التبذير يفسر بالكرم والتدبير يرونه بخلا

تخطيط ميزانية الأسرة غائب في العالم العربي

TT

عرضت إحدى المنظمات التابعة للأمم المتحدة فيلما وثائقيا تبين من خلاله أن معظم الأسر في العالم الثالث لا تهتم بالتخطيط لميزانيتها، سواء بشكل يومي أو شهري أو حتى سنوي، عكس الأسر الأوروبية التي تحرص على وضع ميزانية لنفقاتها الأسبوعية والشهرية لا تتجاوزها مهما كانت الظروف. الناشطة في العمل الاجتماعي د. ثريا الحسيني، تعلق على هدا الموضوع بأن «مستوى الدخل والمعيشة مختلف بشكل كبير بيننا وبين الأسر الأوروبية عموما، كما أن تقاليدنا وعاداتنا لا تشجع على الالتزام يهدا الأمر، فالمناسبات الاجتماعية عندنا تذهب بجزء كبير من الدخل والميزانية أساسا، حتى لو كانت الزوجة عاملة وتساهم في الإنفاق، عدا أن الزوجة لا تتصرف في أي شيء من دون إذن أو مشورة الزوج، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. لهذا أرى أن من الصعب قيام الزوجة بتنظيم ميزانية الأسرة في بلادنا إلا إذا كان هناك اتفاق بين الزوجين وبرضا الزوج، خصوصا أن المرأة عموما أكثر حرصا من الرجل على تأمين مستقبل الأسرة، وباستثناء بعض الحالات فإن الرجل يميل إلى الإنفاق بدون حساب».

ويعلق الأخصائي الاجتماعي د. حامد العمري، بأن وضع ميزانية للأسرة ليس مقتصرا على شعوب بعينها، وإن كانت الظروف الحياتية هي التي تفرض الالتزام بهذا الأمر أو ذاك. وأشار إلى أن طبيعة التكوين النفسي لكل فرد هي التي قد تدفع أحد ما إلى الإسراف والتبدير بدون حساب وآخر إلى الحرص والتخطيط. لكنه لا ينفي وجود جانب مهم في هذا المجال، وهو مستوى الثقافة العامة والتعليم، إذ يرى أنه كلما ارتفع مستوى الثقافة لدى الناس أحسنوا إدارة حياتهم والتخطيط لمستقبلهم، ويضرب مثلا على ذلك من خلال تباهي الأسر الفقيرة بكثرة أبنائها، بينما يحرص معظم من هم أكثر تعليما على تحديد الإنجاب بالرغم من أن دخولهم جيدة.

ومع أنه يؤيد فكرة وضع ميزانية للأسرة، إلا أنه يرى أن من الصعب تحقيق ذلك ما دامت العادات والتقاليد عندنا تعتبر الإسراف والبدخ كرما وعنوانا على الوجاهة، وما دام المجتمع ينظر إلى الإنسان الواقعي الذي ينفق بقدر ما يملك بانتقاد واتهام بالبخل. ومثال ذلك، كما يقول، ما ننفقه على حفلات الزواج وغيرها من المناسبات الاجتماعية. وتقول الدكتوره سهام العلمي (أخصائية أطفال)، إنها تلتزم فعلا بعمل ميزانية شهرية لنفقات أسرتها المكونة من ثلاثة أطفال، ربما لأنها قضت فترة دراستها في الخارج وتأثرت بالعادات الأوروبية، إضافة إلى انتباهها إلى نفقاتها خوفا من مواجهة أي أزمة وهي وحيدة في الغربة. لكنها تشير أيضا إلى توافق بينها وبين زوجها، رجل الأعمال، الذي رحب منذ بداية اقترانهما بالفكرة على اعتبار أن أعماله لا تتيح له التفرغ لمتابعة كافة شؤون الأسرة. وأكدت أنها وزوجها ملتزمان بالخطة الشهرية لميزانية الأسرة بالرغم من أن وضعهما المالي جيد ويسمح لهما بالإنفاق بدون حساب. وتضيف الدكتورة سهام، انها تخطط أيضا لمستقبل أبنائها منذ الآن بالرغم من أن أكبرهم في التاسعة من عمره، فهي تدخر لكل منهم مبلغا شهريا في حساب توفير. أما ما يزيد من المبالغ المخصصة للميزانية الشهرية فيخصص لرحلة سنوية تقضيها الأسرة في الخارج. أما عن الواجبات الاجتماعية وما تتطلبه من ميزانية كبيرة، فتقول إنها حريصة على القيام بالواجبات، ولكنها تضع بندا خاصا لهذا الموضوع لا تحيد عنه يعتمد على تخصيص مبلغ شهري للأمور الطارئة. وعلى عكسها تماما، لا يرى المهندس محمد علي النادي، الذي قضى معظم سنوات شبابه في الخارج، ضرورة لقيام الأسر بالتقيد بميزانية معينة، لأن دخل الشريحة الأكبر في العالم العربي لا يستدعي وضع ميزانية، حسب رأيه.