أول محل لتصنيع «البوظة» العربية يدويا في دمشق.. عمره 105 سنوات

أمّه ملوك ورؤساء منهم السلطان عبد الحميد وآخرهم الملك عبد الله الثاني * أسسه شاب مغامر سنة 1895 بسوق «الحميدية» وما زال ولداه يشتغلان فيه * صاحبه بكداش «الأول» جلب الثلج لصناعته من قمم الجبال الغربية * ثمة اختلاف بين البوظة والآيس كريم المعروف

TT

في منتصف سوق الحميدية الشهير يقوم محل «بوظة بكداش» الذي اصبح إحدى علامات هذا السوق الدمشقي القديم. وتصنع في المحل وتباع فيه البوظة العربية المصنعة يدويا والمسماة «الايما» (القيمع) منذ عام 1895 عندما قرر شاب مغامر يدعى محمد حمدي بكداش تطوير مهنة والده التي كانت عبارة عن بيع وتصنيع الليمون الجامد. وأسس هذا الشاب الذي لم يتجاوز عمره العشرين عاما محلا في «الحميدية» وبدأ يصنع فيه البوظة العربية بطريقة الدق اليدوي.

وما زال هذا المحل على حاله منذ ذلك العام حيث استمر ولدا «هذا الشاب» بمهنة والدهما حتى ان ديكورات المحل لم يغيراها، لأسباب ربما عاطفية ولأنها تتناسب مع خصوصية تصنيع وبيع البوظة العربية.

ويتحدث احد ولدي محمد حمدي بكداش ويدعى موفق بكداش لـ «الشرق الأوسط» عن هذه المهنة وتاريخها وشعبيتها فيقول: كما هو معروف فإن البوظة العربية تحتاج للثلج، وقبل 105 سنوات كان والدي يعتمد طريقة مميزة بتحضير هذا الثلج من قمم الجبال الغربية، ويتم حفظه لعدة اشهر في المغاور حتى يبقى جامدا. فقبل اختراع آلات التبريد ودخول الكهرباء لدمشق كان والدي يجمع الثلج في مغاور تحت الارض في براميل خشبية مع تغطيتها بأعشاب عازلة من الجبال نفسها لتحافظ على تماسكها مدة تسعة اشهر تحت الارض هي فترة الحفظ في فصل الشتاء ثم اخراجها مع بدايات فصل الصيف، ويقوم برش الملح عليها لتظل محافظة على صلابتها وتجمدها بحيث كانت تصل درجة التجميد الى 20 درجة تحت الصفر. بعد ذلك تتم اضافة الحليب فوق الثلج مع مواد طبيعية مأخوذة من فاكهة الشام لاعطاء اللون الطبيعي للبوظة مثل الفريز والكرز والمشمش والليمون والبرتقال والمانجو والتوت الشامي. حتى ان الفانيليا المضافة تؤخذ بشكل طبيعي من الاعشاب وليست مواد كيماوية مركبة. ويقوم بعد ذلك عمال فنيون بدق البوظة يدويا حتى تتماسك وتأخذ شكلها الاخير قبل وضعها في الزبادي وتقديمها للناس.

واضاف: هذه العملية تأخذ وقتا وجهدا كبيرين، لكن في المحصلة تنتج بوظة عربية ذات نكهة مميزة وبمواد طبيعية حتى ان لها فوائد علاجية لقرحة المعدة وغيرها. ومن هذا اخذت بوظتنا هذه شهرة واسعة. ومنذ افتتاح محلنا قبل 105 سنوات لم يبق ملك أو رئيس دولة أو مسؤول كبير أو شخصية شهيرة زارت سوق الحميدية والجامع الاموي إلا ومروا على محلنا لتذوق بوظتنا، ومنهم السلطان عبد الحميد، وملك الاردن الحالي الملك عبد الله الثاني الذي ظل في محلنا حوالي ساعة وربع الساعة، واستمتع كثيرا بأكل بوظتنا. كما كان والدنا يرسل البوظة الى اسطنبول للسلاطين والمسؤولين الكبار هناك ايام العثمانيين وكان يتم حفظها بشكل فني حتى تصل متماسكة الى هناك، كما ارسلها بالطائرة الى فرنسا. ويضيف بكداش ان السياح العرب يعلقون على البوظة السورية بأنها مختلفة عن الآيس كريم المشهور في بلادهم.

وعن تطور العمل في تصنيع البوظة يقول موفق بكداش: ظلت طريقة التحضير على شكلها المعروف منذ افتتاح المحل وحتى دخول الكهرباء لدمشق سنة 1930 حيث قام والدي بجلب خبراء فرنسيين صنعوا له آلات تبريد على الكهرباء فاستغنى عن جلب وتحضير الثلج من الجبال. كما طور والدي البوظة بعد عشر سنوات من العمل بها بأن نوع في اشكالها واضاف لها المسكة العربية وماء الزهر لتعطي البوظة السماكة المطلوبة. كما اضاف لها المكسرات، كالبندق والفستق الحلبي وغير ذلك، وما زلنا مستمرين بهذا الشكل من التصنيع والاضافات حتى الآن.