الأحداث اللبنانية تنعكس على المستوى الدراسي

اهتمام التلاميذ بالسياسيين فاق اهتمامهم بالفنانين

TT

هل يمكن ان نعزل الاولاد عن الاحداث التي تشهدها بيئتهم، سواء في البيت أو خارجه؟

سؤال اصبح أكثر إلحاحا في المدة الأخيرة، ويمتد إلى الجانب التربوي، وهو الجانب الذي غالبا ما يهمله الكبار، عندما يتعاركون أو يتشاجرون على مرأى من أطفالهم. بالنسبة للتأثيرات الخارجية، فلم يعد بالإمكان إبعادهم عنها أو محاولة تجنيبهم تأثيراتها، لأن وسائل الاعلام باتت في متناول اليد. من هنا يشهد القطاع التربوي في لبنان مظاهر متناقضة، يعتبرها البعض عابرة، فيما يؤكد البعض الآخر انها ستترك بصمتها على العام الدراسي الحالي في لبنان. ومعلوم ان المدارس هي مرآة للنسيج الطائفي المتغلغل في البنية الاجتماعية اللبنانية، والتي تجعل منها منبرا للمؤسسات والجمعيات الطائفية التي تديرها، باستثناء قلة علمانية تضم طلابا من مشارب مختلفة وتؤمن مساحة حقيقية للتلاقي بينهم.

ويمكن للمراقبين التربويين ان يلاحظوا كيف أرخت الأحداث الأخيرة بلبنان بظلالها على الروزنامة الدراسية إلى حد ان هناك مخاوف جدية من قبل مديري المدارس ومعلموها على مستقبل العام الدراسي الجاري، في ظل ازدياد الاجازات الدراسية القسرية الناتجة عن الوضع الامني غير المستقر والمظاهرات التي تفرض اقفال المؤسسات التعليمية الرسمية والخاصة على حد سواء، وتزايد الاشتباكات بين التلاميذ الذين تختلف رؤيتهم «السياسية».

ويبدو معلمو المدارس اليوم مذهولين لتراجع مستوى التلاميذ المشتتين بين سيل الاخبار السياسية الجارف الذي يجعلهم متابعين عن كثب للتطورات الراهنة على حساب فروضهم وواجباتهم المدرسية.

بل الأدهى من هذا أن أساتذة المراحل المتوسطة والثانوية لمسوا فقدان تلامذتهم الحماسة وحس المشاركة والتنافس أثناء الحصص الدراسية، مما يحول العملية التعليمية الى تلقينية بحتة تفتقر إلى الدعائم الرئيسية للمناهج التربوية التفاعلية الحديثة، كما لمسوا عدم إقبالهم على المسابقات المدرسية وغيرها من النشاطات التي كان يقبل عليها بحماس من قبل. من جانب آخر تدور «حرب صامتة» في أرجاء مدارس لبنان وقودها الشارات والشعارات التي «يتخندق» خلفها التلاميذ والطلبة ويعبرون من خلالها على موالاتهم أو معارضتهم لسياسة ما. وهو ما بدأ يقلق ادارات بعض المدارس خصوصا في صفوف طلبة المراحل الثانوية.

هذه الشعارات المتدرجة من الازرق (شعار الحقيقة في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه) الى الاحمر والابيض (شعار المعارضة) والمتمثلة أيضا في صور الرئيس الشهيد رفيق الحريري ومؤخرا في صور رئيس الجمهورية اميل لحود، باتت هوية التلاميذ الذين بدلوا عاداتهم وانتقلوا من المتابعة الحثيثة لاخر اصدارات الفنانين، الى ملاحقة التطورات الراهنة وتصريحات السياسيين، الذين يحظى البعض منهم بشعبية «خاصة» في صفوفهم.

ولم يعد غريبا ان تسمع مناقشات تتمحور حول «نجومهم» السياسيين خلال الفسحة المدرسية. ولم يقتصر الأمر على النقاشات، إذ وصل التوتر إلى مظاهرات ومظاهرات مضادة يدعو اليها كل من الفريقين، مما استدعى قرارات ادارية تمنع رفع هذه الشارات وتحظر «الكلام السياسي» داخل حرم المدارس.

وتتحدث احدى الناظرات عن منحى تصعيدي جسدته هذه الظاهرة التي بلغت ذروتها مع تجاوز «المناوشات» بين الطلاب الى حدود المواجهة المباشرة، مضيفة «ان هذا الامر سلك في المرحلة المتوسطة مسلكا «غير مدرسي» من خلال لجوء الطلاب الى التشابك فيما بينهم بعد ان أستنزفوا وسائل النقاش». وتلفت الى «ان هذا الحادث استدعى اصدار تعميم من ادارة المدرسة يحظر التعاطي في السياسة داخل الفصل ويمنع وضع شارة من أي نوع خلال الدوام المدرسي».

لكن، هذه الظاهرة التي بدأت بذورها تنمو يمكن احتواؤها والقضاء عليها، حسب قول أحد مديري هذه المدارس بقوله إن «تدارك الامر باكرا وتقويضه من خلال المنع، الذي وان كان قرارا قمعيا الا انه يعيد تعبيد أرضية التلاقي بين الطلاب في هذه المساحات التي نخشى جديا من ان تهدمها هذه الظروف العصيبة.