زهور الرايس.. قصة غرام مع القفطان

لأول مرة مغربية تقتحم موسم «الهوت كوتير» الباريسي

TT

الجديد في عروض باريس الأخيرة أنه لأول مرة تشارك مصممة مغربية، هي زهور الرايس، في موسم الخياطة الراقية «الهوت كوتير»، لكن في حين أن هذا الأمر لا يعتبر إنجازا بالنسبة للعديدين، إلا أن الجديد فيه جرأتها واقتحامها دهاليز «الهوت كوتير» بتشكيلة كل ما فيها ينطق بالتراث المغربي التقليدي، بدءا من القفطان إلى الجلابية وغيرهما. بعبارة اخرى، بينما يعرض أغلبية المصممين العرب في باريس وميلانو تحت شعار «لقاء الشرق بالغرب» ارتأت هذه المصممة ان تبقى وفية للزي الذي انطلقت به في بداية الثمانينات وتفننت فيه مع مر السنين وأصبحت عرابته إلى حد ما. أما هي فتفسر هذا الأمر بقولها «ان القفطان المغربي، بكل مشتقاته واكسسواراته، لا ينفع أن يدخل عروض الملابس الجاهزة، فهو أكثر من رائع ويتميز بحرفية عالية لا تليق إلا بموسم «الهوت كوتير». الجميل عند الحديث مع زهور هو حماسها لكل ما يتعلق بتفاصيل الزي المغربي، الى حد انك تشعر بعدوى هذا الحماس تصيبك بعد لحظات قصيرة حتى وإن لم تكن من محبي هذا الزي، ويزيد انبهارك بها عندما تبدأ في الحديث عن الحرفيين المغاربة بصدق شديد وهي تعدد مهاراتهم وبراعاتهم في إتقان الأزياء المغربية «هؤلاء الحرفيون هم وراء نجاحي ويعود لهم الفضل في اعتراف العالم بي كمصممة. فأنا أصمم الازياء لكنهم هم من يبدع تفاصيلها ويخرجها بشكلها الرائع». وتضيف «الهدف من عرضي في باريس ليس تجاريا، بل لأقول ان المغرب موجود وحاضر على خارطة الموضة، ولأبرز عمل هؤلاء الحرفيين، الذين هم في الغالب اناس اميون، لكنهم يتمتعون، بفطرتهم بقدرة عالية على الإبداع».

علاقة الحب التي تربط زهور الرايس مع القفطان ليست وليدة اليوم، فقد بدأت مشوارها في الثمانينات، وأثارت الإعجاب منذ البداية، إلى حد أنها اصبحت قبلة سيدات المجتمع المخملي في المغرب كلما يردن التميز في أي مناسبة كبيرة، لكن على ما يبدو فإن طموح هذه المصممة اكبر بكثير من هذا، وحبها للقفطان اكبر انطلاقا من قناعتها بأنه «يجب ان يكون اساسيا في خزانة أي امرأة عصرية» من دون ان تستثني المرأة الغربية الأنيقة، لأنه لا يقل حرفية من حيث الخياطة وجمالا من حيث التصميم والتطريز عن أي فستان سهرة من إبداع المصممين العالميين أمثال جون غاليانو او كريستيان لاكروا أو جون بول غوتييه وغيرهم. وليس مستبعدا أن تحقق زهور هذا الهدف إذا كان الترمومتر هو نظرات إعجاب الحاضرات، وشهقات بعض الفرنسيات في الصفوف الامامية خلال عرضها الأخير. أما بالنسبة للمغربيات فسيلاحظن بلا شك أنها نجحت في إعطاء القفطان والجلابية وغيرهما من الاكسسوارات التقليدية مثل «البرنوس» (وهو شبه وشاح يلبس فوق القفطان في المناسبات المهمة)، حقها لكنها أيضا واكبت تطورات الموضة. فالجلابية، مثلا، تحولت إلى معاطف عصرية رائعة من الفرو والكاشمير بتصاميم محددة كما تحول القفطان إلى ما يشبه فستان سهرة عمليا في غاية الأنوثة والفخامة، لكنها حرصت أن تبقى الخياطة، بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة، مغربية أصيلة. فهي كما أكدت غيرت في التصميم، لكنها حافظت على التطريزات وعلى عمل الحرفيين التقليديين، لأن عملهم فن قائم بحد ذاته، يجب ان يتوارث من جيل إلى آخر، حسب رأيها، حتى لا يندثر وحتى يحافظ على عراقته واصالته التي تفخر بها اي مغربية من كل طبقات المجتمع من دون استثناء. وإذا كانت الأمهات سيشعرن بالفخر من أن القفطان، بوجهه الجديد، اقتحم باريس، فإن البنات أيضا سيشكرن لزهور أنها راعت احتياجاتهن في تطوير تصميمه. فقد خففت من سمكه، وأصبح اكثر تحديدا بشكل يعانق الجسم ولا يغطيه فقط، كما أن الأكمام صارت اكثر عملية من حيث طولها وعرضها. وهذا بالذات هو عنصر التطوير الذي أدخلته زهور على تشكيلتها الأخيرة. ففي عصرنا الحالي لم يعد غريبا أن نرى المرأة تقبل على عمليات شد البطن وشفط الدهون وممارسة الرياضات بكل أنواعها، للحصول على مظهر نحيف، فلم لا تطبق الفكرة نفسها على الأزياء. فالمرأة العصرية التي تتباهى برشاقتها لا تريد إخفاءها بامتار وامتار من الاقمشة، كما انها اصبحت تبتغي الراحة بقدر ما تريد الأناقة، لذلك ذهبت زهور إلى اكثر من ذلك وقدمت خيارات أخرى أكثر رشاقة للزي المغربي لتخاطب بها المرأة الغربية وأسلوب حياتها. فهذه الأخيرة إذا لم ترقها فكرة زي طويل مكون من طبقتين، يجب ان ترفعه قليلا بيديها حتى تتمكن من المشي (وإن كان هذا جزءا من جماله أيضا، وما علينا إلا ان نسأل أي مغربية لنعرف منها ان هذا جزء من لعبة القفطان حتى يظهر الحذاء الجميل من تحتها) فإنها يمكن ان تختار النسخة العصرية منه والتي يأتي الجزء العلوي منها على شكل قفطان، كما نراه في الاسواق الأوروبية حاليا وفي شواطئ سانت تروبيز وجزر الكاريبي (طبعا مع اختلاف كبير في التقنية والانتباه إلى التفاصيل) بينما جاء الجزء الأسفل منه على شكل تنورات واسعة بأقمشة مترفة، خصوصا وأنها، وللحفاظ على أسلوبها الراقي وحتى يجد القفطان مكانا له في عالم «الهوت كوتير»، تستورد أقمشتها من أكبر مصنع لها في سويسرا «جاكوب شلابفر» الذي يتعامل معه أغلب المصممين العالميين، خاصة الباريسيين، إضافة إلى انه يمكن ارتداؤها مع بنطلون جينز بالنسبة للشابات.