سيمفونية ألوان تمزج بين المرح والجد في عروض أزياء الرجال لربيع وصيف 2005

TT

حتى عهد قريب كانت الموضة وعروض الأزياء مرتبطة بعالم الجنس اللطيف، وكانت هي التي تستقطب الاهتمام، سواء من قبل التجار أو وسائل الإعلام، لذلك لم يكن غريبا أن يركز المصممون عليها، ولا يولون اهتماما كبيرا بعروض الأزياء الرجالية، التي لم تكن تستقطب إلا شريحة صغيرة ومتخصصة. لكن شتان بين الأمس واليوم، فالرجل الذي كان يخجل من تصفح مجلات الأزياء التي كانت تشتريها زوجته أو أخته، أصبح هو الذي يبحث عنها ويقرأها علنا من دون أن يشعر بأن في الأمر انتقاصا من رجولته. ولا شك أن الطفرة الاقتصادية والتغييرات التي شهدتها بعض المجتمعات كانت وراء ظهور هذه الثقافة، التي تشجع الرجل على الاهتمام بمظهره، مما انعكس إيجابا على سوق الأزياء الرجالية التي زادت مبيعاتها بنسبة 15% هذا العام. وتشير التوقعات إلى أن هذه النسبة ستزيد في السنوات المقبلة. لذلك كان من البديهي أن ينعكس هذا التحول على العروض الرجالية التي تشهدها عواصم الموضة، والتي اكتسبت اهمية كبيرة، فضلا عن أنها أصبحت أكثر جرأة فيما تقدمه من ألوان وقصات، بل وحتى اكسسوارات. المصممة ميوتشا برادا، التي تعتبر ترمومتر السوق ومحركه كونها تعرف خباياه جيدا، أكدت التغير الحاصل في ذوق الرجل، بقولها إنه «لا زال يميل إلى أزياء كلاسيكية، شريطة أن تتضمن لمسات مرحة وشبابية». وبرادا التي ظلت طوال العقد الماضي تحدد اتجاهات الموضة، عرفت بذكائها أنها هذه المرة لا يمكن ان تحتكر السوق، لأن المنافسة شديدة، لكذلك تبنَت أسلوبا جديدا لإغراء الرجل العصري، الذي يحب ألاّ يبدو وكأنه يلبس ازياء مصمم واحد من رأسه إلى أخمص قدميه، بتقديمها تشكيلة جد متنوعة، أول ما يتبادر إلى الذهن عند مشاهدتها أنها من إبداع عدة مصممين، لكنها في الواقع تحمل توقيعها وحدها. والفكرة من ورائها أن تعطي الرجل كل ما يريده، حتى إذا دخل أحد محلاتها لا يرى داعيا إلى التوجه إلى محل آخر. باقي المشاركين في عروض ربيع وصيف 2005 أمثال، جيورجيو أرماني، روبيرتو كافالي، دولشي آند غابانا وكالفين كلاين وإيترو، غوتشي وفيرساتشي، لاغرفيلد، جون بول غوتييه، وفالنتينو وغيرهم، احتفظوا ببصماتهم الخاصة لكنهم هم أيضا مزجوا الكلاسيكية والدقة في التفاصيل بالحداثة المرحة إلى حد الصخب في محاولة لاسترجاع بعض المجد الذي سحبته دار برادا من تحت أرجلهم في السنوات الأخيرة. جيورجيو أرماني، مثلا، قال إنه يريد أن يتجنب الأزياء الرياضية لأنه لا يريد أن يغذي الهوس بالجسد الرياضي، فقدم سراويل ضيقة عند الخصر تتسع بشكل لافت وكبير، احيانا في طول يغطي الحذاء وأحيانا أخرى قصيرة بحيث تظهر الجوارب من تحتها، لكن رغم دقة تصميمها فقد افتقدت إلى فكرة واضحة. وإذا كان أرماني قد ركز على القصة، فإن المصمم إيتالو زوكيللي، مصمم دار كالفين كلاين، الذي كان حتى الامس القريب يستعمل الألوان بحذر شديد، ارتأى هذه المرة أن يقدم سيمفونية من الألوان الصارخة، إضافة إلى الأقمشة المطبوعة بالورود وأوراق الشجر. لكن رغم صخب ألوانها ونقوشاتها، فهي بلا شك تشكيلة ناجحة تجاريا نظرا لسهولة تنسيقها مع قطع أخرى بألوان حيادية. جرأة ألوان كالفين كلاين لم تضاهها إلا ألوان دار بيربُري التي بدت تشكيلتها وكأنها احتفال بالرجل الرياضي والأكاديمي في الوقت ذاته. فالأحذية البيضاء المدببة من الأمام، والكنزات ذات الياقة المفتوحة على شكل v تذكر بأزياء لاعبي الكريكت، مع ربطات عنق وايشاربات تذكرنا بأزياء طلاب جامعة كامبريدج. وعكس جيورجيو أرماني الذي أراد أن يخاطب كل الرجال، على اختلاف مقاييسهم الجسدية، فإن دولتشي آند غابانا قدما سراويل ضيقة جدا تحتاج إلى رشاقة وجرأة لارتدائها، مع تركيزه على قماش «الدينم» وسراويل الجينز التي تعتبر ورقة تجارية رابحة، كونها تخاطب كل الأذواق والأعمار.

أما بالنسبة لدار فيرساتشي فقد كان التحدي كبيرا بالنسبة لدوناتيلا، لا سيما أن أرباح الدار تراجعت بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، بعد أن فقدت عنصر الإبهار وتحوَل العديد من النجوم عنها إلى مصممين أكثر جرأة وإبداعا أمثال دولتشي آند غابانا وروبرتو كافاللي. التشكيلة التي قدمتها دوناتيلا أخذتنا إلى حقبة الثمانينات، لكنها لم تلهب الخيال، رغم الالوان الغنية والقصات الرائعة والمتقنة. غير أن أكبر حدث شهده الجميع في ميلانو هذا الموسم هو عرض دار غوتشي. والسبب ليس سمعة الدار وعراقتها، بل لأن الكل كان يتوق لمعرفة مدى تأثير غياب المصمم توم فورد عليها، وما إذا كان المصمم جون راي، سينجح في ملء الفراغ الذي خلَفه. ولم يُخيب المصمم راي الظن، فهو لم يعوض توم فورد، لكنه كان ذكيا ولم يحاول أن يستعرض عضلاته، أو يأخذ مكان أستاذه. وفي المقابل، رجع إلى أرشيف توم فورد، وأخذ الأساسيات التي تميز بها اسم غوتشي، وأضفى عليها لمسات شابة وإن تميزت بالكثير من المبالغة. فقد أعاد القميص «القفطان» الذي ظهر في السبعينات، على شكل كنزات صوفية وقمصان بأقمشة مترفة تنسدل فوق سروال الجينز، غير أنها لن تخاطب ذوق الرجل المحافظ أو الخجول، الذي لم يضعه المصمم نصب عينيه على الإطلاق، كون هذه الأزياء تحتاج إلى الكثير من الجرأة القوية، خاصة إذا أضيفت إليها الاكسسوارات التي ظهر بها العارضون على منصات العرض من حقائب وقلادات ذهبية وخواتم كبيرة لم يكن الرجل يجرأ حتى على مجرد التفكير فيها، فما بالك بارتدائها. لكنها في لغة الأرقام، ستدر الكثير من المال على الدار، وهذا هو المهم بالنسبة للمصمم الجديد!