جائزة الأوسكار لأحسن الأزياء تذهب لفيلم «الطيار»

TT

بدأ العد التنازلي لحفل توزيع جوائز الأوسكار، ومعه ارتفعت سخونة التوقعات والتكهنات عن النجوم الذين سيحالفهم الحظ بالفوز. لكن الجدير بالذكر أنه ليس كل المشاهدين سيكونون نقادا سينمائيين أو متابعين مخلصين للفن السابع. فالعديد منهم، سيتابع الحفل من منظور آخر ومختلف تماما وهو الموضة وما ستلبسه النجمات والنجوم. فمما لا شك فيه أن هذه المناسبة تحولت إلى أهم عرض أزياء بالنسبة للمصممين العالميين، بل ان معظمهم أصبح يصمم أزياءه ونصب عينيه سجادة حمراء، ونجمة فوقه تختال بابتسامة واسعة تتودد للمصورين، بزي من إبداعهم، وإذا حصلت على الجائزة والتقطت لها صور تتداولها كل الوكالات والصحف والتلفزيونات، فهذا أقصى المنى. لكن بينما يستطيع الناقد السينمائي أن يصيب في توقعاته، لأنه يبنيها على عدة معطيات، فإن من المستحيل على أي صحافي موضة ان يتكهن بما ستلبسه اي نجمة من النجمات، لأنهن، من جهة، يحطن الأمر بسرية كبيرة حتى لا تلبس أخرى فستانا مشابها، ومن جهة أخرى لأنهن يُغيرن رأيهن في آخر لحظة، حسب المزاج والإغراءات. لكن الممكن هو منح جوائز خاصة بأزياء أي فيلم من الأفلام المرشحة. والشرق الأوسط تمنح هذه الجائزة، لفيلم «الطيار» الذي لم يبخل عليه المخرج سكورسيزي بميزانية تعكس بذخ الشخصية التي تناولها الفيلم المليونير «هاورد هيوز»، والذي قام بدوره ليوناردو ديكابريو، وأناقة النجمات اللواتي عايشنه وصادقنه، أمثال كاثرين هيبورن، قامت بالدور كايت بلانشيت، إيفا غاردنر قامت بدورها كايت بيكنسدايل، وغوين ستيفاني في دور الشقراء جين هارلو. عندما ذهبت لمشاهدة الفيلم لأول مرة، وصلت متأخرة وكانت الصالة ممتلئة، فاضطرت لتأجيل الأمر يومين. بصراحة لم يكن الفيلم، برأيي المتواضع، في مستوى بعض أفلام سكورسيزي الأخرى، لكنه نجح في التقاط روح العصر الذي عاشه البطل وبطلاته، سواء من حيث الديكورات أو الموسيقى، وبالأخص الأزياء. فهذه الأخيرة غلب عليها الحنين لوجه الماضي المضيء، فهي مستوحاة من الحقبة التي عاش فيها أبطال الفيلم الحقيقيون، وعكست بذخهم وترفهم، وأحيانا سطحيتهم المتمثلة في حبهم للمظاهر، بطريقة محكمة، سواء تعلق الأمر بملابس الرجال، من بذلات وتوكسيدو، وملابس للأيام العادية، أو فساتين النساء المبهرة من الساتان واللاميه والفرو للمساء وتايورات مفصلة بشكل راق ودقيق للنهار. أزياء «قديمة» زمنيا، من المفروض أن تبقى لصيقة بتلك الفترة ولا تثير فينا سوى الذكريات، لكنها دائما تنجح في إغرائنا بالإقبال عليها، خصوصا وأن المصممين ينجحون دائما في إنعاشها وتسويقها إلينا بصيغة تناسب الحاضر والمستقبل، القريب على الأقل. وهذا ما رأيناه في معظم عروض هذه السنة، من نيويورك، إلى ميلانو مرورا بباريس ولندن. ففي نيويورك قدم كالفين كلاين، أوسكار دي لارونتا، كارولينا هيريرا، وبيل بلاس وهلم جرا، فساتين كانت ستناسب تماما ذوق كل من الشقراء جين هارلو المثيرة، وكاثرين هيبورن وإيفا غاردنر الكلاسيكيتين، ونفس الأمر يمكن أن يقال على باقي عواصم الموضة العالمية. والطريف أن نجمات اليوم، اللواتي اكتسبن قوة لم تكن تتوفر لنجمات العصر الذهبي، سواء من حيث أجورهن، أو حريتهن في اختيار الادوار (حتى بعد تجاوز بعضهن الأربعين وهو الأمر الذي لم يكن مسموعا به من قبل) يردن أن يتشبهن بهن، ولا يمكن القول على أي واحدة من نجمات هذا العصر إنها وصلت إلى مرتبة أي أيقونة من أيقونات الماضي، أمثال أودري هيبورن، غريس كيلي، كاثرين هيبورن، مارلين مونرو، بل إن أقصى مدح يمكن ان تتلقاه نجمة اليوم هي أن تُشبَه بواحدة من هؤلاء، مما يدل أن للماضي سحرا قويا ومستمرا من الصعب جدا تجاهله أو التفوق عليه، لحد الآن، على الأقل من الناحية الجمالية. والسر هو أن لكل واحدة من هؤلاء النجمات أسلوبها الخاص بها الذي يناسب مقاييس جسمها ويعبر عن شخصيتها. ملابس فيلم «الطيار» جاءت مناسبة للاتجاه الذي ظهر منذ أكثر من سنة، ولقي إقبالا كبيرا في شوارع الموضة، وهو الاتجاه الذي رأى تراجع الملابس المثيرة وشبه العارية، لصالح الملابس الرومانسية والكلاسيكية، سواء تعلق الأمر بالتايور المكون من جاكيت وتنورة أو ببنطلون للنهار، أو الفساتين المنسابة بألوان صارخة وخامات مترفة من الساتان أو الشيفون أو المخمل، واللاميه، وطبعا الفرو. كما لا ننسى أن تأثير كاثرين هيبورن بدأه مارك جايكوبس في العام الماضي من خلال الحزام الناعم الذي يربط على شكل وردة صغيرة فوق كنزة صوفية أو قميص بياقة عالية. وها هي كاثرين هيبورن، حتى بعد موتها لا زالت تؤثر على الموضة، ولا زالت تلهب خيالنا وتمتع خزاناتنا بأزياء رائعة. وهذا هو تأثير السينما على الموضة، وهو تأثير قديم يغذيه المصممون بين الفينة والأخرى بالعودة إليه والغرف منه. فهناك أفلام تركت بصمات واضحة على الموضة، ولا زالت تؤثر عليها لحد الآن، من فينا لا يتذكر أودري هيبورن في فيلم «إفطار في تيفانيز Breakfast at Tiffany"s. في عام 1960، الذي ظهرت فيه بأزياء في غاية الأنوثة الكلاسيكية، لا سيما ذلك الفستان الأسود الناعم مع القبعة الكبيرة التي يتدلى من جانبها إيشارب يتطاير مع الريح؟

ـ ومن منا لا يتذكر أوما ثيرمان في فيلم «بالب فيكشن» بطلاء الأظافر الداكن من شانيل، الذي نفذ من السوق بين ليلة وضحاها، وأصبح لزاما على أي أنيقة تريد الحصول عليها أن تقدم طلبا وتنتظر عدة أسابيع؟ أو مارلين مونرو في فستانها الأبيض المتطاير في فيلم «دي سيفن يير إيتش» أو تايورات الرجالية التي ظهرت بها مارلين ديتريش في معظم أفلامها، أو دايان كيتون في افلام وودي آلن، والتي كانت المؤثر المباشر لعودة هذه الموضة في عروض كارل لاغرفيلد وغيره من المصممين في الموسم الحالي والقادم. هذه العلاقة المتداخلة بين عالم الموضة والأزياء، بدأت منذ الأربعينات بين السيد هيبار جيفانشي وأودري هيبورن، والسيد كريستيان ديور وغرايس كيلي، لكن أواصرها زادت في الآونة الأخيرة، وإن كان مُحركها ماديا في أغلب الأحيان، أكثر مما هو شخصي أو فني. فبينما كان المصمم جيفانشي صديقا حميما لأودري هيبورن، والمسؤول عن أزياء معظم أفلامها، من «سابرينا» إلى «شيراد» مرورا بـ«فاني فايس»، فإن مصممي هذه الأيام أكثر اهتماما بإهداء أزيائهم في المناسبات الكبيرة فقط بهدف الترويج لها بسرعة، ومن ثم توسيع رقعة سوقهم، رغم إدراكهم أهمية تصميم أزياء الأفلام، فجيورجيو أرماني حقق نجاحا كبيرا وشعبية أكبر عندما صمم أزياء ريتشارد غير في فيلم «أميركان جيغولو» America Gigolo لكن إلى أن ينجح مصممو هذه الأيام في إعطائنا أزياء مبتكرة، أنيقة، وعملية بالمعنى الجديد وغير المسبوق، دعونا نستمتع بجماليات أزياء الزمن الذهبي.