مهرجان «أسكوت».. قصة بريطانية تجمع بين الكلاسيكية والحداثة

TT

غدا نحن على موعد مع مهرجان «أسكوت»، ولا نحتاج للقول هنا إنه ليس مجرد أيام خاصة بسباق الخيول في بريطانيا، بل ثقافة بحد ذاتها، يترقبها المجتمع بأكمله، بدءا من الطبقة الحاكمة والمخملية إلى الطبقات الأدنى، لأسباب مختلفة طبعا. فالأولى تعتبرها مناسبة اجتماعية تقضي فيها أوقاتا مرحة وتربط فيها علاقات مع غيرها، وطبعا مسرحا لاستعراض أزيائها وقبعاتها الغريبة، والثانية لأخذ جرعة من المرح لكن على حساب ضيوف المناسبة ومظهرهم. أما بالنسبة للإعلام والمجلات النسائية فقد تحولت إلى فرصة لما تقدم لهم من صور رائعة ومادة دسمة، عدا عن المصممين البريطانيين، على وجه الخصوص، الذين قد تمثل لهم ما تمثله حفل توزيع جوائز الأوسكار بالنسبة للمصممين الأوروبيين والأميركيين. لكن الملاحظ أن أزياء «أسكوت» تغيرت، لأن الثقافة الاجتماعية تغيرت، وما كان مرفوضا بالأمس أصبح مقبولا اليوم، لأن الملكة خففت من الكثير من القيود تماشيا مع الظروف. فالقبعة مثلا كانت لا بد أن تكون بتصميم محدد، بحيث يجب أن تغطي وسط الرأس تماما، أما الآن فيمكن الاكتفاء بوضع ريشة واحدة تشبك بمشط صغير، أو ارتداء قبعة من فيليب ترايسي على الجانب فقط، وبعد عدم السماح للمطلقات بدخول المقصورة الملكية، غيرت الملكة هذا العرف بعد أن طلقت أختها الأميرة الراحلة مارغريت عام 1970 .

من الأمور الأخرى التي كانت مفروضة في اليوم الخاص بالسيدات أن يلبسن أزياء تغطي الأكتاف، وعدم ارتداء تايورات مكونة من سروال وجاكيت، الامر الذي أصبحنا نراه كثيرا في السنوات الاخيرة، المهم في هذا العرض المفتوح هو الاستمتاع بأزياء تتزاوج فيها الكلاسيكية في أبهى حلتها مع الحداثة الرومانسية ذات اللمسات المرحة، الأمر الذي قد لا يتاح لها في كل المناسبات. لكن رغم ما قد يبدو من عفوية وشقاوة في هذا اليوم، إلا أنها في الحقيقة غير ذلك، بحيث يتم اختيار هذه الأزياء والإكسسوارات بدقة والتخطيط لها قبل اشهر، حتى تأتي في المستوى المطلوب. لكن تبقى المناسبة بالنسبة للمرأة التي تتوخى الأناقة والكلاسيكية، والحرص على عدم ارتكاب أي هفوة تتعلق بمظهرها في مناسبة تتسلط فيها كل الاضواء على المظهر بالأساس، مثيرة لبعض القلق، لا سيما أنها تعرف مسبقا أن أي هفوة قد ترتكبها قد تنعكس سلبا على كل الفعالية، بدليل أن السنة الماضية كانت سنة «الهفوات» حسب تقديرات المنظمين والإعلام، حيث ارتدت الحاضرات أزياء تكشف وتفضح أكثر مما تخفي. ورغم أن البعض قد يتسامح مع غرابة القبعات وأخطائها لأنها جزء من ثقافة المناسبة، لكن عندما يتعلق الأمر بقلة الذوق في الأزياء، فهذا أمر لا يغتفر لأنه يتناقض مع مفهوم الأناقة العصرية التي تنادي بالكلاسيكية العصرية. المطلوب حاليا ليس تعجيزيا فقد يكون مجرد سروال جينز بسيط منسق يشكل فيه بعض الإبداع مع قطعة أنيقة، سواء كانت قميصا بأكمام أو قميصا من الحرير. وهذا ما يؤكده المصمم جاسبر كونران بقوله إن «أسكوت واحد من هذه المناسبات التي تتزاوج فيها الكلاسيكية والتقاليد مع الأناقة في أوج حالاتها» وما يقصده أزياء عصرية بقصات تحترم التقاليد وكلاسيكية الماضي. ويوافقه الرأي الخبراء لأنها بالنسبة لهم «أشبه بحفل مفتوح للأزياء واستعراض أغرب القبعات، شريطة أن تختلف عن الأزياء الخاصة بحفلة في ناد ليلي». القاعدة الذهبية بالنسبة لمناسبات من هذا النوع هي عدم الاعتماد أو التقيد بموضة معينة، لأن الموضة تبقى موسمية وليست لها علاقة بالرسميات في الكثير من الأحيان، باستثناء الخياطة الراقية. أكبر دليل على هذا أن التنورة الطويلة البوهيمية، وهي موضة الموسم، وكذلك الحذاء ذو الكعب الرفيع العالي غير مناسبين ليوم السيدات، لأن التنورة مناسبة اكثر للصيف وإجازة في منتجع على البحر، ولأن الحذاء غير مريح في الأرض العشبية التي يقام عليها السباق، لذا يمكن ان يقتصر الاقتباس من الموضة على الألوان، سواء كان الازرق بكل درجاته أو الاصفر أو البرتقالي.

بالنسبة للمرأة الحائرة والباحثة عن الأنسب، فإن معظم المصممين البريطانيين، بدءا من بروس أولدفيلد، كاثرين وولكر، وجاين موير إلى أنوشكا هامبيل يعرفون تماما ما معنى أن يجمع الزي الكلاسيكي والحداثة، وغالبا ما يكون لهم أكبر حضور في هذه المناسبة. فهم مضمونون ولا يميلون للاستعراض، كذلك المصمم السوداني الاصل، روبي الروبي، الذي عمل سابقا مع المصمم توماس ستارزيفسكي، وافتتح استديو خاصا به منذ اربع سنوات، وجذب العديد من زبونات المجتمع المخملي والشهيرات المعجبات بتصاميمه. لكن من الخطأ أن نقول ان المصممين البريطانيين وحدهم يفهمون أزياء المناسبات البريطانية، فالكلاسيكية الأنيقة ليس لها وطن محدد، لذلك لا يمكن أن نتجاهل تصاميم دار كريستيان ديور او شانيل أو إيف سان لوران أو جون بول غوتييه وأرماني، بل إن العديد منهم يحب الفروسية إلى حد انه خصص تشكيلات كاملة مستوحاة منها، بدءا من كوكو شانيل التي كانت تحب الخيول بشكل كبير، أو جون بول غوتييه الذي قدم تشكيلته الخاصة لدار هيرمس العام الماضي مستوحاة من سروجها وجلودها. أما للواتي يردن اختصار الوقت والجهد عند اقتناء زي متكامل، فإن دار المصمم جاسبر كونران توفر كل ما تحتاجه من تنورات «بليسيه» من الحرير المذهب، او فساتين بياقات رائعة تظهر جمال الاكتاف، ولا تحتاج سوى لإيشارب حريري خفيف لإضافة لمسة اتزان واناقة عليها، عدا عن قبعات للمصمم فيليب ترايسي وحتى أحذية بأشرطة مبتكرة وكعوب تناسب أرضية السباق.

* معلومات عامة

* تأسست فكرة «أسكوت» عام 1711 على يد الملكة آن، ومنذ ذلك الحين يعتبر هذا الحدث من اهم الأنشطة الاجتماعية والرياضية في مجال سباق الخيول، حيث تحضره شخصيات مهمة فضلا عن افراد الأسرة المالكة البريطانية; وعلى رأسهم الملكة التي تحضره في عربة فخمة تجرها الخيول، وهو التقليد الذي بدأه جورج الخامس عام 1825، وأصبح من أهم الأحداث التي ينتظرها الحضور.

* لا يتغير تاريخه المقرر في منتصف يونيو (حزيران) من كل سنة، بحيث يبدأ كل يوم الثلاثاء وينتهي يوم الجمعة. وإذا كان تغيير التاريخ أمرا غير وارد، فإن تغيير المكان ممكن، بدليل أنه في هذه السنة سيقام في مدينة يورك، شمال بريطانيا، بسبب التصليحات التي تجرى في ويندسور، والتي قد تستغرق عدة أشهر، إن لم نقل عدة سنوات. اللافت أنه رغم توفر يورك على أرضية مناسبة، إلا ان اختيارها كان غريبا بعض الشيء، كونها تقع في شمال بريطانيا، التي تعرف تاريخيا بالمنطقة الصناعية الفقيرة. وقد يكون القصد بالفقر هنا أيضا، عدم وجود طبقة ارستقراطية فيها، وبالتالي لا تتماشى مع مفهوم «الجنتلمان» البريطاني الإقطاعي. فالصناعة في القرنين الثامن والتاسع عشر، وحتى بداية القرن العشرين، كانت حكرا على الطبقات غير الارستقراطية أو ما يعرف حاليا بحديثي النعمة. وهذه الفكرة كانت سائدة في مجموع أوروبا وليس بريطانيا وحدها.

* تحرص الملكة على استقبال الشخصيات المهمة وأخرى يتم انتقاؤها بدقة، حيث تستضيفهم حول مائدة غداء في قصر ويندسور. ومع الوقت أصبح اليوم الخاص بالسيدات، يوم الخميس دائما، أهم يوم من حيث الأناقة. في البداية كان هذا اليوم فرصة لسيدات القصر الملكي والطبقة الارستقراطية للتنفيس، أو التعبير عن أنفسهن، بعيدا عن مستلزمات البروتوكول الذي يتقيدن به طوال السنة، بارتداء أزياء وقبعات غريبة، ومع الوقت أصبح بمثابة عرض أزياء لكل ما هو لافت للانتباه، خاصة ما يتعلق بالقبعات المبتكرة والمجنونة.

* يقال إن تقليد القبعات في «أسكوت» يعود إلى عهد إدوارد السابع والملكة ألكسندرا (1901-1909)، إذ في عهدهما بدأت القبعات تكبر إلى أن وصلت إلى أحجام غير معقولة تزينها الأزهار والريش، وأحيانا أعشاش الطيور، وهو الأمر الذي لازلنا نراه إلى اليوم.

* لدخول المقصورة الملكية الخاصة، يجب التقدم بطلب رسمي لممثلي الملكة في قصر سانت جيمس بدءا من شهر فبراير إلى شهر مايو. ويجب أن يرفق الطلب بتزكية من شخص يكون قد حضر سباق «اسكوت» على الأقل لثماني سنوات، وتكون لديه بطاقة خاصة.