هوليوود والتلفزيون يحولان النجمات إلى عارضات أزياء «سوبر»

TT

العلاقة بين السينما والموضة بدأت منذ بداية السينما تقريبا، وتوطدت مع مر السنين لتصبح مبنية على الإفادة والاستفادة، وما علينا إلا أن نتذكر العلاقة التي ربطت بين السيد جيفنشي والنجمة أودري هيبورن، وكريستيان ديور والنجمة غريس كيلي. كما يعرف المتتبعون جيدا أن جيورجيو أرماني ورالف لوران يدينان بالكثير لهوليوود، إذ زاد الإقبال على تصاميمهم بعد أن صمموا أزياء لفيلمين شهيرين هما «الجيغولو الأميركي» (أرماني) و«آني هول»، (لوران)، ونذكر أن الراحل جياني فيرساتشي كان يذهب إلى أقصى حد للتقرب مع المشاهير والنجوم، ومشى على خطاه مصمم دار غوتشي «السابق» توم فورد، حتى أن الدار عندما استغنت عن خدماته صرَحت بأنها ليست قائمة على النجوم ولا تعتمد عليهم، وأن اسم الدار أهم من اسم أي نجم. لكن الأيام وحدها كفيلة بأن تكشف لنا مدى صحة ما جاء في هذا التصريح، فما نتذكره جيدا هو أنه عندما ظهرت الممثلة أوما ثورمان في فيلم «بالب فيكشن» بطلاء الأظافر الأحمر القاني، نفذ من الأسواق في اليوم التالي، واضطرت النساء ان ينتظرن أسابيع للحصول عليه، هذا طبعا بعد تقديم طلب للمحل. كما نتذكر أن الأزياء التي ارتدتها مادونا في فيلم «ديسبيراتلي سيكينغ سوزان» كان لها دور كبير في تشكيل موضة الثمانينات، إلى جانب مسلسل ديناستي، كما اشتهرت الممثلة ليز هيرلي بعد أن لبست فستان فيرساتشي الشهير الذي كان مشبوكا بالدبابيس فقط. العلاقة كانت مفيدة للطرفين، فالمصممون كانوا يحصلون على دعاية مجانية ومن أوسع الأبواب، والنجوم كانوا يحصلون على أزياء رائعة مفصلة على مقاسهم وعلى معاملة خاصة جدا تغذي نرجسيتهم وغرورهم. ثم أننا نعرف جيدا أن الإثنين، السينما والموضة، قائمان على بيع «الأحلام» للناس العاديين، وهو ما انتبهت له الآلية الهوليوودية منذ البداية، ثم تلتها الموضة. فأهمية الصورة التي يظهر بها النجوم على الشاشة تبيع وتؤثر على نجاح الفيلم تجاريا، وهذا أكدته النجمة جوليان مور بقولها: «هوليوود دائما تعانق الموضة، فالذين يعملون في أوساط الموضة يتوجهون إلى صالات السينما ليستوحوا منها أفكارا جديدة، والناس تذهب إليها لتعرف توجهات الموضة». غير أن المدهش في هذه العلاقة أنها تحوَلت إلى نوع من الحمى أو الهوس لدى المشاهدين الذي تتبعوا المسلسل الأميركي «سيكس أند دي سيتي»، الذي استقطب نسبة مشاهدة عالية جدا خلال ست سنوات متتالية هي سنوات عرضه، وسيظل يُذكر لسنوات طويلة قادمة بأزيائه. فعندما سُجَلت آخر حلقة منه منذ بضعة اسابيع اصطفت آلاف الفتيات والنساء في طوابير طويلة خارج استوديوهات التصوير، لاقتناء بعض القطع التي ارتدتها البطلات، خاصة تلك التي ظهرت بها الممثلة سارة جيسيكا باركر، الأمر الذي تحول إلى ظاهرة، على الأقل في أميركا. والمتتبع للمسلسل قد يفهم سبب هذه الحمى، فهو لم يتطرق إلى بعض المواضيع الحساسة بصراحة قد يعتبرها البعض «فجَة» فحسب، بل كان بمثابة عرض أزياء أسبوعي تترقبه المرأة لترى آخر ما ترتديه الممثلة سارة جيسيكا باركر، التي لعبت دور صحفية تكتب عمودا أسبوعيا في مجلة عن الحياة في نيويورك من وجهة نظر امرأة تعيش في نيويورك، مانهاتن، وتعدّت الثلاثين لكنها لا زالت تبحث عن فارس الأحلام الذي سيأتي فوق حصان أبيض ليحملها إلى عالم رومانسي رائع. شخصيتها الرومانسية والمتميزة انعكست على نوع الأزياء التي ترتديها كل أسبوع، بعضها غريب ولا يمكن لأي امرأة في كامل قواها العقلية أن تلبسها، لكن هذه هي الموضة حسب رأي البطلة. تقول باتريشيا فيلد، المسؤولة عن اختيار أزياء المسلسل، أن نوعية الأزياء فرضتها شخصية البطلات، فأزياء كاري برادشو (سارة جيسيكا باركر) كانت لا بد أن تكون أنثوية حالمة وغريبة في الوقت ذاته، لأنها تمثل أفكارها ومشاعرها وتعكس شخصيتها، فهي امرأة ثلاثينية تعيش في مانهاتن، ولازالت تبحث عن ذاتها، وتتميز بالابتكار والتفرد، وبالتالي كانت التنورات المنفوخة بشكل قد يكون مضحكا في بعض الأحيان، أو أحذية من تصميم مانولو بلانيك (400 دولار تقريبا) بكعوب عالية جدا تحتاج إلى مرونة وشجاعة لكي تمشي عليها المرأة، قطعا ضرورية، خاصة أن الأناقة بالنسبة للشخصية تأتي قبل العملية". وتضيف باتريشيا فيلد: «بين الفينة والأخرى، يأتي مسلسل أو فيلم يكون له تأثير كبير على الموضة، فأنا أتذكر جيدا مسلسل «ديناستي» وما كان له من تأثير على الموضة في الثمانينات، أما مسلسل «سيكس أند دي سيتي فلا شك أنه سيترك فراغا على الشاشة من الصعب ملؤه».

الملفت في المسلسل أن القطع التي كانت تظهر بها البطلة كانت تميل إلى الغرابة، رغم أنها كلها كانت بتوقيع مصمم كبير، لكنها نجحت في خطف الأنفاس وساعدت على زيادة أرباح أي مصمم تظهر بقطعة من قطعه، ولعل ارتداءها لأزياء لا تليق إلا بالسهرة خلال النهار هو الذي كان يدعو إلى التعجب والإعجاب في الوقت ذاته. فكم امرأة تمتلك الجرأة للخروج بفستان سهرة بكشاكش كبيرة أوتنورة من التول المنفوخ، وحذاء بعكب عال جدا أو كنزة مزينة بوردة كبيرة في وضع النهار، أو لمجرد الذهاب إلى مقهى لمقابلة الصديقات واحتساء فنجان قهوة؟ أما سبب الإعجاب فهو أن البطلة نجحت في أن تجعل الموضة تعبيرا عن مشاعرها وأسلوب حياتها، يتغير أسلوب الأزياء حسب تغير ظروف حياتها.

أما سبب الضجة التي أثارتها الحلقة الأخيرة من المسلسل، إلى جانب ترقب نهاية سعيدة ورومانسية، فكانت بالنسبة للعديد من المشاهدات شعور بالأسى لأنهن سيفتقدن «كاري» (سارة جيسيكا باركر) وصديقاتها وأزياءهن. وهذا ما أكده أندريه ليون تالي، محرر في مجلة فوغ بقوله: «سيخلَف غياب المسلسل فراغا كبيرا على الشاشة، فمن سيحل محل كاري برادشو ليلهمنا بأزيائه؟» لكنه نسي أن يقول ليُضحكنا بين الفينة والأخرى. لكن مهما ضحكنا على أزياء «كاري» أوانتقدنا غرابتها، إلا اننا لا يمكن أن ننكر أنها كانت متنوعة وتعكس الحيوية التي تتمتع بها الشخصية، التي تبدو وكأنها تعيش في عالم آخر، ونعجب بقدرتها على تغيير اسلوبها من يوم إلى آخر، إضافة إلى قدرتها على التنسيق بين القطع الغالية والكلاسيكية جدا والقطع البوهيمية العصرية، وهو أمر لا تقوم به إلا امرأة تعيش في عالم حالم، أو امرأة واثقة جدا من أسلوبها الخاص، أو إن صح القول، أيقونة تُقلَد ولا تُقلِد، وهو ما علَق عليه المصمم أوسكار دي لارونتا، الذي ابتسم له الحظ وظهرت له قطع كثيرة في المسلسل، بقوله: «شخصية كاري تمثل روح نيويورك، والجميل فيها أننا كنا نتابعها يوما وهي تلبس معطفا من فرو الأرانب، يمكن لأي امرأة ان تقتنيه، مع حذاء من تصميم مانولو بلانيك، باهظ الثمن بالنسبة للعديد من النساء، وهذا هو الجميل في الأمر". والذي يمكن ان نفهمه من قول دي لارونتا هو أن الموضة ليست هي أن تلبس المرأة كل ما غلى ثمنه فقط، بل أن تختار ما يناسبها ويعكس شخصيتها وروحها، فما الفائدة من ارتداء ملابس من تصميم كبار المصممين، إن لم نشعر فيها بالراحة، ولم تمنحنا الإحساس بالثقة والزهو، وهما ما كانت «كاري برادشو» تتمتع بهما! يُذكر أنه عندما ظهرت البطلة في فستان لأوسكار دي لارونتا يقدر ثمنه بـ300 دولار باع منه تسع نسخ في اليوم التالي في بالم بيتش لوحدها.

* العلاقة بين البطلة كاري برادشو وأحذيتها كانت مثيرة، كما كانت وراء ارتفاع اسهم المصمم الإسباني مانولو بلانيك، الذي أصبح جزءا من المسلسل حتى وإن لم يظهر فيه. من أقوالها المأثورة في المسلسل:

ـ لقد انفقت 40 الف دولار على الأحذية وحدها، لكني لا أملك مكانا للسكن. سيتذكرني الناس على أني المرأة العجوز التي تعيش بين أحذيتها.

ـ مع احترامي الشديد للكل، فأنا قد لا أعرف الكثير عن الرجال وقد لا أفهمهم، لكني افهم كل شيء يتعلق بالأحذية