الخمسون.. بداية حياة جديدة عانقيها بتفاؤل ولا تنظري إليها بيأس

TT

حتى عهد قريب كانت المرأة، ما ان تدخل الخمسين أو ما يُسمى بسن اليأس، حتى تشعر بأنها قد أدت مهمتها في الحياة، وكأنها عندما تفقد خصوبتها تفقد قدرتها على العطاء والإنتاج، لذلك ليس غريبا أن تعلن نجمة مثل شير أن سن الخمسين هي سن بئيسة، ولجأت إلى مبضع الجراح لإعادة الزمن إلى الوراء. ولكن تختلف العديد من النساء مع شير في الرأي، وأولهن الكاتبة دوروثي راو، التي تعدى عمرها السبعين، والتي ألفت كتابا وجَهته للشابات بعنوان «الزمن في صالحنا ـ نظرة إيجابية على شيخوخة النساء»، قالت فيه «وجهته أساسا لإدخال الطمأنينة على نفوس شابات كن يعتقدن أن الحياة بعد الثلاثين تبدأ في التراجع وتفقد بريقها، وأن هذا الرقم هو الجسر الذي يربط الشباب بالكهولة، وهو الأمر الذي كان يصيبهن بالذعر والقلق».

بالفعل في وقتنا الحالي، حيث دخلت المرأة مضمار المنافسة مع الرجل في مجالات عديدة، وحيث تقدم العلم والطب وعمليات التجميل، وارتفع مستوى المعيشة، فإن سن الخمسين اليوم أصبح يوازي سن الأربعين في الأمس، حين كانت المرأة ما إن تصل إلى هذه السن، حتى تصاب بحالة من الاكتئاب، وتعتبر أن مهمتها في الحياة قد انتهت، وهذا لا ينطبق فقط على بعض مجتمعاتنا العربية، ففي الغرب ايضا كان متوقعا منها أن تتقبل وضعها على أنها خطت أول خطوة نحو الكهولة وأن القطار قد فاتها، وبالتالي كانت مطالبة بأن تتعايش مع هذه الفكرة، وعوض ان تهتم بنفسها، عليها أن تهتم، في المقابل، بتنمية قدراتها المنزلية في مجال الطبخ أو تشذيب الحديقة واستقبال أحفادها، والعناية بهم في غياب أمهاتهم. لكن شتان بين الأمس واليوم، فامرأة اليوم، بغض النظر عن مستواها الاجتماعي أو قدراتها المادية، نجدها تتبوأ مراكز مهمة، وفي أوقات فراغها نجدها في صالات انتظار أطباء التجميل، أو في صالات الرياضة، وهي مقتنعة تماما بأنه ما زال في مقدورها العطاء، وأن الحياة، إن لم تبدأ في الخمسين، فطعمها على الأقل ما زال حلوا أو اكتسب نكهة جديدة يطغى عليها الإحساس بالانطلاق والتحرر من المسؤوليات التي كانت تكبِلها في السابق. وتعلق ماجدة حافظ، وهي اختصاصية علم نفس في لندن على هذا الأمر بقولها: «هناك حاليا نسبة كبيرة من النساء العاملات والمستقلات اللواتي لا يستمدن أهميتهن من مجرد إحساسهن بخصوبتهن وقدرتهن على الإنجاب، وعندما يكبر الأولاد تشعر أن وظيفتها في الحياة قد انتهت، وتفقد الشعور بأهميتها وقيمتها». وتتابع «قبل خمسين سنة، كان الأطفال هم الذين يتشبهون بالكبار من حيث طريقتهم في اللباس، ولم تكن هناك موضة خاصة بالأطفال، أما اليوم، فإن النساء الناضجات هن اللواتي يتشبهن بالصغيرات ويقبلن على أزيائهن، لأن روحهن ما زالت شابة، وساعدهن على ذلك تطور عمليات التجميل وتوفرها بالنسبة لكل من تطلبها. ثم أننا من الناحية النفسية، نتصرف حسب ما نشعر به، والمرأة اليوم تشعر أنها ما زالت شابة، وترى أن من حقها ان تعيش حياتها بالكامل، خاصة ان معدل الحياة قد تغير عما كان عليه بفضل تقدم الطب، ولم يعد سن اليأس يعني اليأس بالمعنى الحرفي».

ولا تقتصر قدرة المرأة على العطاء على المرأة التي تمتلك مستوى ثقافيا أو اجتماعيا معينا، أو تلك التي تتبوأ مركزا مهما تجد صعوبة في التنازل عنه بعد كل ما قدمته من جهد للحصول عليه، ذلك أنه حتى المرأة الريفية، التي لم تساعدها الظروف على التعليم، لا تتوقف عن الإنتاج، فهي إما تعمل في الحقول، أو تساعد في إدارة شؤون الأسرة، بل هي التي تتحمل المسؤولية عندما تتعرض إحدى القريبات لوعكة، أو تمر بفترة حمل ونفاس، وهي التي تعتني بباقي أفراد العائلة وأطفالها، وعلى تسيير دفة أمور الحياة بحكمة وحنكة. وحسب رأي البعض فإن الحياة بعد الخمسين هي بداية حقبة جديدة يجب معانقتها والاحتفال بها، ولا يجب أن تدعو إلى الخوف باستثناء بعض الحالات، التي تكون فيها المرأة قد تعوَدت على استغلال مظهرها وجمالها للحصول على كل ما تطمح إليه. فهذا النوع من النساء بمجرد دخولهن السن الحرجة ينتابهن الشعور بأن العُملة التي كن يستعملنها بدأت تتأثر وتفقد قيمتها، خاصة أن الاهتمام بهن يبدأ في الخفوت، وبعد أن كن يلفتن الانظار والاهتمام، يتحولن إلى مجرد أشباح، الأمر الذي يصيبهن بالإحباط. أما بالنسبة للغالبية، فإن الأمر إيجابي أكثر منه سلبيا، فهو على الأقل يحررهن من بعض الضغوط النفسية، أولها الرغبة المحمومة التي كن يشعرن بها في العشرينات والثلاثينات في إرضاء الآخرين، فضلا على تحررهن من بعض المسؤوليات الأسرية، فالأولاد قد كبروا، ودخل بعضهم الجامعة، وبالتالي أصبح لديهن الوقت الكافي للإهتمام بانفسهن والقيام ببعض الأمور التي ظلت مؤجلة، وبعض الهوايات التي لم يكن الوقت يسمح بممارستها. وبالنسبة للمرأة العاملة، فهذا هو أفضل وقت للتغيير واختيار ما يرضيها، فهي لم تعد مضطرة للمنافسة الشرسة لفرض نفسها في محيط العمل، وما يترتب عن هذه المنافسة من حروب نفسية وغيرها. من السهل عليها في هذه السن أن تُحوِل العمل إلى متعة، لا سيما أنه لم يعد مصدرا ماليا أساسيا لتلبية متطلبات الأسرة. إضافة إلى كل هذا، فإن نسبة التوقعات فيما يخص نظرة الآخرين إليها تخف، مما يعطيها مساحة كبيرة للقيام بكل ما كانت تصبو إليه، شخصيا، من دون خوف أو محاولة لإرضاء الغير. أهم ما يجب أن تنتبه له في هذه الفترة هي أن تحفز ذهنها وتحتفظ بلياقتها البدنية، وأن لا تتخوف من تعلم أمور جديدة، وأن تتابع الأخبار وآخر تطورات التكنولوجيا حتى تظل شابة، ليس من حيث المظهر فحسب بل أيضا من حيث التفكير، لأن الحياة بعد الخمسين تصبح أكثر إثارة. وهو ما انتبهت له حتى هوليوود. فمن كان يتصور أن تقوم ممثلة، مهما وصلت نجوميتها، بأدوار البطولة وهي فوق الأربعين أو الخمسين في السنوات الماضية؟ الكل كان يعرف أن هوليوود كانت في منتهى الشوفينية حين يتعلق الأمر بعمر المرأة، الذي كان تاريخ صلاحيته محدودا وينتهي بمجرد أن تصل إلى مشارف الأربعين، خلافا للرجل الذي يحتفظ بمكانته ونجوميته حتى وإن وصل الستين، وما علينا إلا أن نذكر بعض الأسماء مثل جون واين، جون بول نيومان، جاك نيكولسون، هاريسون فورد، كلينت إيستوود، وجين هاكمان.

لكن هذه القاعدة تكسرت، والأمثلة كثيرة، فقد رأينا في الآونة الأخيرة على الشاشة الكبيرة نجمات فوق الخمسين يقمن بأدوار البطولة ويتألقن ويحققن النجاح حتى بلغة الأرقام، أو الشباك، والأمثلة كثيرة: دايان كيتون، هيلين ميرين، غولدي هون، وسوزان ساراندون. وتجدر الإشارة إلى أن نجومية هذه الأخيرة قد ارتفعت أكثر بعد أن تعدت الأربعين ووصلت الخمسين، من خلال أفلام ناجحة جدا، وفي أدوار يمكن القول أنها كانت بمثابة «ثورة» في هوليوود، فهي لم تلعب فيها دور امرأة ناضجة فحسب، إذ كانت الإثارة والجاذبية الجنسية جزءا مهما من الدور ومن الشخصية. وهكذا بدأت السينما تستمد روحها من إيقاع الحياة وليس العكس. فسن الخمسين لا تعني بالضرورة نهاية جاذبية المرأة، ذلك أن استقلاليتها وإقبالها على الحياة بروح متفائلة بعد أن تتخلص من كل القيود والمسؤوليات التي كبَلتها طوال سنوات الشباب تعكس جاذبية لا تقاوم وثقة عالية تدعو للإعجاب. النجمة صوفيا لورين، كاثرين دونوف، جيري هول، سوزان ساراندون، غولدي هون، عيِنة بسيطة لنساء تعدين الخمسين، بل وبعضهن الستين، لكنهن ما زلن يتمتعن بالجمال ومفعمات بالحيوية والرغبة في الحياة. فجيري هول مثلا تنافس ابنتها على خشبات عروض الأزياء، وتنجح دائما في أن تخطف منها الأضواء.