من نيويورك مع التحية: موضة عملية تستحضر الزمن الجميل

TT

لا الأمطار الغزيرة ولا زحمة السير، ولا ذكرى أحداث الحادي عشر سبتمبر، وقفت أمام إقبال المتحمسين للموضة، من الشخصيات المعروفة، ووسائل إعلام أو نجوم هوليوود، لحضور أسبوع الموضة النيويوركي لموسمي ربيع وصيف 2005. فقد توافدوا إلى الخيام التي أقيمت في حديقة براينت في قلب مانهاتن، ليلقوا نظرة على خطوط الموضة واتجاهاتها لربيع وصيف العام القادم من جهة، وليهربوا من رمادية موسمي الخريف والشتاء، ويتعلقوا بآخر قشة من فصل الصيف، من جهة أخرى، ولو كان ذلك فقط من خلال متابعة عروض تعدهم بربيع وصيف دافئين ومتوهجين. وعلى مدى ثمانية أيام، كانوا على لقاء مع أكثر من ثمانين عرضا لمصممين كبار أمثال كارولينا هيريرا، أوسكار دي لارونتا، رالف لورين، زاك بوسن، مارك جايكوبس، تومي هيلفيغر، كينيث كول وغيرهم. ورغم أن الأسبوع سجل هذا العام غياب المصمم مارك بادجلي والمصمم جايمس ميشكا، وتزامن يوم السبت الماضي مع ذكرى احداث سبتمبر، إلا أنه شهد إقبالا كبيرا، وكأنه يريد أن يطوي صفحة الماضي ويفتح صفحة جديدة، ونجح في ذلك بتقديمه أزياء عملية تخاطب المرأة العصرية من دون أي مبالغات أو إثارة. فنيويورك، ربما تكون عاصمة الموضة الوحيدة التي تقدم أزياء عملية لا تحتاج إلى خيال أو تفكير في كيفية ترجمتها إلى تصاميم واقعية تناسب الايام العادية، وتخاطب المرأة التي تتوخى التألق بأناقة معقولة بعيدة عن الإثارة التسويقية. القاسم المشترك بين معظم المصممين طوال هذا الأسبوع، كان رغبة ملحة في الاحتفال بروح الثقافة الأميركية الأصيلة، والعودة إلى الجذور والمبادئ القديمة من خلال أزياء ابتعدت عن الإثارة وسطحية بريق ثقافة «الهيب هوب» و«البوب» أو «الروك أند رول» وغيرها من التأثيرات التي سيطرت على الموضة في السنوات الأخيرة. معظم التشكيلات غلبت عليها ألوان تماوجت بالفيروز والمرجان ومياه الكاريبي اللازوردية، فضلا عن الألوان الترابية والأبيض والاسود، بينما تباينت الأقمشة بين الشيفون، والجرسيه والكريب جورجيت، أما التصاميم فاستحضرت أجواء سانت تروبيز والباهاماس وغيرها من المنتجعات الصيفية التي يرتادها المشاهير والأثرياء. فتشكيلة كارولينا هيريرا أخذتنا في رحلة إلى ريفييرا الفرنسية بأناقتها الرفيعة، بينما نقلنا جيفري شو إلى ربوع افريقيا بتطريزات مجموعته، التي زادتها أحجار الكريستال من سواروفسكي أناقة وجمالا. أما تومي هيلفيغير فألف سيمفونية هادئة، على غير عادته، وخفف من تأثير موسيقى الروك الصاخبة، وقدم أزياء في غاية الأناقة، نفس الامر يمكن أن يقال على مجموعة بيل بلاس التي تخلت عن المبالغة، وقدمت في المقابل تشكيلة عملية بسيناريو عملي مريح للعين، بتركيزها على التفاصيل المحددة ببساطة. كينيث كول، من جهته، قدم تشكيلة محددة ومدهشة في بساطتها، وإن كان قد عمل فقط على تطوير اتجاهات الموضة الحالية، بدءا من التنورة المستقيمة، إلى الكنزات المغزولة من الصوف وفساتين الجرسيه. المشكلة أن تشكليته رغم جمالها وعمليتها تفتقد إلى قصة تلهب الخيال وتجعلنا نحلم بها. ومرة أخرى نجحت دار بيري إيليس، من خلال مصممها باتريك روبنسون، في أن تتقن فن العودة إلى الماضي لتغرف منه جرعات كافية تركت الحضور متلهفا للمزيد. هذه المرة أخذنا إلى العهد الفيكتوري وفترة ما قبل الرافائيل، ليقدم لنا قطعا كلاسيكية رائعة من «الفينتاج» أضاف عليها لمسات عصرية وشبابية، إضافة إلى مزجه الأنوثة من خلال الفساتين مع التايورات المحددة بشكل صارم يكاد يكون رجاليا في بعض الأحيان، وهي تقنية استفاد منها خلال عمله مع جيورجيو أرماني وأتقنها. وقد اعترف بأن هدفه كان التقاط «روح الرومانسية الحديثة» التي تتميز بالأنوثة المحتشمة إلى حد ما، وأضاف «أردت أن امنح المرأة تصاميم خفيفة، ناعمة وجميلة بعد أشهر طويلة من ارتدائها تايورات من التويد». كما اعترف بانه عندما كان منكبا على تصميم تشكيلته، انتبه إلى أنه لم يستعمل الكثير من النقوش أو المطبوعات، لكنه عوض ان يتدارك الأمر ويضيف النقوش الهندسية (التي على ما يبدو ستبقى في المواسم القادمة) اختار أن يستعمل الأقمشة المقصَبة أو المطرزة، التي لا تحتاج إلى اي نقوش إضافية كونها مترفة وغنية بما فيه الكفاية.

لكن رغم خبرة كل هؤلاء المصممين الكبار وسمعتهم، فإن المصممة الشابة تارا سابكوف، ومجموعتها التي تحمل اسم «إيميتايشن أوف كرايست» هي التي أثارت الجدل كالعادة. فهي لأول مرة تعرض في حديقة براينت، وهو مكان جد كلاسيكي وغير مثير بمفهوم مصممة شابة لها مواقف سياسية معينة تستغل أي مناسبة للتعبير عن أفكارها السياسية والاجتماعية المثيرة. لكن رغم كلاسيكية المكان، فهي لم تخيب ظن الذين جاؤوا للاستمتاع بعرض مميز وفريد من نوعه، فقد قدمت كوكتيلا متنوعا يحمل رسالة سياسية واضحة منذ بدايته. فقد استهلت تشكيلتها بأزياء رجالية عسكرية وقمصان عربية على خلفية فيلم وثائقي يبث لقطات لجنود أميركيين في العراق وأمهات عراقيات وأطفال يبكون، كل هذا على نغمات بيانو تتردد فيها بين الفينة والأخرى كلمة «يا للهول» بينما جلس في الصفوف الأمامية، شخص تقمص شكل جورج بوش. عندما سئلت تارا سابكوف عن الرسالة التي تريد إيصالها إلى العالم من خلال هذا العرض، ردت قائلة: «أعتقد أن الأمر واضح جدا». تارا لم تقتصر على حرب العراق كخلفية لعرضها، إذا أنها، في الجانب الإبداعي، عادت إلى العهد الروماني، الذي يتميز في رأيها أيضا بجانبه الدموي. لكن لا يمكن أن ننكر أنها قدمت مجموعة عملية وأنثوية في الوقت ذاته، على شكل بنطلونات قصيرة (الكابري) وقمصان بقلنسوات وفساتين منسابة مع أحذية على شكل «نعال» رومانية. ومهما اختلفت الرسائل التي ترسلها في كل موسم، وطريقة عرضها، فإنها أبدا لا تحيد على أسلوبها الذي يخاطب المرأة العصرية والمستقلة في أسلوبها كما في رأيها. وهذا ليس غريبا على مصممة شابة تفضل أن تعطي للعارضات أزياء بتوقيعها بعد انتهاء أي عرض، على أن تدفع لهم أجورهن نقدا كما يفعل غيرها من المصممين.