«الحساب» على الطريقة الإنجليزية بين الشباب المصري

طالبت بالمساواة فتورطت بالواجبات

TT

«الراجل ما يعيبوش غير جيبته»، عبارة طالما سمعها ورددها الرجال بفخر وارتياح وخصوصا الميسورين منهم، الا انها لم تعد على ما يبدو شعارا يرفعه الرجل ليطرب به ويستكين اليه خاصة بين نسبة لا بأس بها من الشباب العرب هذه الايام. فهي من جهة، رغم احتفائها المدغدغ بالكرم الرجولي كصفة تغفر عيوبا كثيرة في حال وجدت، باهظة الثمن وتعني ان الرجل ملزم بالدفع والانفاق على اية امرأة في صحبته سواء كانت زوجته او خطيبته او قريبة او صديقة او حتى مجرد زميلة في العمل او الدراسة، ومن جهة أخرى وجدت المرأة العربية التي طالبت طويلا لتتساوى مع الرجل في الحقوق نفسها وقد تورطت في المساواة معه في الواجبات والانفاق ايضا. أيام زمان كان العيب كل العيب أن تدفع المرأة الفاتورة في مقهى او مطعم اذا كانت بصحبة رجل، بل ان مثل هذا السلوك يعتبر إهانة في حقه، ورغم أن بعض الفئات في المجتمع العربي ما زالت متمسكة بهذه المفاهيم التقليدية للياقة، فان الشباب وخاصة المثقفين منهم اتجهوا في السنوات الأخيرة الى التعامل بطريقة «الحساب إنجليزي» اي ان كل شخص يدفع حسابه بنفسه لا فرق بين رجل وامرأة، اليس هذا ما طالبت به النساء؟ ويبدو ان «الحساب انجليزي» اصبح مفهوما متعارفا عليه في المجتمع المصري، وبالذات في اوساط الشباب المثقف. وهذا ما يؤكده عدد من الشباب الذين ادلوا بآرائهم في هذا الخصوص ولذلك اسباب عملية لا يمكن تجاهلها، اهمها الظروف الاقتصادية التي يمر بها الشعب المصري بكل فئاته وخاصة الطبقة المتوسطة التي تتعرض للتآكل كما يقول الخبير الاجتماعي علي فهمي، وهو لا يرى في تشارك فاتورة الحساب أي عيب على الإطلاق سواء كان مع أصدقائه من الرجال، أم ضمن مجموعة مختلطة من الرجال والسيدات، والموضوع موضوع مبدأ متبع سواء كانوا في مطعم راق أو مقهى شعبي، فالنساء من صديقاته كلهن يعملن ولديهن دخلهن الخاص الذي يساوي دخل الرجل او ربما يزيد عنه، فلماذا اذن يبقى الرجل مجبرا على دفع الحساب عنهن؟ ثم من هو القادر في هذه الايام على التكفل بدعوة مجموعة من الأشخاص سوى التجار ورجال الأعمال والسياسيين؟ وفي رأي علي فان مصالح شخصية في اغلب الاحيان تكمن خلف مسارعتهم الى دفع الحساب، أما المثقفون فأغلبهم من اصحاب الدخل المحدود وغير قادرين على تحمل هكذا مصاريف. وهذه التغيرات السلوكية البسيطة تصب في صالح النساء كما يرى جمال عبد الرحمن، وهو مهندس في الثامنة والثلاثين من العمر ويعمل في قطاع المواصلات، اذ يرى انها دلالات على مفاهيم ايجابية بدأت تتغلغل في المجتمع المصري، فنظرة الرجل لنفسه، ونظرته التقليدية للمرأة تغيرت، وكذلك نظرة الفتاة للرجل ولنفسها. ويرجع هذا إلى انتشار التكنولوجيا والفضائيات وسرعة تداول الأفكار والمفاهيم الجديدة كما يقول، طبعا الى جانب السبب الاساسي وهو دخول المرأة معترك العمل وتثبيت اقدامها فيه. ولكن ما هي وجهة نظر النساء في ذلك؟ وهل من السهل ان تتنازل المرأة عن الدلال الذي اعتادت ان تنعم به بالاتكال على جيب او محفظة مرافقها الرجل في كل مكان يذهبان اليه؟ بعض الفتيات رغم المساواة بينهن وبين زملائهن في الوظائف والأجور إلا أنهن ما زلن ينتظرن من الرجل معاملة خاصة، معتبرات بأن الفتاة تهين الرجل اذا دفعت نصيبها الخاص من فاتورة الحساب فما بالك اذا قامت هي بدعوته ودفعت حسابه! وهذا هو رأي وفاء ابراهيم (23 عاما) وهي حاصلة على دبلوم في التجارة وتعمل في احد البنوك، فهي عندما تخرج مع زملائها في العمل تترك للشباب مهمة الدفع سواء في وسائل المواصلات أو في المطاعم والمقاهي وبشكل شبه دائم، ما عدا حالات نادرة حين يكون المبلغ كبيرا حيث يقوم كل شخص بدفع حسابه. وفي حالات اندر تتكفل هي بدفع الحساب عن زملائها الشباب، فالرجل يدفع حسب العرف السائد وهذا جزء من الثقافة الشرقية المرتبطة بالرجولة، وهذا يعجب بعض النساء حتى لو رأين انه غير عادل، خصوصا ان لكل شخص مرتبه الشهري «وهم اصدقاء لا أكثر» كما تقول وفاء، وكل منهم لديه التزاماته. لكن بعض الشابات قبلن راضيات بدفع ثمن المساواة مع الرجل، فاذا كانت المرأة تعمل فهي مسؤولة عن مصاريفها الخاصة ولا يجب ان تعول على الرجل المسكين في الانفاق عليها، وهذا ما تراه ميادة مصطفى (26 عاما) وتعمل في الحقل الاعلامي، فهي مصرة على دفع نصيبها سواء كانت بصحبة صديق أو زميل أو حتى الزوج، فالزوج وان كان ملزما حسب الشرع بالانفاق على المرأة فهو برأيها ملزم بالحدود الضرورية، وعلى المرأة تحمل نفقاتها الترفيهية الزائدة عن الحد الوسطي الطبيعي، وخصوصا مع صعوبة الظروف الاقتصادية، معتبرة أن من تريد الاستقلالية في التفكير والشخصية عليها ان تتحمل تبعات ذلك وتكون مستقلة ماديا.

وكلمة الاستقلالية التي تتردد كثيرا على السنة النساء هذه الايام، اتجاه اصبح منتشرا الى حد كبير في المجتمع المصري وخاصة في طبقة المثقفين وهذا ما تراه د. مديحة الصفتي استاذة علم الاجتماع في الجامعة الأمريكية، وبالتالي فكل شخص عليه تحمل نفقاته الشخصية خصوصا بين «شلة من الأصدقاء» من الجنسين، رغم ان الغالبية لا تزال تعتقد ان الرجولة تقتضي ان تكتفي المرأة باختيار الطلب ويتكفل الرجل بدفع الفاتورة، وهي افكار لا بد ان تتلاشى بمرور الوقت كما ترى الدكتورة الصفتي. فأوضاع المرأة اختلفت كثيرا عما كانت عليه سابقا، ولكن وان كان على المرأة المشاركة في دفع الحساب مع أصدقائها فالمجتمع الشرقي ما زال محتفظا ببعض خصائصه التقليدية، وما زال من الطبيعي ان يقوم الخطيب أو الزوج بدفع الحساب وليس في هذا اية مشكلة على الاطلاق طالما أن الاثنين يتشاركان في الإنفاق على البيت بطريقة أو أخرى.

المشاركة والمساواة والمعنى الجميل للعلاقات بين الرجال والنساء، لكن يبدو ان لا عسل بدون قرصة نحل وان صغيرة، فها هو البساط ينسحب شيئا فشيئا من تحت اقدام السيدات، ودلال الرجل للمرأة «وان في الظاهر فقط»، لم يعد سلوكا مفروضا كما كان ايام زمان، فهل المرأة العربية مستعدة لتحمل القرصات الصغيرة مقابل طعم العسل اللذيذ؟