نهاية موضة المتأنق لحساب الأنيق

عودة الرجل الضال

TT

لا يمكن أن تلوم المرأة إلا نفسها، فهي التي ظلت وراء الرجل حتى يهتم بمظهره وبشكله أكثر، وهي التي قدمته إلى مستحضرات العناية بالجمال بإهدائها له، أو بالإسهاب في تعداد فوائدها على بشرته، وتأثيرها على نفسيته وعلى من حوله، وهي التي أكدت له ان اهتمامه هذا دليل على اهتمامه بها ورغبته في نيل رضاها، ولا يتعارض مع رجولته في عينيها على الإطلاق. وهذا ما طبقه بالحرف الواحد. أين المشكلة إذن؟ المشكلة هي انه استعذب الأمر وأفرط فيه ليتحول إلى شخص ينافسها في مستحضراتها، وفي الوقت الذي يقضيه أمام المرآة، بل إن حديثه ايضا بدأ يتمحور حول أحسن مستحضر وعلى عدد السعرات الحرارية وآخر حميات التخسيس وغيرها، لينقلب الأمر إلى ما يشبه كابوسا لم تكن تتوقعه. فهي كانت تريده أن يبدو أنيقا تفتخر به، وليس طاووسا يفتخر بنفسه، وما علينا إلا النظر الى لاعب الكرة البريطاني، ديفيد بيكهام، الذي جسد فكرة الرجل الأنيق الذي يهتم بمظهره، إلى حد دفع بالبعض إلى ابتداع كلمة تعبر عن امثاله وهي «الميترو سيكشوال Metrosexual، رجل بمعنى الكلمة يتميز بالأناقة والوسامة والأهم من ذلك يفهم المرأة ويحترمها إلى حد لا يرى فيه اي غضاضة من أن يشاركها اهتماماتها البسيطة، بما فيها مرافقتها للسوق والتسوق معها لساعات من دون ملل أو كلل، ومشاركتها كل أمور الحياة بما فيها حمل الأطفال وتغيير الحفاضات، وطبعا مستحضراتها ومصفف شعرها. إلى حد كان هذا هو المطلوب، لكنه تمادى في الأمر إلى حد بدأ يثير الاستفزاز، وحتى صورة ديفيد بيكهام التي كانت تثير الإعجاب في البداية، اهتزت وبدأت تثير بعض الاستنكار أخيراً، لأنه حسب بعض الخبثاء بدأ ينافس زوجته، فيكتوريا، في خطف الأضواء بأناقته المفرطة، سواء من حيث اختياره لازيائه، إلى استعماله للمجوهرات ومستحضرات العناية بالبشرة وغيرها. في كل الحفلات التي حضرها مع زوجته أخيراً كان من الصعب عليها منافسته في خطف الأضواء بخصلات شعره المصبوغ، وبماكياجه الخفيف، ومجوهراته البراقة وأزيائه الرشيقة. فبيكهام الذي كان أكبر تجسيد للرجل الميتروسيكشوال، أمل المرأة في الحب والصداقة، تمادى للأسف في الأمر إلى حد انقلب إلى العكس، وأصبح بالنسبة للعديد من النساء، والرجال على حد سواء، تجسيدا للغرور عوض الثقة، والنرجسية عوض الأناقة، والنعومة عوض الرجولة، وهذا ما لا يمكن ان تقبله أي امرأة. مجلة «مكسيم» الأمريكية عبرت عن هذا التحول بتنديدها بالرجل المتأنق، ومطالبتها بدفنه في العاجل حتى يحافظ على دوره في الحياة، وحتى لا تنفر منه المرأة تماما. وذهبت المجلة إلى أبعد من ذلك، واعتبرت الظاهرة مرضا اجتماعيا أصاب العديد من الرجال ذكرت منهم الممثل ميكي رورك، الذي بدأ حياته كملاكم، وانتهى كرجل مدمن على عمليات التجميل. وأضافت المجلة ان على الرجل أن يعود إلى أصله وأن يعمل على إثارة انتباه المرأة بشراء سيارة رياضية عوض محاولته منافستها بمظهره. إذا كنت توافقين المجلة رأيها، فأنت لست وحيدة، فموضة هذا الرجل المتأنق أصبحت قديمة، ولم تعد مستساغة، وحكمت المرأة بالصوت العالي انها لا تريد هذا الرجل، وتفضل عليه الأنيق الذي لا يقضي وقته في التجميل بقدر ما يقضي وقته في ممارسة هواياته القديمة، مثل الصيد أو الطيران أو ركوب الدراجات والسيارات، بمعنى آخر الرجل الصياد الذي يتمتع بمهارات رجولية قديمة، لكن تطورت مع العصر ومع تطور المرأة واستقلاليتها، ومنها ظهرت تسمية جديدة هي الرجل «الأوبر سيكشوال» Ubersexual، رجل واثق بنفسه، أنيق، قوي لكن من دون غطرسة. الفرق بينه وبين ابن عمه، الميتروسيكشوال (المتأنق) أنه يريد أن يبدو أنيقا ووسيما حتى يحصل على ما يريده في الحياة، سواء في العمل أو في المجال الشخصي لأنه يعرف تماما أن المظهر بدأ يتحكم في الكثير من مناحي الحياة ويؤثر عليها إما سلبا أو إيجابا، بينما الميتروسيكشوال، يريد أن يعبر عن ذاته وعن نفسه من خلال كل وسائل الاناقة والتجميل المتاحة له. قد يستنكر البعض هذه الصورة الجديدة التي بدأت تروق المرأة، ويقول انها قد تعود بنا إلى الرجل الشوفيني الذي حاول جيل الأمهات محاربته والتخلص منه للأبد، لكنها في الحقيقة أبعد من ذلك بكثير، فهي في الوسط بين الرجل المتأنق والرجل الشوفيني، وما علينا إلا أن نضع نصب أعيننا صور بعض الرجال الذين يعكسون هذه الصورة، أي صورة «الأوبر سيكشوال» الرجولية العصرية، ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر النجوم براد بيت، جورج كلوني ومات دايمون، والرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون. فرغم نجوميتهم، يتصرفون كرجال عاديين في حياتهم اليومية، ويبدون نفس الاهتمامات التي يبديها أي رجل عادي، بدءا من حبهم للمغامرة واقتناء السيارات، بل وحتى أزياءهم ليست فيها مبالغة رغم انها بتوقيع اكبر المصممين العالميين. وعدا المناسبات الكبيرة، قلما نراهم في كامل زينتهم والأهم من ذلك فإنهم يرفضون التعامل مع الماكياج، مثل الماسكارا وكريم الأساس، وحتى إذا كانوا يقومون بمانيكير، فإن الأمر لا يبدو واضحا او مستفزا نظرا لمظهرهم العام و«الخشن». لا شك ان العديد من الشركات سترحب بهذه الصورة الجديدة لأنها تخاطب شريحة اكبر من الرجال. فبينما قد يكون الرجل المتأنق يخاطب فئة محددة وقليلة، إلا ان الرجل «الأوبرسيكشوال» مثل براد بيت وجورج كلوني هو الأغلبية. ومما لا شك فيه ايضا انها ستطرح له عدة مستحضرات تتناسب وصورته الرجولية عوض ان تكتفي بإضفاء نغمات «رجولية» على المستحضرات التي كانت مخصصة للمرأة في المقام الأول، وبالتالي لن يكون غريبا ان نرى في المستقبل القريب طرح شامبوهات خاصة بالصلع أو التخفيف من تساقطه، مثلما يطرحون شامبوهات خاصة بالشعر المصبوغ بالنسبة للمرأة. بعبارة اخرى مستحضرات عملية تقوم بوظيفة معينة تخاطبه خصيصا وليس مستحضرات زينة فقط. فبشرته، مثلا، تختلف عن تركيبة بشرة المرأة، وبالتالي سيحتاج إلى كريم مركز بخلاصات مختلفة حتى يحصل على نفس النتيجة وهكذا.