حقيبة اليد عند المرأة أصبحت بأهمية السيارة عند الرجل

TT

في التسعينات ساد شعار «القليل كثير»، فقد كانت هذه هي الفترة التي وصل فيها نجم المصمم جيورجيو أرماني إلى أوجه، بعد أن خلص الموضة من الألوان الصارخة والأزياء ذات الكشاكش والثنيات وغيرها من الأثقال التي كانت ترزح تحتها الأزياء في السبعينات والثمانينات. كانت الاكسسوارات، على اختلاف انواعها، مُحرمة. واقتصرت الأحذية وحقائب اليد على كل ما هو بسيط وعملي. ويُذكر أن المصمم مارك جاكوبس عندما تولى تصميم أزياء دار لوي فيتون العريقة في عام 1997 وجد نفسه في ورطة، فقد كان يريد أن يرسل عارضاته وهن يحملن حقيبة يد، وهو ما لم يكن مسموع به، ولم يكن الخبراء والمتتبعون للموضة آنذاك يستسيغونه، وحتى المصممين، الذين كانوا يرون أنه ليس للإكسسوارات أي دور سوى إلهاء الحضور عن الأزياء نفسها. الحقائب التي كان مارك جايكوبس يريد من عارضاته حملها، كانت هادئة، ولم تكن مزينة بنقوشات واضحة، لكنها رغم ذلك سببت له الكثير من القلق قبل العرض، لكنه حقق نجاحا كبيرا، وتربع على القمة منذ ذلك الحين.

وشتان بين قلق مارك جاكوبس في عام 1997 وابتسامة رئيس مجلس إدارة لوي فيتون، برنار أرنو، مؤخرا وهو يعلن زيادة أرباح الدار، التي يعود فيها الفضل الأول إلى الاكسسوارات. كما أن ثقة مارك جايكوبس بقوة الحقيبة في عروض موسمي ربيع وصيف 2004 كانت واضحة، فقد تخايلت العارضات وكل واحدة منهن تحمل حقيبة مختلفة بتوقيعات صارخة تحمل اسم دار لوي فيتون بخطوط مختلفة ونقوشات جريئة. وعوض حقيبة واحدة ويتيمة في عام 199، عرض حوالي خمسين حقيبة في عام 2004 تختلف كل واحدة باختلاف الفستان.

والمتتبع لسوق الموضة لا بد أن يكون قد انتبه إلى أن الحقيبة هي أهم اكسسوار حاليا، وأهم ما تنتبه له المرأة بعد أي عرض أزياء. فهي ربما قد لا تستطيع أن ترتدي بعد الأزياء المصممة خصيصا لعارضات أزياء نحيفات إلى حد الأنوركسيا، لكنها حتما تستطيع ان تحمل حقيبة من توقيع مصمم كبير. فالحقيبة اليوم تمثل بالنسبة للمرأة ما تمثله السيارة للرجل. فإذا كان الرجل يحلم بآستن مارتن، أو بورش، فإن المرأة تحلم بحقيبة «هيرميس أو سيلين أو غوتشي أو لوي فيتون، لأنها أصبحت تعكس شخصيتها، ومكانتها الاجتماعية ووضعها المادي، كما تشبع غرورها، فهي في الكثير من الأحيان لا تقبل على شراء الحقيبة قبل أن تعرف اسم المصمم، والتوقيع الذي تحمله. الأمر الذي ساعد العديد من المصممين على التخلص من فوبيا الحقيبة الصارخة، ومن شعار «القليل كثير» بل العكس، فكلما كثرت النقوشات والألوان كان الإقبال أكبر وزادت المبيعات، بدليل أن الكثير من دور الأزياء التي كانت تعاني من الركود، انتعشت بفضل اهتمامها بتصميم حقائب تحمل توقيعاتها، وأكبر مثال على هذا دار غوتشي التي كانت معرضة للإفلاس، وكريستيان ديور التي كانت صناعة الحقائب حتى عام 1994 لا تشكل سوى 3% من إنتاجها، أما اليوم فتشكل 50%. فالكل أصبح يدرك أن الحقيبة هي الدجاجة التي تبيض ذهبا، وليست الأزياء، الأمر الذي أشعل حرب الحقائب بين الكبار، فالكل يريد أن يستحوذ على السوق، كما بدأت لعبة القط والفأر بين هذه الدور والمرأة من خلال عملية تسويقية برهنت على نجاحها. فقد بدأت كل دار تطرح حقيبة جديدة بكميات محدودة في محلات معينة، لتؤجج رغبة المرأة في اقتنائها والحصول عليها، وبالتالي يتزايد الطلب عليها. وهكذا أصبحت هناك قائمة انتظار للحصول على حقيبة معينة قد تطول إلى سنة. وطبعا شئنا أم أبينا، فالمرأة، حتى وإن أدركت سخافة الأمر وتأففت من هذا الأمر، إلا أن رغبتها في الحصول على اكسسوار نادر تبقى أقوى، فهي ليست أقل من النجمة الفلانية التي تحمل هذه الحقيبة. وشيئا فشيئا تحولت الحقيبة إلى أيقونة بحد ذاتها، ورمزا للمكانة الاجتماعية بعد ان كانت مجرد اكسسوار عملي لحمل الأوراق الخاصة ومتعلقات المرأة، لذلك لا نستغرب نجاح حقيبة معينة حتى وإن كانت لا تكاد تتسع لأي شيء سوى بطاقات الائتمان وأحمر الشفاه. لكن اللعبة لا تكمن في مدى عملية الحقيبة بقدر ما تكمن في اسمها وماركتها.

وإذا كانت هذه الحقائب تدر الملايين على أصحابها ومصمميها، فإنها تدر البلايين على المُقلدين والمروجين لها، الذين ما إن تُطرح حقيبة حتى تجد نسخة مقلدة منها طريقها إلى الأسواق الشعبية. وبعدما كانت الحقيبة في السابق تمثل ثقافة خاصة، أصبحت الآن تمثل ثقافة شعبية، تخاطب جميع الأذواق وجميع التطلعات، بدءا من الحقيبة الصغيرة جدا من النايلون التي تقبل عليها صغيرات السن بفخر واعتزاز، إلى الحقيبة المصنوعة من الجلد والتويد للشابات، إلى حقيبة المساء التي تتميز بنقوشات كثيرة ومبالغ فيها على عكس حجمها الذي لا يتسع لأي شيء يُذكر. فالحقيبة لم تعد اكسسوارا عمليا كما كانت عليه في السابق بعد أن طغت حمى الموضة على الجميع، وحب الظهور والتباهي تحول إلى نوع من الهيستيريا التي تؤججها الآلية التسويقية الذكية، التي تلعب على هذا الوتر وتُعززه. فرغبة المرأة المحمومة في التميز أعمتها على البحث عما يُميزها بالفعل ويعكس شخصيتها، ولم يساعدها المصممون على ذلك، لأنهم كانوا بدورهم يريدون ترسيخ مكانتهم كمصممين، وليس هناك افضل ما يترجم هذا النجاح من الربح والعائدات. فمصمم ناجح مثل توم فورد استطاع ان ينقذ دارا مثل غوتشي من الإفلاس، لم يكن ليحقق ما حققه من نجاح لو اهتم بالجودة وحدها أو التفرد، لكنه كان ذكيا في قراءته للسوق والسيكولوجية التي تطغى عليها، وهي أن «المرأة في كل أنحاء العالم تريد نفس الشيء وفي نفس الوقت».

من حق كل امرأة ان تقتني حقيبة غالية أو أكثر، على شرط أن تُعبر الحقيبة عن ذوقها الخاص وترضي متطلباتها الشخصية، ولا تكون بداعي التباهي على الأخريات أو منافستهن. فالحقيبة المتميزة والراقية، تكون عادة بسيطة بنقوشات لا تكاد ترى إلا للعين العارفة، وهذا هو الاستثمار الحقيقي، لأن موضتها لا تنتهي بانتهاء الصرعة وظهور صرعة جديدة.

* كلام حقائب

* دار فيندي طرحت 600 نسخة مختلفة من حقيبة فيندي الشهيرة في عام 2001، ويُذكر أن العديد من النساء في كل أنحاء العالم اشترين أكثر من نسخة منها في آن واحد. الفكرة من طرح عدد محدود منها، كانت ناجحة تجاريا، فقد ضربت الدار عصفورين بحجر واحد: الأول رفع السعر لأنها أدخلت خامات مترفة مثل الفرو على الحقيبة، والثاني تلبية غرور المرأة في اقتناء حقيبة غالية ومميزة.

بعد أن ترك توم فورد دار غوتشي، يتوقع أن تحقق آخر حقيبة من تصميمه نجاحا كبيرا لما ترمز له من نهاية عهد مثير نجح خلاله توم فورد في إنقاذ إحدى أكبر وأعرق دور الأزياء من الإفلاس، وجعلها تأخذ مكانا في الصدارة رغم المنافسة الشرسة التي تحيط بها من كل الجهات.

يتوقع أن تعود الحقيبة الكلاسيكية التي لها تاريخ وقصة، لكن خفَ بريقها بسبب موجة التقليد العشوائي لها، مثل حقيبة شانيل المبطنة الشهيرة بسلسلتها الذهبية التي تعلق على الكتف، أو حقيبة «كيلي» نسبة للممثلة غريس كيلي، من دار هيرميس، أو حقيبة «بيركين» نسبة إلى الممثلة جاين بيركين التي ألهمت مدير دار هيرميس بتصميمها بعد أن قابلها في إحدى الرحلات، وعبَرت له عن معاناتها لأنها لا تجد حقيبة أنيقة وعملية في نفس الوقت تلبي احتياجاتها كامرأة عصرية وكأم تضطر إلى حمل الكثير من الأشياء معها في تنقلاتها. وللعلم فإن هذه الحقيبة تساوي 3000 جنيه استرليني وتحتفظ بقيمتها حتى بعد استعمالها، كما أن لائحة الانتظار طويلة جدا للحصول عليها.

رغم أن حقيبة لوي فيتون المعروفة باسم «موراكامي» بنقوشاتها المتضاربة ورسومات الكرتون المضحكة قد لقيت إقبالا جماهيريا من قبل شرائح كبيرة من الشابات والفنانات أمثال جينفر لوبيز ومثيلاتها، إلا أنها تبقى مستفزة بالنسبة للبعض الآخر، ولا تعكس ثقافة راقية ورفيعة بقدر ما تعكس ثقافة حديثي النعمة.