ترويض أفريقيا.. ألوان ونقوشات متوحشة بلمسات غربية

TT

لو عدنا إلى أرشيف معظم، إن لم نقل كل، دور الأزياء، لوجدنا أن الشرق الأقصى، خاصة الهند، له نصيب الأسد من حيث التأثير على اتجاهات الموضة، أو على الأقل ألوانها وخطوطها. فالمصممون منذ البداية انبهروا بتاريخها العريق وما تمثله من سحر شرقي غامض، الأمر الذي يفسر عودتهم إليها مرارا لاستقاء افكارهم. وطبعا في طريقهم إلى الهند يعرجون أحيانا على الصين واليابان أو روسيا القيصرية ومصر القديمة. بل ونلاحظ أيضا انهم أحيانا عندما ينتابهم الملل ويريدون بعض التغيير، يوجهون أنظارهم إلى أقاصي سيبيريا شتاء، وجنوب أمريكا صيفا بحثا عن أي جديد يغذون به خزانة المرأة العصرية. اللافت أن افريقيا هي الوجهة الوحيدة التي ظلت متجاهلة طويلا من قبلهم. فرغم أنها شكلت نقطة جذب للغرب لأغراض لا علاقة لها بالموضة، باستثناء شمالها، وبالذات المغرب الذي دغدغ خيال الكثير من المبدعين لما يجمعه من عراقة وحداثة معطرة بروح الشرق ونكهته، إضافة إلى جغرافيته القريبة من أوروبا، إلا أن جنوبها بقي في الظل، فيما عدا محاولة هوليوود أن تدلي بدلوها في هذا المجال، أي الموضة، وإن بشكل ضيق اقتصر عموما على أزياء السافاري (تتكون من بنطلون قصير بلون البيج أو الأخضر الزيتوني مع جاكيت بجيوب بحزام عند الخصر). إلى جانب دور هوليوود، هناك أيضا تأثير المغني الراحل بوب مارلي على الموضة الأوربية والأمريكية، فيما يتعلق بموضة الشعر (الراستا) هذا عدا الإيقاعات الموسيقية الصاخبة بطبولها الراقصة. ربما يكون المصمم إيف سان لوران اول من أغرته القارة الافريقية بزيارتها واستكشافها، وهو ما ترجمه من خلال تشكيلة قدمها عام 1967، واستعان فيها بعارضات أزياء سمراوات، الأمر الذي كان بمثابة ثورة في عالم الموضة آنذاك، لأن المصممين قبله، وأيضا بعده مثل روبيرتو كافالي وفيندي وفيرساتشي، ظلوا طويلا سجناء للإطار الضيق الذي وضعوا فيه هذه القارة، وبالتالي ظلت تعني لهم فقط جلد التماسيح والثعابين أو الأزياء المنقوشة بجلد الحيوانات. بمعايير اليوم فإن بداية إيف سان لوران كانت جد خجولة، أو مجرد جس نبض، لأنه لم يتعمق فيما يمكن ان تمنحه له من أفكار وإمكانيات، ولم يعطها حقها من تفكيره وخياله، وركز في المقابل على جانب التطريز بحيث جاءت فساتينه مطرزة عند الخصر والصدر بالعقيق والأحجار الإفريقية التقليدية مثل الصدف والعاج وغيرها، وهو ما وصفته مجلة «هاربرز بازار» آنذاك بأنه «فنتازيا وليدة عبقرية بدائية». كل هذا تغير هذا الموسم، والفضل يعود إلى الانفتاح الثقافي والعولمة من جهة، وإلى شح افكار المصممين من جهة أخرى بعد أن استنزفوا الشرق والغرب، ومن تم اصبح لزاما عليهم أن يحولوا انظارهم إلى وجهات جديدة. لكن الجميل أن المصممين الشباب نجحوا في ترويض «وحشيتها» بإدخال نغمات عصرية جديدة. إذ اقتصر الصخب فيها على الألوان والنقوشات، بينما جاءت التصاميم والأقمشة ناعمة فيها الكثير من المرح. فالجيل الجديد عرف كيف يستفيد من تطور الأنسجة، ومن قدرته على معرفة السوق، لذلك نجحوا في تقديم إيحاءاتها بأسلوب عصري وحديث بدأته ميوتشا برادا بقبعات يزينها الريش وأخرى تبدو من بعيد وكأنها ضفائر على الطريقة «الراستاوية» فيها الكثير من وشقاوة الشباب، إلى جانب تنورات مزينة بنقوش تمثل الطاووس بكل جماله وعنفوانه وطبعا ألوانه. وتواصلت العروض هذه السنة، مما لا يترك مجالا للشك بأن مصمميها شدوا الرحال إلى دفء هذه القارة السمراء، سواء إلى الأدغال أو إلى صحراء ماساي مارا، بينما اتضح ان البعض منهم ربما يكون مجرد متابع جيد لألعاب القوى، إذ كانت ألوان العلم الإثيوبي (الأحمر، الأخضر والأصفر) حاضرة بقوة. ولم يقتصر الإقبال على فئة معينة من المصممين، فحتى دار فيندي العريقة أقبلت على هذه الموجة بشهية وطرحت فساتين للمساء وقطع للنهار وحتى حقائب بموتيفات تمثل إما كائنات افريقيا الحية او طبيعتها المتوهجة أو فروها المترف، وكذلك الأمر بالنسبة للمصممة دايان فون فونتسبرغ، إيترو، ماكسمارا، كنزو وزاك بوسن. لكن كعادتهم، تفوق الفرنسيون في التعامل مع العالم الثالث، بينما بدا الأمريكيون متخوفين بعض الشيء من رموزها، واقتصروا على الأزياء من دون تفاصيل، من شعر واكسسوارات، عكس المصمم بول غوتييه، الذي لم يترك جزءا من هذه الأمور لم يستغله أحسن استغلال. فقد أطلق على عرضه لموسمي الربيع والصيف عنوان «أفرو ـ ديسياك»، وهو عرض حمل كل بصماته، فقد جاء في غاية «الوحشية»، لكن بلمسات باريسية واضحة جعلت كل القطع مرغوب فيها. حتى ماكياج عارضاته، وتسريحات شعرهن المبالغ فيها، والأكسسوارات، بدءا من الأساور الضخمة، والقلادات والعقود المتدلية بأحجار وعقيق في صورة شبه بدائية وألوان متضاربة، وإيشاربات تلف حول الرأس، كل شيء تميز بالدفء والجرأة التي تحتفل بافريقيا بكل جمالياتها، مما أكد عبقرية هذا المصمم. فهو لم يتخوف من إيحاءاتها، كما لم تقتصر رؤيته على النظرة الامبريالية القديمة ورموزها، التي غلب عليها أسلوب السافاري كما رأيناه في أفلام كلاسيكية مثل «موغامبو»، الذي مثلت فيه كل من إيفا غادرنر وغرايس كيلي، بل جاءت بمثابة رد اعتبار لثقافة قارة تجاهلتها الموضة طويلة.

* كيف تلبسينه:

ـ لا شك ان النقوشات الكبيرة والمتضاربة تخيف الكثيرات منا، لأن أقل خطأ فيها قد يعطي نتيجة عكسية. الأفضل تكسيرها بقطع أخرى بلون أحادي، مثلا إذا كان القميص يعج بالألوان والنقوشات، فالتنورة أو البنطلون تكون بلون واحد من ألوان القميص أو العكس. ـ إذا كنت شابة وجريئة يمكن استعمال أحجام مختلفة من هذه النقوشات وطبقات متعددة من القطع للحصول على مظهر عارضات دار «مارني».

ـ الاكسسوارات أساسية لإتقان هذا المظهر، على أن تكون بحجم ضخم، مثل الأساور الخشبية الملونة، أو القلادات المتدلية والمصنوعة باليد.

* يجب على الممتلئات تجنب الأزياء ذات الأقمشة المطبوعة ـ خطأ: فما يجعل الزي مناسبا أم لا هو لمستك الخاصة في ارتدائه. أما نصيحة الخبراء دائما فهي تجنب المبالغة وتحقيق الموازنة بعدم الإقبال على الكاروهات الكبيرة جدا أو الورود الصغيرة جدا، واعتماد الرسومات المتوسطة الحجم التي تلفت الانتباه لجمالها وليس لحجمها. كما أن الملابس المقلمة بالطول (المستلهمة من الحمار الوحشي مثلا) مناسبة للقصيرات لأنها تعطي الانطباع بالطول، وللسمينات لأنها تعطي الانطباع بالنحافة. القاعدة الذهبية هي تجنب القلادات الضخمة والكثيرة إذا كان صدرك كبيرا لأنها تسلط الضوء على حجمه أكثر.