بعد سنوات من الرفض والتخوف من إيحاءاته.. الموضة تستعد لبرد الشتاء بدفء الفرو

TT

نعم سيدتي، لم يعد الفرو الحقيقي رمزا لمكانة اجتماعية أو يقتصر على طبقة الأثرياء والمشاهير فحسب، ونعم الفرو الاصطناعي لم يعد مجرد بديل رخيص له (من حيث شكله وسعره) يقتصر على فئة المناهضين للفرو من المدافعين عن حقوق الحيوانات، وسواء كان حقيقيا أو اصطناعيا، فهو موضة هذا الشتاء، وبالتالي سترينه بكثرة ليس فقط في المعاطف الشتوية، بل أيضا في فساتين السهرة من الشيفون، وفي جاكيتات النهار الـ«بوليرو» القصيرة. ورغم تغير صورة الفرو في السنوات الأخيرة، أو بالأحرى تقبل الناس له، إلا أنه ما زال يثير ردود فعل متضاربة، بين مؤيد ومعارض، فهو تارة عدو الموضة ويحاول كل المصممين تجنبه لسبب أو آخر، وتارة هو حبيبها الذي يعودون إليه كلما احتاجوا إلى جرعة فخامة أو طُعم لجلب سيدات المجتمع المخملي. فما يذكر في التسعينات أن صناعة الفرو الحقيقي عرفت تراجعا كبيرا، مع تنامي قوة جمعيات الدفاع عن حقوق الحيوانات وغيرها، إلى حد جعل بعض العارضات يتخوفن حتى من مجرد الظهور به على منصات عروض الأزياء لما كان يثيره من مشاعر الغضب تجاههن. لكن شتان بين التسعينات والموضة الحالية التي تعانق كل الاتجاهات، كل الخامات، وكل الألوان. ففي عروض ميلانو وباريس للخريف والشتاء، بدا وكأن معظم المصممين دخلوا في معركة تحد مع المناهضين لاستعمال الفرو، وجاءت الكثير من التشكيلات مطعمة به، سواء في الياقات، أو حواشي الأكمام أو في الشالات والمعاطف وغيرها. وحسب آخر إحصائية فقد استعمله أكثر من 300 مصمم هذا العام فقط في تشكيلاتهم، أي سبع مرات أكثر مما كان عليه الأمر في عام 1985، رغم الحملات المناهضة له، وعلى رأسهم المصممة ستيلا ماكارتني، لكن على ما يبدو لا حياة لمن تنادي. ففي عروض ميلانو اقتصرت تشكيلة كارلو تيفيولي على الفرو، من خلال جاكيتات ومعاطف من فرو الثعلب والمينك الملون مع أقمشة خفيفة وبراقة مثل الساريه والشيفون، بينما قدمت فيندي شالات وجاكيتات رائعة من فرو الماعز والمينك، بل وحتى حقائب يد مزينة به. وفي عروض باريس قدم مارك جايكوبس جاكيتات من جلد الأرنب لدار لوي فيتون، وكذلك الامر بالنسبة لإيمانويل أونغارو وكريستيان لاكروا. هذا الأخير زين تقريبا كل فساتينه وقطعه بفرو الثعلب، خاصة في الياقات وحواشي الأكمام، كما لم يغب الفرو وجلد الأفاعي من عروض جيفنشي، وعروض سيلين. أما البنطلونات المصنوعة من قشور السمك وجاكيتات جلد الماعز فكان حضورها قويا في عروض كريستيان ديور، إضافة إلى ياقات المعاطف، واللائحة طويلة.

هذه المرة لم تتخوف العارضات من التهادي بها على منصات المسرح، من أمثال ناعومي كامبل، التي عرضت لدولتشي أند غابانا، والتي كانت قد صرحت في التسعينات بأنها تفضل أن تمشي عارية على أن تلبس الفرو، لكن على ما يبدو أنه من أجل عيون الموضة كل شيء يمكن أن يتغير، حتى العارضة المخضرمة، سيندي كروفورد، التي كانت قد اعتزلت عروض الأزياء منذ مدة، عادت في عرض روبيرتو كافالي الأخيرة، وكانت من بين القطع التي ارتدتها معطف من المينك بلون الشوكولاته. ويرجع سبب هذه العودة القوية إلى نجوم الهيب هوب، الذين جاءوا بثقافة بأن كل ما يلمع، وكل ما هو ضخم ولافت وكل ما غلا ثمنه، جميل ومقبول. فهم الذين جعلوا من ثقافة التباهي بالجاه واستعراض كل ما يشير إلى مركزهم الاجتماعي والمادي، الذي بنوه بأيديهم، أمرا مقبولا يجب ألا يكون مدعاة للحرج. فجينفر لوبيز ومادونا مثلا تلبسان الفرو، ولا تدعيان أنهما ضده، إضافة إلى أن الخوف من ارتدائه في الأماكن العامة واحتمال ان يرميهن واحد من المناهضين له بالطلاء الأحمر، دلالة على دم الحيوان الذي صنع منه الزي، تلاشى بشكل كبير، في ظل تنامي احترام الحريات الشخصية. فكيت موس، مثلا التي ظهرت خلال عرض إيف سان لوران في باريس ثم في عرض صديقتها سايدي فروست في لندن وهي تلبس وشاحا من الفرو، قالت بصريح العبارة عندما سئلت «ألبس ما أريد وما يروق لي» أي انها لا تنتظر إذنا من أحد لذلك، وهي، مثلها مثل العديد من النجمات الشابات، لا تتحدى حماة الفرو، بقدر ما تعبر عن حرية اختيار شخصية، وهو أمر يوافقها عليه محبو الفرو والمعارضون له على حد سواء.

أهم ما ميز الحقبة الأخيرة هي تراجع سلطة المصمم المعروف، ودخول المحلات الكبيرة على الخط، بطرحها تصاميم طبق الأصل عن الأصلية بأسعار معقولة، لذلك فستجد الشابة الصغيرة التي لا تريد أن تفوتها صرعة من صرعات الموضة، ولا تسمح لها إمكانياتها باقتناء قطعة أصلية، الكثير من القطع والاكسسوارات المزينة بالفرو المصنع. فالمصمم قد يقترح علينا أفكارا وأساليب جديدة، لكن الخيار والقرار يبقى بيد المستهلك الذي سيلبس ما يريد.

تقول سالي سينغر، مديرة أخبار الموضة والمنوعات في مجلة «فوغ»: «الفرو أصبح يعني أكثر من معطف المينك، الذي كانت المرأة تدخر للحصول عليه لسنوات، ثم تلبسه في مناسبات خاصة جدا وقليلة، بل أصبح، بعد تطور صناعة الأقمشة والخامات المتنوعة، قطعة أساسية في خزانة أي امرأة أنيقة». وما تعنيه سالي هو أنه أصبح موجها للمرأة الشابة والناضجة على حد سواء، لأن مظهره الحالي بعيد عن الكلاسيكية، لكن هذا لا يعني تراجع مبيعات معطف المينك الطويل، كونه يعتبر قطعة كلاسيكية لا يمكن أن يؤثر عليها الزمن، وطبعا إذا تمت العناية به جيدا، فهو قطعة تورَث من جيل إلى آخر. وهذا ما يؤكده كيث كابلان، المدير التنفيذي لجمعية الفرو في أميركا بقوله ان «الفرو توسع ليشمل كل الطبقات وكل المناسبات». وحسب إحصائية أجرتها منظمة الفرو العالمية، حول مبيعاته، تبين أن المستهلك الحالي هو من شريحة الشباب، مثلا 55% من المشترين في العام الماضي كانت أعمارهم تقل عن 44 سنة. والسبب في هذه الشعبية المتزايدة هو وصوله إلى المعادلة الصعبة بين العرض والطلب. فالمرأة، على كل المستويات، تميل إلى أي شيء مترف، وصناع الموضة يتجاوبون مع هذه الرغبة ويلبونها، سواء تعلق الأمر بالتصاميم الشبابية الرائعة أو بتطوير تقنيات الصباغة وإدخال ألوان جديدة تجعل فرو الثعلب يبدو وكأنه فرو النمر، أو باستعمال الليزر في التصميم والتطريز، مما جعل بالإمكان استغلال أي قطعة جديدة من الفرو أكثر من تسعة اشهر في السنة بعد أن كان يقتصر في الماضي على فصل الشتاء فحسب.