توم فورد يودع دار غوتشي بتشكيلة تُجسّد 14 سنة من مسيرته

TT

قدم المصمم توم فورد آخر تشكيلة له لدار غوتشي خلال عروض أزياء ميلانو، التي انتهت الأسبوع الماضي، وسط تصفيق حاد وضجة إعلامية كبيرة. فتوم فورد لم يكن مصمما عاديا بالنسبة لهذه الدار العريقة، بل فارسا مبدعا أنقذها من الإفلاس الذي كان يُهددها قبل 14 سنة، أي قبل أن يلتحق بها ويغير كل الموازين لصالحها، إذ لم تمر فترة قصيرة حتى نجح في أن يجعل منها قوة لا يستهان بها تصل أرباحها إلى أكثر من 1.5 بليون دولار في السنة. لكن يبدو واضحا أن كل الأرباح والنجاحات التي حققها لم تشفع له عند القائمين على الدار، بدليل أنهم قرروا عدم تجديد عقده الذي سينتهي في شهر أبريل القادم، انطلاقا من قناعتهم بأن اسم الدار أكبر وأهم من المصمم نفسه، وهو الأمر الذي ستؤكد مدى صحته الأيام. خبر طلاق فورد وغوتشي لم يكن جديدا على الحضور، فقد تكلمت عنه الصحافة كثيرا، وأكده الطرفان، وكان من المتوقع أن آخر تشكيلة سيقدمها فورد للدار ستكون لخريف وشتاء 2004 ـ2005، لكن رغم ذلك كان الكل متوجسا ومترقِبا، وكانت لحظة الوداع عندما خرج توم ليحيي جمهوره مؤثرة جدا، كما كانت أزياؤه التي أرادها أن تترك ذكرى لذيذة لدى معجبيه، وأن يصعب التفوق عليها لمن سيأتي بعده.

كان كل شيء في العرض مُنسقا ومنظما، يعكس نظرة واضحة وعقلانية لم تطلق العنان للعواطف. فهي تشكيلة لم تبُح بحزن المصمم لفراق الدار أو مرارته لعدم تجديدهم عقده، بل العكس كانت متفائلة وحالمة، يغلب عليها الأبيض والألوان الزاهية، مثل الأرجواني والأزرق والأخضر التي ظل فورد وفيا لها وتعكس نظرته لامرأته المفضلة: ميسورة الحال، جميلة، مثيرة، وواثقة من نفسها ومن جاذبيتها، وبالتالي جاءت تشكيلته هي الأخرى غنية باستعماله السخي للفرو، حتى فيما يتعلق بالأكسسوارات كالأحذية، جميلة من حيث الألوان، ومثيرة من حيث الأقمشة، وواثقة بخطوطها. تشكيلة كل شيء فيها يضج بالأنوثة وكل قطعة منها تغازل نجمات هوليوود وتغريهن لسنوات عديدة قادمة. لم تكن مبتكرة ولا جديدة لكنها كانت كوكتيلا مُحسَنا من أجمل وأروع ما قدمه لدار غوتشي طوال الـ 14 سنة التي قضاها فيها، وعبَر من خلالها عن أسلوبه ورؤيته، فحلمه، كما قال عندما التحق بدار غوتشي آنذاك، هو أن يبدع تصاميم رشيقة ومبهرة وتضج بالأنوثة، ومجموعته الأخيرة لخَصت هذه الرؤيا، إلى حد أنه قال عنها باعتزاز، ومن دون أدنى تواضع وهذا من حقه، إنها أجمل ما قدمه إلى حد الآن «لقد أردت من خلالها أن أعود إلى بداياتي وإعادة صياغة بعض التصاميم التي تركت أثرا كبيرا على الساحة». فالجاكيت مثلا جاء مفصلا عند الخصر يعانقه ويبرز جمالياته بينما تنساب من تحته تنورات رائعة بأقمشة متنوعة، وكمَل كل زي بقطع من الفرو بألوان تختلف باختلاف لون الزي. أما فساتين السهرة فقد غلب عليها اللون الأبيض وقماش الجرسيه، وهو ما يذكرنا بفساتين مماثلة قدمها في التسعينات، لكنه طوَرها وأضاف عليها لمسات جعلتها تبدو أجمل. اللافت أن عرضه الأخير اقتصر على فساتين السهرة والمناسبات الخاصة، ولم يقدم أزياء للنهار، ربما لأن المناسبات الفخمة هي المجال الذي يفهمه جيدا، وهي الفسحة التي يترجم فيها كل نقاط قوته وإبداعه.

الجو الذي غلب على العرض هو التوازن والجمال، لم تكن هناك تصاميم درامية قد يميل البعض إلى تفسيرها على أنها انعكاس لما كان يعتمل بصدر فورد من ألم أو مرارة لعدم رضوخ الدار لطلباته وعدم توصلهما إلى اتفاق يرضي الطرفين، بل كانت مجموعة مدروسة ومحسوبة، وعندما سُئل فورد عن مشاعره قال إنه حزين لكنه قوي ومتماسك، وأنه دائما يحاول أن لا يترك العنان لمشاعره لكي لا تؤثر على عمله. في الأحد القادم سيقدم توم تشكيلته الأخيرة لدار إيف سان لوران، التي يعمل بها كمدير فني، لتنتهي بهذا حقبة مهمة في تاريخ دار غوتشي، التي كانت قبل توم فورد معروفة بمنتجاتها الجلدية فقط، وكانت معرضة للإفلاس، لكن توم فورد قدَمها إلى عالم الأزياء والموضة من أوسع الأبواب، وقادها إلى الصدارة لتصبح من أهم دور الأزياء في العالم ومن القوى المؤثرة على مسار الموضة واتجاهاتها، لذلك فإن كل من سيأتي بعده سيواجه تحديا كبيرا، ومن البديهي ان تتم مقارنته بتوم فورد، إلا إذا كان بحجم هذا الأخير أو أكبر!

* بعد انتهاء عرضه مباشرة طار توم فورد إلى هوليوود حيث كان عليه أن يساعد الممثلة تشارليز ثيرون على ارتداء فستان من تشكيلته الأخيرة، وهو الفستان الذي تألقت فيه وهي تتسلم جائزة الأوسكار كأحسن ممثلة عن دورها في فيلم «مونستر(المتوحشة)» ليحقق بذلك حلم أي مصمم، وهو أن تلبس له نجمة تصميما من إبداعه.