نساء في العشرين وفي الأربعين يحتفلن بالأمومة

الإنجاب المبكر والمتأخر بين الشد والجذب

TT

في مقابلة اجرتها معها مجلة بريطانية، صرحت مصممة المجوهرات جايد جاغر، أن إنجابها المبكر لبناتها الثلاث، وهي في اوائل العشرين من عمرها، كان احسن ما فعلته طيلة حياتها. فرغم الانتقادات التي واجهتها حينها من الجميع، بما فيهم والدها مغني الروك المعروف ميك جاغر، ورغم انها قضت عدة سنوات تشرف على تربية اطفالها وحرمت نفسها من بعض المتع، فإنها الآن ما زالت في مقتبل العمر، بل في عز الشباب، وتتمتع باستقلالية كونتها بعد الأمومة، فهي الآن مصممة مجوهرات دار غرار المعروفة، وصورها تتصدر المجلات العالمية، كما ان بناتها كبرن ولم تعد بحاجة للبقاء إلى جانبهن طوال الوقت «عندما أرى صديقاتي وهن امهات بعد الثلاثين ابتسم، وأتذكر انهن في الوقت الذي كن يسهرن في النوادي، كنت انا في المقابل، اقوم بتغيير حفاضات صغيراتي، وليس لدي الوقت لأي شيء آخر سوى السهر على رعايتهن. الآن بمستطاعي ان اتمتع بحياتي كما أريد، بينما صديقاتي متعبات ومرهقات من السهر على اطفالهن، لقد انقلبت الآية، وانا سعيدة جدا اني قمت بكل ذلك في أوائل العشرينات من عمري وليس الآن».

حالة جايد جاغر نادرة في عالم النجمات والشهيرات، اللواتي يفضلن تأجيل الإنجاب، أو تضطرهن الرغبة في تحقيق الذات والشهرة إلى ذلك، وأحيانا كثيرة لا يفكرن في الأمر، أو لا ينتبهن إليه إلا بعد ان يسرقهن الوقت، كما هو الحال بالنسبة للعديد من نجمات هوليوود في عصرها الذهبي، حيث كانت الاستوديوهات تفرض شروطها على النجمات بعدم الإنجاب، أو إخفائه تماما خوفا من تحول الجمهور عنهن وتزعزع صورتهن أمامه، لكن ولحسن الحظ، تغيرت الأوضاع وأصبحت قوة النجمات في قوة الاستوديوهات، إن لم تكن أكثر، وبالتالي اصبحن يفرضن رغباتهن وشروطهن عليها وليس العكس، لذلك ليس غريبا في ظل هذا التحول أن نرى العديد منهن في قمة النجومية يخترن الأمومة خوفا من أن يفوتهن القطار ولا يذقن حلاوتها، ونذكر من هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر، جوليا روبرتس، مادونا، جينا ديفيز، والعارضة ليز هيرلي. وقد يكون البعض منهن نادما على قرار التأجيل، خصوصا في بعض الحالات التي يصبح فيها الحمل صعبا بسبب التقدم في السن أو غيرها من المشاكل التي تستدعي مساعدة طبية، مثل حالة جوليا روبرتس، لكنهن ايضا قد يكن سعيدات بهذا التأجيل، فهن الآن أكثر ثقة بالنفس، ويعرفن تماما ما يردنه من الحياة، كما أن تركيزهن يكون على الأمومة في أسمى اشكالها، يتذوقن لذتها في كل دقيقة وكل ساعة، عوض التذمر من وضعهن، أو الغيرة من زميلاتهن اللواتي لم ينجبن وما زلن يغرفن من متع الحياة لأن وقتهن بيدهن. ولأن كل شيء أميركي ينتشر بسرعة في جميع انحاء العالم، خصوصا إذا صدرته نجمات لامعات، ولأن هذه المسألة إنسانية تمس كل المجتمعات بغض النظر عن تقاليدها واعرافها، لا سيما في ظل تغير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فإن مجتمعاتنا الشرقية ليست بمنأى عنها، وهي ايضا تتجاذب بين الإنجاب المبكر والمتأخر.

«انجبي اولادك على جهلك وربيهم على مهلك».. نصيحة طالما اعتبرتها الأمهات والجدات مهمة في تأسيس العائلة، انطلاقا من تجربتهن الخاصة. فمما لا يخفى على احد، ان نساء مطلع القرن الماضي ومنتصفه ينجبن وهن بالكاد مراهقات، بسبب ارتباطه بسن الزواج التي كانت تتراوح بين الخامسة عشرة والعشرين على أبعد تقدير. أما الفتاة التي تتجاوز العشرين من دون زواج، فكانت تعتبر عانساً تستحق الرثاء، باستثناء قلة من اللواتي كن ينتمين الى بيئة منفتحة. ثم لا ننسى ان المرأة في تلك الأيام لم تكن تخرج للعمل، وبالتالي كانت وظيفتها الاساسية هي الأمومة.

لكن الايام تغيرت، وأصبح سن الزواج يتراوح حاليا بين 25 و30 عاماً، في معدل وسطي، كما بدأت تسجل حالات انجاب لامهات قاربن الاربعين، وبالتالي لم يعد مستغرباً الانجاب المتأخر الناتج عن عدة عوامل، ليست مقتصرة على تأخر سن الزواج، بل تتجاوزه الى مسألة تحديد النسل والتباعد في الولادات.

وقبل التطرق الى الانعكاسات النفسية الاجتماعية للانجاب، مبكراً كان او متأخراً، تجدر الاشارة الى ان معظم الاطباء يؤكدون ان الحمل قبل الثأمنة عشرة وبعد الخامسة والثلاثين يزيد الاخطار الصحية التي تهدد الام والطفل، ويؤدي الى مضاعفات خلال الحمل والولادة، كذلك تسجل احصاءات صادرة عن المنظمات الدولية وفاة اكثر من نصف مليون امرأة سنوياً في مختلف بلدان العالم، ويمكن تلافي معظم هذه الوفيات بالاستفادة من المعلومات المتوفرة عن تخطيط مواعيد الحمل والالتزام بمتابعة طبية قبل الحمل وخلاله وبعده، الامر الذي يسمح بتدارك اي مشكلات قد تهدد صحة الام والجنين ومتابعة المولود في مراحل نموه الاولى. وخطر الانجاب المبكر يحدده الاطباء من سن 12 الى 18 عاماً، وهذا الانجاب غالباً ما يتسبب بوفيات اثناء عملية الوضع، نتيجة نزف حاد، كما ان جسم المرأة في هذه السن قد لا يتحمل حجم الجنين في الاشهر الاخيرة. اما على الصعيد الحياتي، فالانجاب المبكر يرهق المرأة الخارجة بالكاد من طفولتها بتحميلها مسؤولية كبيرة، ذلك انها لم تتلق الاعداد اللازم لتربية الاطفال، ولا تملك الوعي المطلوب للاهتمام بالمولود صحياً، وتنشيءته خلال فترة نموه نفسياً وتربوياً. من هنا يشدد الاختصاصيون التربويون على وجوب اتاحة الوقت الكافي للفتيات، لينضجن قبل ان يصبحن امهات، والافضل في مجتمعات الزواج المبكر تأخير الحمل الاول حتى سن الثأمنة عشرة.

اما الحمل في سن متأخرة فيرفع خطر اصابة الجنين بالاعاقة والتشوهات الخلقية. وفي حين يشير بعض الاختصاصيين التربويين الى ان المرأة بعد الاربعين تفقد صبرها وحماستها لتكريس وقتها لمولود جديد، لا سيما اذا كانت تعمل في مجالات تستنزف طاقتها، يؤكد آخرون، ان المرأة الناضجة هي الانجح في تربية طفلها ومتابعته لانها تكون متسلحة بالوعي والعلم والتجربة، كما ان رغبتها في الإنجاب تكون نابعة منها وليست مفروضة عليها من قبل المجتمع والتقاليد.

وتؤكد ندى، وهي موظفة وام لفتاة في الحادية عشرة وطفل لم يبلغ السنتين، ان احلى انجازاتها هو صغيرها، الذي اعاد اليها شبابها وشعورها بالتجدد من خلال الانجاب، مضيفة انها اخرت مشروع الحمل عندما تزوجت في منتصف ثمانينات القرن الماضي، بسبب الاحوال الأمنية السيئة في لبنان آنذاك، لكن مع استقرار الوضع مطلع التسعينات استعدت لاستقبال مولود آخر، لكن مع اقترابها من الاربعين، خافت ان يفوتها قطار الانجاب، فقررت خوض المغامرة، مع معرفتها المسبقة بأخطارها، لكنها تابعت مراحل حملها بدقة حتى تأكدت من سلامة الحمل والجنين. واليوم لا تستطيع ان تجد الكلمات لوصف فرحها، مبدية رغبتها في مولود جديد ما دامت فرصة العمر سانحة.

نورما، من جهتها، لم تملك خياراً واسعاً فهي لم تدخل قفص الزوجية قبل السابعة والثلاثين، وهي تعشق الاطفال، بعكس زوجها، الارمل والوالد لثلاثة شباب، لذا تعتبر ان اقبالها على الانجاب هو قرار تتحمل مسؤوليته مادياً ومعنوياً بمفردها. واليوم دخلت نورما عامها الواحد والاربعين وتنتظر مولودها بخوف وترقب وفرح. وهي تتحمل انتقادات زوجها بصبر تجد له المبررات، وتعتبر انه لم يتوانَ عن تحقيق حلمها بالامومة، رغم انه حقق حلمه بالابوة حتى الاشباع. وهذا يكفيها ويعوضها عن شعورها بعض الاحيان بإهماله لها وعدم تفهمه لها.

لكن ماذا عن الامهات اللواتي انجبن في سن مبكرة وكبرن مع اولادهن؟، تقول احداهن وهي اليوم على عتبة الخمسين مع اولاد ثلاثة هم رفاق دربها، واحفاد يمنحون ايامها سعادة واعتزازاً «حظي كان كبيراً على رغم الصعاب التي واجهتها لانني انجبت اولادي الثلاثة قبل ان ابلغ الثالثة والعشرين، وظروف الحرب المأساوية زادت صعوبة الاوضاع. كنت اربيهم بالغريزة من دون تخطيط او وعي او تطبيق لمبادىء تربوية، تعلمت بهم ومعهم اذا صح التعبير»، لكنها تستدرك: «رغم سعادتي الحالية رفضت ان تعيش ابنتي تجربتي، لذا الزمتها متابعة تحصيلها الجامعي ودخولها معترك العمل، حتى تنضج وتتخذ قراراتها بوعي واقتناع، وهذا ما حصل. وعندما تزوجت وانجبت لم تتعرض لمعاناة تذكر، فقد عاشت هذه المرحلة في ظروف صحية واجتماعية طبيعية».

تعلق الاختصاصية في علم الاجتماع، سهى هاشم، على تجربة الانجاب المبكر بقولها: «فعلا تحمل الام الصغيرة مسؤولية كبيرة على عاتقها وتعيش اوضاعاً لها سلبياتها، فإذا تدخلت امها او حماتها في تربيتها لاطفالها، فقدت جزءاً اساسياً من دورها، واهتزت ثقتها بنفسها، الامر الذي ينعكس بالتأكيد على حياتها الزوجية وخصوصيتها، لأن هذه الخصوصية تصبح مشاعاً مباحاً يزعج الزوج والاولاد. واذا لم تلق المساعدة، قد تعجز عن التصرف في الظروف الحرجة لافتقادها التجربة»، لكنها تضيف ان «نسبة اللواتي يملكن روح التحدي والقدرة على التعلم والتأقلم، ليست قليلة كما يتبادر الى الاذهان». وعدا الاخطار الصحية الممكن تلافيها في عصرنا هذا، لا تجد هاشم في الانجاب المتأخر اي عائق اجتماعي او نفسي، لان «النساء صرن يملكن الوسائل للاحتفاظ بشبابهن بعد الاربعين، عكس ما كان يحصل ايام زمان، وبالتالي لا يمكن ان نعتبر الام الاربعينية عجوزاً لا يليق بها الانجاب، فنحرمها هذا الحق الطبيعي، متجاهلين ان الاولاد هم زينة الحياة الدنيا، بمعزل عن التقاليد والموروثات الاجتماعية».