عرض الأزياء عربيا بين ضعف الأجور والنظرة السلبية وحلم العالمية

مهنة لا تصل إلى حد الاحتراف

TT

تذكر مهنة عرض الأزياء، فتتبادر إلى الذهن صور ساحرة، عن حياة كلها مرح وشهرة وهدايا تنهال عليهن من كل حدب وصوب، وسفر إلى أجمل مناطق العالم، والأجور العالية التي يتقاضينها لقاء يوم عمل واحد. فمن منا لا يذكر مقولة العارضة السوبر ليندا إيفانجليستا إنها لا تغادر غرفة نومها للعمل، إذا كان العرض أقل من 10 آلاف دولار؟ هذه هي الصورة الخيالية التي رسمتها أغلبية الفتيات لمهنة عرض الأزياء. أما الحقيقة فهي غير ذلك حسب اعترافاتهن، فليس هناك مجال كبير للعب، وحتى السفر والتنقل يفقد بريقه مع الوقت، ويصبح واجبا وظيفيا مرهقا. وتعاني المبتدئات أكثر، لأنهن يجدن صعوبة كبيرة في إيجاد عمل منتظم، وهذا يعني أنهن يعانين ماديا في غالب الأحيان، ويعشن فترات طويلا على ريجيم غذائي ومادي ونفسي في الوقت ذاته، على أمل الحصول على فرصة تحقق لهن حلم الشهرة، الذي قد لا يتحقق أبدا. إذا كان هذا الأمر في الغرب حيث صناعة الأزياء وصناعة النجوم مزدهرتان، فما هو الحال في بلادنا العربية؟ مهنة عرض الازياء عربيا ما زالت «غضة» وتقتصر على عدد قليل من العواصم، أبرزها بيروت تليها القاهرة ثم المغرب، مع تواجد خفيف في عواصم أخرى مثل تونس ودمشق. ولم تتجذر هذه المهنة حتى الآن أو تكتسب طابعا مهنيا حقيقيا مع غياب ضوابط واضحة، من حيث الشروط والقياسات الواجب توفرها في العارضات أو في التعاملات الرسمية معهن من حيث الأجور والعقود أو وجود نقابة تحمي حقوقهن أو معاهد لتدريبهن. ومع قلة العروض فإن أغلب العارضات غير محترفات وغير متفرغات لمهنة ذات عمر قصير، ولا تكفل لهن دخلا ثابتا او كافيا وسط منافسة أجنبية تختلف حدتها من عاصمة الى أخرى. في مصر أم الدنيا وقبل نحو عشر سنوات، لم يكن يوجد سوى عدد محدود من عارضات الازياء، ربما كانت اشهرهن أمينة شلباية ملكة جمال مصر السابقة، وحاليا توجد 4 وكالات فقط متخصصة في تخريج عارضات الأزياء. كما ان عدد المصممين المعروفين محدود وأشهرهم هاني البحيري والتونسي شوشة ومحمد داغر، ولكنهم لا يزالون يعملون بنظام «المشغل» أو «الورشة»، ولم ينجح أحد منهم حتى الآن في اطلاق تصميمات تحمل اسمه، يتم تصنيعها وتوزيعها في خطوط تجارية عامة. أما في المغرب فرغم أن عروض الأزياء عرفت انتعاشا ملحوظا في السنوات الأخيرة، بسبب الاقبال المتزايد على الأزياء التقليدية، الا ان الطلب ما زال ضعيفا، ومهنة عرض الازياء غير معترف بها وغير منظمة، وهذا ما تشكو منه العارضتان الأبرز في المغرب سناء مبتسم ومرية فضالي، ويؤكده محمد فنيش مصمم الأزياء وأستاذ الخياطة العصرية الراقية بمعهد التكوين المهني في الرباط.

بيروت هي الوحيدة التي استطاع مصمموها كسر حدود المحلية الى العالمية والمشاركة في عروض الأزياء الراقية «هوت كوتور»، لذلك تزدهر فيها نسبيا مهنة عرض الأزياء، خصوصا في ظل كثافة العروض التي تشهدها من موسم الى آخر والتي يقيمها مصممون لبنانيون، وأحياناً من دولة الامارات العربية وسورية والسعودية. لكن العارضات في لبنان حالهن حال بقية زميلاتهن العربيات، ما زلن يفتقرن الى نقابة تعتبر مرجعية رسمية تحمي حقوقهن، وهذا ما تحلم به نتالي فضل الله صاحبة وكالة «ناتاليز» لعرض الأزياء. ولكن هل يأتي ركود مهنة عرض الأزياء عربيا بسبب المنافسة الأجنبية، وتفضيل المصممين العرب العارضات الاوروبيات النحيلات؟ والى أي حد تؤثر هذه المنافسة على لقمة عيش محترفات الاناقة العربيات؟

في مصر ورغم وجود العديد من عارضات الأزياء الأجنبيات، أغلبهن من روسيا، وبعضهن من لبنان، لا توجد هناك منافسة مع العارضات المصريات بقدر ماهو تكامل يعود لأنواع التصميمات المطلوب عرضها وذوق المصمم نفسه، فأمينة شلباية مثلاً تفضل العارضة المصرية على الأجنبية رغم أن العارضات الأوروبيات ارشق من المصريات أو الشرقيات بصفة عامة، فأطوالهن تزيد عن 175 سم ولا يزيد محيط الخصر عن 60، لذلك يجري اختيار المصريات على اساس ان لا يقل الطول عن 170 سم، وان يكون مقاس الصدر والأرداف بين 93 : 96 سم والوسط 66 : 67 سم، ولابد من تناسق الجسم، وليس مهماً أن تكون جميلة، ولكن الجاذبية شرط مهم وأساسي، والمصرية كما ترى شلباية لها مصداقية اكبر فهي تشبه من تتوجه إليهن التصاميم.

أما في المغرب فالعارضة الأجنبية هي المفضلة، وهذا ما يؤكده المصمم محمد فنيش، الذي يعتبر أن تناسق الجسم، الذي تتمتع به الأجنبية يسهل بشكل كبير عملية تصميم اي زي، في حين يتطلب الامر بذل مجهود اضافي لضبط التصميم على العارضة المغربية، وهو الرأي الذي يثير حفيظة عارضات الازياء المغربيات ومنهن سناء مبتسم التي لا تتقبل فكرة الاستعانة بالاجنبيات، خصوصا في عروض الازياء التقليدية، باستثناء اذا كانت «توب موديل»، كما تقول،لأن الزي المغربي برأيها يتطلب «تقنية»، خاصة في العرض لابراز الروعة التي يستحقها، وهذه التقنية لا تتقنها سوى العارضة المغربية المحترفة،لأن الزي جزء من ثقافتها وحضارتها، وهي ليست متحمسة للنحافة المبالغ فيها، معتبرة ان العارضات في أوروبا «يعانين من الجوع، لأنه يمنع عليهن الأكل، وإذا زاد وزن احداهن غرامات معدودة فإنها تفصل من العمل، مضيفة «نحمد الله أن هذه المقاييس لا تتناسب مع طبيعة الازياء المغربية، والعارضة النحيفة جدا غير مطلوبة عندنا». وعلى ما يبدو فإن حظ العارضات اللبنانيات لا يختلف كثيرا، فبعض المصممين لديهم تحفظات بخصوصهن ومنهم عبد محفوظ الذي استغنى تماماً عن التعامل مع اللبنانيات واتجه الى جنسيات أوروبية مختلفة من ايطاليا والدانمارك وألمانيا وغيرها، لأن العارضة اللبنانية في رأيها «غير متفرغة وتفضل الظهور في اعلان أو حفل لأن الأجر أعلى مما تجنيه من مهنتها»، كما ان «أداءها في العمل ليس بالمستوى المطلوب، لأنها غير محترفة فهي لا تلتزم بالوقت مثلا. أما المصمم ربيع كيروز فيجد لدى بعض اللبنانيات مبالغة في استعمال ادوات التجميل والماكياج. الا انه يؤكد من ناحية ثانية «أن هناك كماً من عارضات الازياء اللبنانيات المحترفات، ولكن ما ينقصهن هو التفرغ لعملهن والتركيز على مهنة عرض الازياء بشكل خاص، بدل الانشغال في أعمال اخرى كترويج اعلانات او التمثيل او الغناء وغير ذلك». في حين يرى نضال بشراوي وهو صاحب وكالة لتأمين العارضات ان اللبنانية تملك مواصفات العارضة الاوروبية و«تتساوى معها في كل شيء ان في المقاييس او القامة أو الخبرة وحتى الاحتراف. والدليل على ذلك اعتمادها من قبل مصممين لبنانيين وعالميين، امثال روبير ابي نادر وطوني ورد وعبد محفوظ، وهؤلاء قدموا عروضهم في روما وميلانو وباريس».

* الأجور

* وعلى ذكر الأجور فإن المفاجأة أن العارضات المصريات، يحصلن على أجور أعلى من الأجنبيات في مصر، ورغم أن العادة جرت على عدم الافصاح عن الأرقام الحقيقية، إلا أن اجر العارضة المعروفة مثل سارة شاهين مثلاً هو نحو 500 دولار في الـPhoto Session ـ جلسة التصوير ـ في حين يصل سعر أغلب العارضات الروسيات مثلاً إلى نصف هذا المبلغ.

وليس هذا حال زميلاتهن في المغرب، حيث الاجور زهيدة وتتراوح بين 100 و300 دولار فقط، حسب شهرة العارضة، وهذا يشكل مشكلة للعارضة المتفرغة مثل مريمة الفضلي، التي تعمل في المجال منذ سبع سنوات، فهي ترى ان هناك «استغلالا من طرف الوسطاء، الذين يمنحوننا أجورا زهيدة لا علاقة لها مطلقا بالأجور التي تتقضاها العارضات الاجنبيات»، وأعطت مثالا على ذلك في عرض كبير للقفطان المغربي، اقيم اخيرا بمدينة مراكش، حيث تقاضت الاجنبيات حوالي 2000 دولار عن اليوم، بينما هي وزميلاتها المغربيات حصلن على 600 دولار عن الاسبوع.

أما في بيروت فأجر عارضة الازياء يحدد حسب خبرتها، ومدى احترافها ويتراوح ما بين الـ 500 والـ 5000 دولار، فيما يمكن الاستعانة بعارضات الازياء من الصف الثاني والثالث بأقل من 300 دولار للعرض الواحد. ويتم احياناً كثيرة الاستعانة بعارضات ازياء من خارج لبنان وبالتحديد من اوكرانيا أومن اليونان او ايطاليا حسب الموديلات، ولا يزيد اجر الواحدة منهن عن الـ 500 دولار. وتأتي سيرين عبد النور في مقدمة عارضات الازياء اللبنانيات اذ يصل اجرها الى 1500 دولار، اذا كان العرض خارج لبنان، ولكن بشكل عام يصل اجر العارضة المعروفة الى 600 دولار الامر الذي يجعلها تبحث دائماً عن مدخول آخر يدعمها.

* النظرة

* هناك الكثير من المنغصات التي تجلبها مهنة عرض الازياء، فهناك الكثير من الشائعات والاقاويل التي تحاك حولهن الى جانب النظرة التي تفتقر احيانا الى الاحترام الجدير بأية مهنة، أو تأخر دفع الاجور أو حتى التهرب منها. وتتراوح هذه المعاناة من بلد الى آخر ومن عارضة الى اخرى، فالمغربية سناء مبتسم مثلا تعتبر ان النظرة المسيئة تغيرت بشكل ملحوظ، بفضل وسائل الاعلام وكثرة العروض، وان العارضة مسؤولة سمعتها في مهنتها، كما في أية مهنة أخرى، في حين تخالفها وبشكل كامل زميلتها مريمة الفضلي التي ترى ان المجتمع المغربي مازال ينظر الى العارضة نظرة دونية وغير محترمة، «رغم اننا نعمل في بيئة نظيفة بعيدة عن تعاطي الكوكايين والمخدرات، كما هو حاصل في الغرب». وفي بيروت ايضا يرى البعض بأنها مهنة غير مستحبة، كونها محفوفة بالاغراءات، وتعرض العارضة للكثير من الشائعات والاقاويل، وهذا ما يجعل وجود نقابة تحمي العارضة من التطاول عليها ضروري، برأي نتالي فضل الله.

* عرض الأزياء والفن والجمال

* لكن ليس كل الطريق أمامهن مفروش بالأشواك، فالمهنة تفتح لهن أبواب أخرى، أهمها أبواب عالم الفن وتقديم البرامج. فأمينة شلباية مثلا، اتجهت إلى تقديم برنامج خاص بالجمال والرشاقة على إحدى القنوات الفضائية، وداليا البحيري التي حققت شهرة في السينما المصرية، وكذلك عبير الأنصاري التي ظهرت في الكثير من الأغاني المصورة.

أما في لبنان فعدد كبير من نجمات الغناء والتمثيل حالياً سبق أن عملن في الازياء، ومنهن هيفاء وهبي وسيرين عبد النور التي نجحت في التمثيل وجربت الغناء وابتعدت عن المهنة، مع انها سبق وحملت لقب افضل عارضة ازياء، في حين اتجه عدد لا يستهان به من عارضات الأزياء المعروفات الى مسابقات الجمال، امثال نادين نجيم وماري جوزيه حنين وكريستينا صوايا.