بيت يحاور القديم والحديث بلغة امرأة تتقن لعبة الألوان

TT

هذا بيت يحكي قصة امرأة تعشق كل ما هو قديم، وتشبَعت بكل ما هو عصري وحديث من خلال رحلاتها واضطرارها للعيش بعيدا عن البيئة التي ولدت فيها. بيت بيروتي قديم يقع وسط المدينة لكنه في الوقت ذاته بعيد عن إيقاعها السريع، وكأنه واحة، إنه البيت الذي جددته وصممت ديكوره أنابيل كريم قصار. مما لا يختلف عليه اثنان أن بيروت عرفت ازدهارا معماريا كبيرا في السنوات واستقطبت معماريين معروفين من امثال فيلب ستارك وجان نوفل وغيرهم من الاوروبيين، فضلا على لبنانيين عادوا إلى مدينتهم المفضلة بعد طول غياب، منهم انابيل قصار، 48 سنة، التي تعتبر نجمة من نجوم عملية النهضة التي تشهدها هذه العاصمة. فبعد سنوات طويلة قضتها هي وزوجها رضوان قصار في الغربة متنقلان بين بريطانيا وفرنسا والمغرب، عادا الى بيروت، مثلهما مثل العديد من البيروتيين الذين عادوا بعد انتهاء الحرب. وبفضل محاولات العديد منهم أصبحت بيروت اليوم بمثابة سانت تروبيز العرب، وبدأت تستعيد مكانتها التي فقدتها خلال الحرب الاهلية، كعاصمة سياحية وثقافية للشرق الاوسط.

عندما عادت أنابيل كانت تعرف أنها تريد بيتا يحتفظ بأصالته، لذلك استأجرت بيتا في حي الجميزة، وهو حي نجا من ويلات الحرب واحتفظ بالكثير من مميزاته القديمة، فضلا عن انه يتوفر على الكثير من الاستقرار الثقافي، وكل ما يحتاجه المرء في حياته اليومية، مثل المحلات الصغيرة التي تبيع كل شيء بدءا من الخبز الفرنسي الى الحمامات وغيرها، كما أن بيوتها تتمتع بمعمار يتميز بالابواب الحديدية التي تشبه الطراز الباروكي، إذ تجدر الإشارة إلى أن هذا البيت كان في السابق ديرا شُيد في عام 1900، مما يفسر احتفاظه بالكثير من ميزاته الأصلية القديمة، فأرضية غرفه رخامية على الطراز الايطالي، بينما رُسم سقف إحدى غرفه بطريقة فنية حديثة.

وتعطي الشرف الحديدية ومجموعة من النوافذ ذات الاقواس، المجال لدخول الضوء من كل الجوانب، كما تعطي الانطباع بأنك في مدينة البندقية وليس في بيروت. وفي قلب المنزل توجد قاعة استقبال ترتفع لطابقين مقسمة بواسطة أعمدة رخامية الى ثلاثة أجزاء مختلفة يمكن الاستفادة من كل ركن منها لغرض مختلف.

اللافت أن أنابيل صممت ديكور هذا البيت بذوق، ولم تقع في فخ الرجوع إلى الديكور التقليدي، باستخدام السجاد التركي والاثاث الفرنسي الكلاسيكي المقلد، كما يفعل معظم الناس في مثل هذه الحالات. بل العكس، نجحت في تحويل دير يتميز بالكآبة والبرود الى منزل تنتشر فيه الالوان التي تتوهج بالدفء، وتتزاوج فيه الأصالة والمعاصرة في تناغم جميل، فالتصميمات العربية التقليدية حاضرة، لأنها استعملتها كنقطة انطلاق لاستعمال القطع الحديثة والعصرية، من خلال قطع واكسسوارات مترامية في كل الغرف، لذلك ليس غريبا أن نجد خزانة قديمة بنقوشات عربية أصلية في نفس الغرفة التي تزينها ثريا أو أباجورة عصرية بألوان مرحة. وفي مدينة تعيد اختراع نفسها، جاء منزل القصار، نموذجا للتجديد العصري، الذي يمزج بين الذوق والقديم، باستغلال مكامن الجمال فيه وإضافة الحديث والعصري عليه لمزيد من التميز والتفرد، وحتى واجهته الخارجية، بلونها الأصفر، تسطع مثل منارة وسط البنايات العادية التي تتراص على الشارع إلى درجة أنه أصبح يُشكل نقطة جذب للسكان والسياح في الوقت ذاته، مما شجع الكثير من التجار على التمركز فيه، فقد افتتحت فيه مؤخرا نواد لموسيقى الجاز ومطاعم التاباس الاسبانية، إلى جانب العديد من المطاعم الصغيرة الفاخرة، التي تستقطب الشباب.