صناعة التجميل الرجالية تحصد الملايين وتكسر المُتعارف عليه والشباب العربي يبررها بأن مجتمعاتنا الشرقية تقيّم الفرد وفق شكله لا كفاءاته

TT

اهتمام الرجل بمظهره لم يعد يقتصر على الأزياء والاكسسوارات بل امتد، وبشكل لافت لمستحضرات العناية بالبشرة والتجميل. فالرجل البريطاني، مثلا، لم يكن يصرف أي مبالغ تذكر على مظهره، لكنه اصبح الآن يصرف شهريا حوالي 200 جنيه استرليني على مستحضرات ترطيب البشرة وصبغات الشعر والعطور وغيرها. ومما زاد في انتعاش هذه السوق أن هذا النوع من الرجال يتمتع بقدرة شرائية عالية، ولا يبخل على مظهره وشكله بأي شيء، كما أنه يتميز بالفضول، بحيث يتوجه إلى المحلات ولا يخجل من أن يسأل البائعة عما يناسب بشرته وشعره وكل ما يتعلق بمظهره. وحسب دراسة أجرتها مؤسسة «داتا مونيتور»، فإن مستحضرات التجميل والعناية بالبشرة للرجل تصل اليوم إلى 1.3 مليار جنيه استرليني، 65 مليون جنيه تُصرف على مستحضرات العناية بالبشرة، بينما 88 مليون جنيه على العطور ومشتقاتها.

كما قامت مؤسسة «مينتيل» الأوربية بدراسة مماثلة كانت نتيجتها أن مستحضرات التجميل الرجالية ارتفعت بنسبة 65% ما بين عامي 1998 و2003، وأشارت إلى أن رجلا من بين كل أربعة رجال يستعمل الكريمات المرطبة في بريطانيا، بينما يستعمل واحد من كل ثلاثة «موسى» للشعر بشكل يومي، وسبعة من كل عشرة يستعملون العطور، هذا عدا إقبالهم على حقن البوتوكس، والمستحضرات التي تعد بإبعاد شبح الشيخوخة، وغيرها من المنتجات، مع العلم أن الكثير منهم لا يعمل في ميادين التلفزيون أو السينما أو مجالات العلاقات العامة، بل منهم من يتبوأ مراكز أخرى، يتسم أصحابها بالجد، مثل المحامين أو رجال الأعمال وغيرهم، لكن الاعلام لعب دورا كبيرا في تكريس هذه الظاهرة التي اسفرت عن تغيير جذري في سلوك الرجال، خاصة شريحة الشباب. ولا يخرج عن هذه القاعدة الرجل العربي، خاصة الشباب اللبناني المعروف بإقباله وحبه على تغيير شكله حتى يواكب الموضة بكل تطوراتها حتى لو كانت مستوردة، فبعدما كان في الماضي لا يجرأ على البوح بعدم رضاه عن مظهره أو إظهار رغبته في تحسينه، لانه كان يخاف من أن يُنعت بـ«الميوعة»، أصبح اليوم يجرب كل جديد، ويقلد أي صرعة جديدة. وكان من البديهي ان يشجع هذا الإقبال، العديد من دور التجميل المعروفة على توسيع خارطة منتجاتها الرجالية، مع إضفاء صبغة رجولية على تصميم شكل هذه المستحضرات التجميلية أو أسمائها. تجدر الإشارة إلى أنها نفس العملية التي اتبعتها الشركات في تسويق العطور الرجالية في الخمسينات بإطلاق اسم «بعد الحلاقة» عليها حتى لا تستفز أي أحد آنذاك. وهكذا نرى أن أراميس وفيرساتشي وكلينيك ودار غيرلان وغيرها وسعت الأنواع التي تنتجها لتشمل أيضا مستحضرات العناية بالجسم من ترطيب وتعطير وغيرها، بل إن شركتي «كلارينس» ، و«شيسايدو» طرحتا ماكياجاً خاصاً بالرجال، بألوان طبيعية جدا، في بعض الدول، وتنوي شركات أخرى أن تقوم بنفس الشيء.

سألنا عدداً من الشبان عن رأيهم حول هذا التحول، فكان رأي البعض متحمسا للغاية، كونه، حسب رأيهم، جاء نتيجة حاجة اساسية في حياة كل شاب، ويساعده على بناء معارف وبالتالي يساهم في نجاحه، فـ«الانسان في مجتمعاتنا الشرقية يقيّم وفق شكله لا كفاءاته».

وحسب شريحة اخرى من الشباب Make over هو ضروري وطبيعي جداً في عصرنا هذا، عصر الصورة والتكنولوجيا، ومتطلبات الحياة باتت تفرض عليهم الحداثة في اللوك. بينما فسَر البعض الآخر الظاهرة على انها تعويض عن نقص.

يقول اختصاصي التجميل والترميم، ابراهيم ملكي: «ظاهرة النيولوك عند الرجال ليست بالشيء المهم، ولا نناقش هنا جمال الرجل الطبيعي ام غير الطبيعي، لكني لا احبذ في المطلق قيام الشاب بعمليات تجميل او اشياء اخرى مبالغ فيها ليثير الانتباه والاهتمام، فإن احب تحسين مظهره فليقم به بطريقة طـبيعية. أما الهوس للظهور بشكل كامل متكامل فما هو الا دليل على بعض العقد النفسية. وعن نسبة الرجال والشباب الذين يجرون عمليات تجميل، صرّح بأنها «لا تتعدى العشرة في المائة في لبنان وما يشجع هذه النسبة على التكاثر هي الموضة، إضافة إلى ان العالم تفتح اكثر والناس باتت لا ترضى بالاشياء البسيطة، بالاضافة الى تطور الطب والعلم. أما الاسباب النفسية لهذه الظاهرة ففسرها الطبيب النفسي د. سامي ريشا بوجود «ثلاث شخصيات: اولاً، الشخصية غير الناضجة التي تعتقد أن فرض نفسها يكون بالتركيز على أمور جسدية وظاهرية، وبالتمويه عن نقص معين، والشخصية الثانية هي المتباهية، التي تحب الظهور ولــفت الأنـظار.

اما الشخصية الثالثة فهي النرجسية، التي تحب نفسها وتجهد لتبقى دائماً الاجمل والافضل في عيون الاخرين». ويوضح ريشا أن «الاهتمام المفاجئ للشباب باللوك في مجتمعاتنا الشرقية هو ناتج عن رغبتهم في السيطرة على مصائرهم لكن بطريقة التفاخر، اعتقادا منهم أنهم قادرون على كل شيء. وأكبر مثال على ذلك الوشم وثقب الجسد حتى يلفتوا الانتباه من جهة، وحتى يبرهنوا لأنفسهم أن لهم مطلق السيطرة على جسدهم». ويتابع «ان الرجل الذي يقوم بعمليات التجميل من دون سبب ظاهر، يفتقد الى النضج الكافي في شخصيته».