تخبط المصممون وتنوعت الأساليب والمستفيد هو المرأة

لندن بين جليد سيبيريا ودفء أفريقيا

TT

اللافت في الموضة أنها تتمتع بنفس طويل، ولا تكل أو تمل، فما أن ينتهي عرض في عاصمة حتى يبدأ آخر في عاصمة أخرى. ولم يعد الأمر يقتصر على عواصم الموضة الأربع: باريس، ميلانو، نيويورك ولندن، بعد أن أصبح لكل عاصمة في العالم تقريبا أسبوعا خاصا، بدءا من الهند والصين، إلى روسيا واسبانيا والبرازيل مرورا بلبنان، واللائحة طويلة. وهذا الاهتمام المتزايد ليس نابعا من رغبة هذه البلدان في التعبير عن إبداعاتها الفنية بقدر ما هو لاستقطاب رأس المال والمزيد من الاستثمارات. وطبعا لن تتوقف رحى الموضة عن الدوران من أجل تحقيق هذا الهدف، كما لن يتوقف مبدعوها على استعمال كل الأدوات والطرق من أجل ذلك. في عروض نيويورك ثم في عروض لندن الأخيرة، رأينا كيف غازل معظم المصممين أسواقا جديدة تتمتع بإمكانيات شرائية كبيرة، على رأسها السوق الروسية من خلال أزياء موجهة لطبقته الثرية في المقام الأول. ففي نيويورك رأينا كل من دايانا فون فورتسنبورغ، وكارولينا هيريرا وحتى أوسكار دي لارونتا، يتوجهون للغرف من تاريخها العريق ومن صور بطلات الأدب الروسي الكلاسيكي. وفي أسبوع الموضة الخاص بلندن، الذي أسدل عليه الستار الخميس الماضي، لم يختلف الأمر كثيرا، فقد رأينا مجموعة جوليان ماكدونالد التي ترقص على نفس النغمة، واعترف بكل صراحة أنه أراد بها مغازلة هذه السوق. المتعارف عليه دائما هو ان المصممين يختارون موضوعا أساسيا لمجموعاتهم، كأن يرجعوا إلى أرشيفهم ويجددوه أو إلى حقبة زمنية أو فترة تاريخية فيأخذوا منها افكارا يوظفونها بطريقة فنية للسوق العصرية في كل مكان من العالم، لكن أن يتوجه المصممون إلى روسيا القيصرية، ونيتهم ليست الغرف منها من أجل الإبداع، بل من أجل التسويق لها، فهذا أمر جديد حتى بمقاييس الموضة، وأن تدخل لندن أيضا المعمعة، فهذا لافت للانتباه. فقد تعودنا من هذه الأخيرة أن تتبنى الإبداع والمواهب الشابة دون أن تبالي كثيرا بالجانب التجاري، لكنها على ما يبدو، ونتيجة للمشاكل المادية الكثيرة التي مرت بها، وكادت ان تودي بها، بدأت تحسب ألف حساب للجانب التسويقي. في العام الماضي حاولت ذلك من خلال مخاطبة موضة الشارع والمحلات الكبيرة، لكنها هذه السنة تحاول مخاطبة شريحة أهم وتمتلك إمكانيات مادية هائلة، أغلبها من لاتفيا وروسيا، فاقتصاد هذه الاخيرة ينمو بسرعة كبيرة، وهناك فئة ثرية جدا تبحث دائما عن آخر صرعات الموضة بغض النظر عن ثمنها. وإذا بدأت نيويورك بالتودد إليها، وهي التي لا تعاني من أي مشاكل مادية، فلم لا تفعل لندن مثلها وتقضم قطعة من الكعكة. المصمم الذي أتقن اللعبة في لندن هو جوليان ماكدونالد، الذي كان حتى العام الماضي، مصمم دار جيفنشي، قبل أن يعود إلى أراضيه تاركا هذه الدار تتخبط بحثا عن بديل له. وهو وإن لم تدم إقامته في باريس طويلا، إلا انه تلميذ نجيب وتعلم بسرعة أن سوقه ليست هي لندن ولا باريس، بل هي الشرق الصاقع والمنتعش. وهذا ما انعكس على مجموعته التي تلفحت فيها عارضاته بكل انواع الفرو المترف، بدءا من فرو الشنشلة إلى المينك مرورا بفرو الثعلب والأرنب. عندما سئل عن اهتمامه الزائد بالفرو أجاب ببعض الحدة «انا أحب الفرو ولست ضد استعماله في الأزياء. ثم أن أهم سوق لي هي روسيا وكلهم يلبسونه هناك». الملاحظ أنه لم يخفف منه حتى في قطع النهار التي زين أكمامها وياقاتها به، وبدت من تحت معاطف الفرو، المتباينة الطول، كنزات مطرزة بالخرز والأحجار، وخيوط الذهب، وفساتين منسابة من اللاميه اللامع أرفقها بإيشاربات وأوشحة فخمة، وهنا أيضا كان يضع نصب عينيه السوق الشرقية السيبيرية، خصوصا إذا عرفنا أن اهم زبوناته هي إيرينا أبراموفيتش، زوجة الملياردير رومان أبارموفيتش، الذي يمتلك نادي تشيلسي البريطاني لكرة القدم. الطريف أنها ستروق السوق العربية أيضا، حتى وإن لم يفكر السيد ماكدونالد، أو غيره من مصممي لندن، بذلك أبدا، ربما لأن العربيات لم يعدن يتسوقن من لندن، وأصبحت لهن أسواقا جديدة، أو فقط لم يعد يُنظر إليهن على أنهن مشتريات جيدات، كما في السابق. جوليان ماكدونالد لم يكن الوحيد الذي توجه إلى الشرق، فالمصممتان فروست وفرانش، هما أيضا قامتا برحلة جليدية، وبدا ذلك واضحا حتى قبل حضور عرضهما. فبطاقات الدعوة التي وجهتاها لضيوفهما كانت تمثل صورا لثعالب سبيرية، وإشارات إلى أسلوب سانت بتسبورغ القديم. ولم يتخلف ميتشيكو كوشينو أيضا عن استغلال الطفرة الاقتصادية الروسية وقدم مجموعة متنوعة من جلود الحيوانات التي تعيش في برية سيبيريا، مجموعة رائعة للنظر لكن صعب القول أنها جاهزة للاستعمال، أو يمكن ان تستعمل في أرض الواقع باستثناء بعضها.

لكن البشرى للواتي لا يمكنهن شراء معاطف واكسسوارات من الفرو، أو بكل بساطة لا يحتجنها لأن الطقس في بلادهن دافئ، فهناك تأثير واضح ولا يقل قوة عن السابق هو التأثير الإفريقي. فباريس استغلته إلى اقصى حد، والدليل هو مجموعة جون بول غوتييه الرائعة، وها هي لندن هي الأخرى تصوب أنظارها إلى دفء ألوانها ووحشية رسوماتها، التي تجلت أيضا في الاكسسوارات الضخمة و«البدائية» التي تحتاج برأيي إلى بعض الترويض. كما لم يغب التأثير الرومانسي في كل من تصاميم أماندا وايكلي، وبين دي ليسي وجاسبر كونران. صحيح أنهم لم يقدموا جديدا بالمعنى المبتكر، لكن تشكيلاتهم كانت موجهة للمرأة المقتدرة التي تريد أن تتألق في المناسبات الكبيرة من دون تعقيدات. لكن أجمل الفساتين الرومانسية فقد كانت من تصميم العائد من نيويورك ماثيو ويليامسون، الذي قدم تشكيلة أكثر من رائعة تتداخل فيها الرومانسية مع البوهيمية، والتي استوحاها من رحلاته إلى الصين والمغرب، الذي يعشقه ولا يخلو أي عرض من عروضه من لمسة من لمساته «المراكشية».

لكن اللافت هذا العام، كما العام الماضي، أن الابتكار المجنون غاب تماما وحل محله الإبداع المقنن، ومحاولة الكسب بتنويع الأساليب. هذا العام كان موجها للمرأة المبدعة والشابة فيما يخص أزياء النهار، والتي تريد أن تتألق وتلفت الأنظار في أزياء السهرة، وليس أدل على ذلك من أحجار الكريستال التي زينتها، وكانت أحجامها في بعض الحالات تكاد تصل إلى حجم اليد. فسواروفسكي كان، كالعادة، الحاضر الغائب، من خلال أحجار الكريستال التي استعملت بسخاء في كل شيء بدءا من فساتين السهرة إلى الأحذية والأحزمة وباقي الاكسسوارات.