أفلام الكرتون وألعاب الكمبيوتر تتسبب في زيادة عدوانية أطفال المغرب

TT

الاطفال ومشاكلهم موضوع يثار بشكل شبه يومي داخل الاسر، حيث تقف الاسرة حائرة امام هذه «المخلوقات الغريبة» التي تصدر عنها سلوكات يصعب السيطرة عليها او توجيهها في اغلب الحالات، خاصة أن منهم من يميل الى العنف والعدوانية بشكل يثير مخاوف الآباء وتساؤلاتهم: هل هي مرحلة عابرة ام ان اطفالهم غير اسوياء ويعانون من انحرافات سلوكية قد تؤثر على صحتهم النفسية وتهدد مستقبلهم؟

تقول نجاة وهي ام لثلاثة اطفال ذكور، ان الولد البكر، 13 عاما، يميل نوعا ما الى الانطواء ولا يسبب لها مشاكل كثيرة، عكس الولد الاوسط وعمره 10 اعوام الذي لا يتوقف عن الحركة ولا يستقر في مكان واحد ابدا، حتى وان كان داخل المنزل فهو يتحرك بين الكنبات ويقفز فوقها او بين الغرف منذ ان كان عمره ثلاث سنوات، وقد اثرت هذه الحركة الكثيرة على صحته وعلى وزنه، فطوله لا يزيد الا بسنتميترات معدودة ووزنه لا يلائم سنه تماما». ولا يكتفي بهذا النشاط الزائد الذي يمكن تحمله، بل تطور الامر واصبح يثير المشاكل عمدا مع اخيه الصغير، فينهال عليه بالضرب لاتفه الاسباب، والاحظ انه يكون في قمة سعادته وهو يرى اخاه الصغير يبكي وكانه يشعر بالانتصار والقوة ويردد انه الاقوى ولا احد يستطيع ان يغلبه». وتواصل كلامها قائلة: «نصحتني احدى الصديقات بان اسجله في احد النوادي الرياضية لتعلم رياضة الكاراتيه لانها تمتص النشاط الزائد وتوجهه كما يقول الاخصائيون، و يا ليتني لم افعل ،لانه بعد مدة قصيرة من تعلمه قواعد تلك الرياضة، اصبح يطبق على زملائه في الصف ما تعلمه في النادي، وكاد ان يتسبب في كسر أحدهم، وما كان بيدي الا ان أمنعه من الذهاب الى النادي عقابا له ،لكنه لم يتغير». ومازالت نجاة تبحث عن سبب لهذه العدوانية التي ترجح انه التلفزيون، لكنها تقول مستسلمة: «لا سبيل لمنعه من مشاهدة التلفزيون ايضا».

وهذا ما تؤكده حنان وهي ام لولدين: الاول 8 سنوات والثاني 6 سنوت حيث تقول «ان مشاهدة التلفزيون اهم لديهما من اي نشاط اخر، وقد يتسمران امامه لساعات دون ملل، يتنقلان من محطة الى اخرى لمتابعة افلام الكرتون خصوصا، فهما يقلدان حركات شخصياتها واصواتها وتعابيرها. فالولد الكبير يردد دائما وبانفعال : «احلم بالسيطرة على العالم«! وهي عبارة تتكرر على لسان احدى الشخصيات الكرتونية المحببة لديه رغم شكلها المرعب، كما لا يفوت اي مناسبة لابراز تفوقه على الاخرين بالضرب والتظاهر بالقوة الجسمانية، وتدبير المقالب لزملائه باساليب عدوانية تشعره بالانتشاء. وقد اثر هذا الامر على مستواه التعليمي، الامر الذي يجعلني قلقة من المستقبل، وخائفة من ان يكون ابني شخصية غير سوية». كما أكدت مدرسة تعمل في احدى مدارس التعليم الابتدائي تفشي السلوكات العدوانية بين التلاميذ ،وقالت ان اغلبهم يلتزمون بالهدوء داخل الفصل خوفا من العقاب، الا انهم في فترة الاستراحة تصيبهم حالة من «الهيستيريا» ويحولون ساحة المدرسة الى ساحة معركة ، كل طفل يتظاهر وكانه يحمل سلاحا بيده يواجه به زميله، ويبرز قوته ويتوعده بانه «سيحطمه» او«سيقضي عليه»، وهي عبارات من السهولة التعرف أن مصدرها هو التلفزيون وافلام الكرتون التي تبث على مدار الساعة من خلال محطات تلفزيونية متخصصة، وتعتمد على مواضيع العنف والصراع بشكل غير معقول، وتفترض وجود اعداء يتربصون بالكرة الارضية يجب محاربتهم بالقوة والعنف! والمداومة على مشاهدة مثل هذهالافلام يؤثر بشكل مباشر على مخيلة الاطفال ويدفعهم الى تقليدها والتماهي معها».

اما اخر«الابتكارات» في مجال الاساليب العدوانية، فهي ارسال رسائل تهديد بالقتل الى المنازل، إذ توصل احد التلاميذ بالصف الاعدادي بثلاث رسائل متتالية يهدده فيها زملاؤه الكسالى بالقتل اذا لم يساعدهم على حل الواجبات المدرسية داخل الفصل، الأمر الذي يستدعي التوقف وطرح تساؤلات ملحة! الاجابة كما يقول محمد المرجان استاذ علم الاجتماع بجامعة محمد الخامس في الرباط «تتطلب الماما حقيقيا وموضوعيا ليس فقط بمكونات العملية التربوية التي تربط بين هؤلاءالاطفال ومحيطهم الاسري ،وانما ايضا بالنسق الاجتماعي الشامل، وباستراتيجية الفاعلين ضمن هذا النسق ،مع تحليل الثغرات الناتجة عن كل ذلك». وقدم المرجان مجموعة من العوامل المؤدية الى تنامي العنف لدى الاطفال تتحمل فيها الاسرة والمدرسة والتلفزيون المسؤولية المباشرة.

واكد ان «الواقع الاسري للعديد من العائلات المدينية يشهد تحولات ملحوظة خاصة ان عمل الأم خارج البيت منعها من البقاء اطول مدة بجانب الاطفال، مما يعني ان تدخل الطرف الثالث سواء كان خادمة او احد الاقارب، قد اصبح مفروضا، مما يساهم احيانا في اضطراب عملية التربية المالوفة ويؤدي حسب علماء النفس الى العديد من اضطرابات الشخصية اقلها العدوانية والعنف».

وأضاف المرجان «إن فهم العلاقة بين المشاهدة التلفزيونية والسلوك العدواني تدفعنا الى التساؤل عن دور هذا الجهاز في ترسيخ هذا النوع من السلوكيات السلبية لدى الاطفال، والإدمان على المشاهدة مسؤولة عن الاضطرابات النفسية التي لا يفصل فيها الاطفال بين الواقع والوهم وتبلد احاسيسهم، ويصبحون اكثر برودة تجاه الحوادث المؤلمة اوالعنيفة، بل ان حرمانهم من المشاهدة يتحول الى عدوان حقيقي اذا غامر احد الاباء بمنعهم عنها».

ويتابع: «كما لا يمكن أن نتجاهل دور المدرسة التي تمارس نوعا من القهر والتعسف على الاطفال بفرضها لزمن تحصيلي يستمر حتى داخل البيت، بل ان الفروض اليومية الماراثونية تغتال هذه الطفولة بوحشية قصوى، لذلك لا يشعر الطفل باي استقرار او راحة رغم ابتعاده عن الجو الدراسي وهو ما يفسر السلوكيات العدوانية لدى البعض.

إضافة إلى افتقاد مساحات مفتوحة للعب، ذلك ان البناء المعماري للسكن الحديث لا يفسح المجال لذلك، ونحن نعلم ان اللعب، والمقصود هنا ليس ألعاب الكمبيوتر، في كثير من الاحيان يمنح هامشا آمنا واوسع للنشاط العقلي، وتفريغ الخيال، والحرمان منه يؤدي الى عدوانية في السلوك الاجتماعي وهذه ملاحظة يشترك فيها المحللون النفسانيون والاجتماعيون. لذلك فالمطلوب هو:

ـ العمل على اقرار نوع من التصالح الدائم مع الطفل ومحيطه الاجتماعي، ومشاركة الاباء في تشييد معالم الادراك والخبرة والوعي لدى الطفل وتنميتها بشتى الوسائل، مع تجنب الاهمال والحرمان والقمع للتخفيف من حدة التوتر. كذلك .

ـ والتحكم في البرامج التلفزيونية على اختلافها، أو الأقل التخفيف من حدة مشاهد الرعب التي تُبلَد الاحساس وتضاعف من العدوانية، بما فيها افلام الكرتون التي تبث بدورها قيما خطيرة».