشم في عمل ماكياج دائم، وهو ما يُعرف باسم «تاتو».

كل هذا، دفعنا للتساؤل: ما علاقة بنات تحت العشرين بعيادات ومراكز التجميل؟ وما هي أسباب لجوئهن إلى عمليات التجميل؟.

تقول هبة عادل (18 سنة): تلجأ العديد من الفتيات تحت العشرين إلى هذا النوع من العمليات، لأنها تكون ضرورية في بعض الحالات، وأعرف صديقة اضطرت لإجراء عملية تصغير الأنف بعد أن عانت لفترات طويلة من هذه المشكلة، خاصة أنها تتمتع بجمال واضح، وبالفعل نجحت العملية وتحولت بعدها إلى فتاة مختلفة ليس من ناحية الشكل فقط، لكنها أصبحت أكثر حيوية وانطلاقاً بعد أن كانت تعاني من الوحدة والانغلاق.

أما سامية (20 سنة)، فتقول: ولماذا الدهشة من البنات اللاتي يلجأن لإجراء عمليات تجميل، فماذا تقولون إذا عرفتم أن هناك شباباً يقومون بهذه العمليات بهدف الحصول على وجه متناسق أو قوام أفضل؟، فمن الطبيعي أن تبحث الفتاة عن الجمال وتسعى أن تحقق ذاتها بصورة جديدة، وبالنسبة لي فقد لجأت إلى أحد أطباء التجميل منذ فترة لإجراء عملية تصغير ثدي حتى أحصل على قوام متناسق ورشيق، وهذا جعلني سعيدة بعد أن كنت أخجل من ارتداء بعض الأزياء ولا أرى عيباً في ذلك.

وإذا كانت سامية حصلت على السعادة التي كانت تبحث عنها، بإجرائها عملية تصغير للثدي، فإن هذا لم يحدث مع رانيا (17 سنة)، التي كثيراً ما عانت من أنفها الكبير الذي كان يجعلها عرضة للسخرية من عدد من اصدقائها، وهو ما دفعها لإجراء عملية جراحية لم تستغرق سوى عدة ساعات تخلصت بعدها من أنفها الكبير، لكن لم يكد يمضي على إجراء العملية شهران حتى فوجئت بحدوث انتفاخ في الأنف والجبهة، مما سبب لها صدمة شديدة جلست بعدها في المنزل رافضة الخروج أو مقابلة أي إنسان، كما لم تستطع حضور الامتحانات فعادت مرة ثانية للطبيب الذي اجرى لها عملية اخرى لتعود إلى حالتها الطبيعية، واستمر العلاج عدة أشهر وليتكلف أكثر من عشرة آلاف جنيه، وفي النهاية لم تحقق ما كانت تسعى لتحقيقه.

وإذا كانت هذه هي آراء بعض الفتيات اللاتي أجرين جراحات من أجل الجمال، فإن للطب رأياً آخر.

يقول الدكتور رأفت جوهر، استاذ جراحات التجميل بكلية طب قصر العيني: تنحصر العمليات التي تقبل عليها الفتيات تحت العشرين في ثلاثة أنواع، هي: تصغير الأنف، شد البطن، أو شفط الدهون، نتيجة السمنة الزائدة، وكذلك عمليات تفتيح لون البشرة نتيجة الحبوب، وبالنسبة لي كجراح تجميل، لا أوافق على إجراء العمليات، إلا في الحالات الضرورية التي تحقق نوعاً من الراحة النفسية لبعض الفتيات.

أما عن مقاييس الجمال، فهي تعتمد على مدى تناسق أجزاء الجسم، فالوجه مثلا ينقسم إلى ثلاثة أجزاء، يبدأ الجزء الأول من الجبهة حتى الأنف، والجزء الثاني يمتد من الأنف حتى أسفل الفم، ويمتد الجزء الثالث من أسفل الفم حتى الذقن، والجمال يعني وجود تناسق في طول وشكل هذه الأجزاء الثلاثة.

ومن أهم مقاييس الجمال التي تغيرت في الوقت الحالي عنها في الماضي، الوزن الكبير، الذي كان دليلاً على الرفاهية والأنوثة، وبالتالي رمزاً لجمال المرأة، لأنها لم تكن تعمل، أما الآن فقد تغيرت الأمور، لأن الفتاة مطالبة بالدراسة والعمل وركوب المواصلات وبالتالي لا بد من تمتعها بالرشاقة.

كما أن الفتيات تحت سن العشرين يشاهدن نجوم الغناء العربي والعالمي يسعين للوصول الى مقاييس الرشاقة والجمال نفسها، التي يتمتع بها هؤلاء الفنانون، ولهذا يترددن على عيادات التجميل أملاً في تحقيق هذا الحلم.

ويقول الدكتور هاشم بحري، استاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر: قبل تحديد مواصفات الجمال، لا بد من شرح بعض المسائل المهمة، ومنها أن رؤية أي إنسان لنفسه تعتمد على ثلاثة محاور، أولا: هل يرى نفسه جميلا؟، ثانيا: وجهة نظره حول مواصفات الشخص الجميل، وثالثا: رؤيته الذاتية للجمال المطلق. وإذا حدث توافق بين المحاور الثلاثة يكتسب صفة الجمال والأهم من ذلك ضرورة التواصل بين الجمال الداخلي والخارجي بمعنى أن الفتاة قد تكون جميلة وتفتقد القدرة على التواصل مع الآخرين فيراها الناس جميلة والعكس بالنسبة لبعض الفتيات غير الجميلات وهذا يسمى «جمال الروح».

وينصح الدكتور هاشم بحري الفتيات بالتأني في إجراء مثل هذه الجراحات إلا في الحالات الضرورية التي يكون من الصعب تحمل المشكلات الناجمة عن بعض العيوب الخلقية.

ويقول الدكتور حازم فتح الله، عميد كلية الفنون الجميلة جامعة حلوان: لو تتبعنا تاريخ الفن منذ بدايته فسنجد ان الإنسان بطبيعته يحب الجمال ويظهر ذلك في النقوش الموجودة على الجدران وأواني الطعام والشراب، أما جمال المرأة بالتحديد فهو مسألة نسبية تختلف من عصر لآخر وفقا للظروف الاجتماعية والاقتصادية وتختلف ايضا من مكان لآخر وفقا للبيئة، فمجتمع الزنوج مثلا له مقاييس معينة في جمال المرأة قد يرفضها البعض في المجتمعات الأخرى، لكن هناك أشياء معينة ثابتة في مفهوم الجمال تحدث عنها سقراط وهي قيم الحق والخير وتعتبر من الثوابت التي يجب ان تتوافر في الشيء الجميل وما ينطبق على الفن ينطبق أيضا على المرأة.

ويوضح الدكتور حازم فتح الله، ان الفتاة يجب ان تتمتع بالبساطة والرشاقة في الشكل والمضمون ولا يطغى أحد الجوانب على الآخر، لذلك نجد انهم في مسابقات الجمال يهتمون بإجراء اختبارات في نواحٍ متعددة منها درجة الذكاء والمعلومات العامة واللباقة، فجمال «الروح» يتفوق على الشكل والدليل على ذلك، قصة الحب التي تجمع بين شاب وفتاة قد لا تكون رائعة الجمال، لكن القبول بين الطرفين كفيل بإزالة هذه العوائق.