الجميل والجريء في أسبوع الموضة بلندن

الحضور الأميركي يضفي عليها بريق هوليوود

TT

لم يكن هناك حديث بين محرري الموضة في قاعة الاستراحة المخصصة للصحافة في المتحف الطبيعي الواقع بساوث كينسنجتون حيث يقام أسبوع الموضة اللندني، سوى أنا وينتور، محررة مجلة فوغ الأميركية وعرابة صناعة الموضة العالمية، التي تنازلت اخيرا وقررت الحضور إلى لندن قبل التوجه إلى ميلانو ثم إلى باريس. حضورها بعد غياب دام اربع سنوات كان بمثابة النسمة التي اعادت الروح لهذا الأسبوع الذي عانى طويلا من تجاهل وسائل الإعلام العالمية له، إلى حد القول بأنه هذه السنة يمر بما يشبه النهضة. فقد تميز بإيقاع مختلف عن السنوات الفارطة وعاد إليه بريقه القديم قبل ان تعصف به قلة الموارد المادية وهجرة العديد من المصممين الموهوبين للعرض في العواصم الأوروبية. ما ساعده هذه السنة أيضا تزأمنه مع حفلات توزيع جوائز البافتا وجوائز «البريت» التي تستقطب أسماء عالمية لامعة وجدت طريقها إلى المقاعد الامامية في العديد من العروض، هذا عدا انها، أي لندن، تعلمت الدرس وأدركت ان عليها ترويض الجانب الإبداعي المجنون وإعطائه طابعا تجاريا على غرار باقي العواصم الأوروربية، التي وإن لم تتوفر على الابتكار بمعناه الجامح، إلا انها تراعي دائما ذوق المرأة الناضجة ورغباتها، فهي أولا وأخيرا القوة الشرائية التي تحرك دم هذه الصناعة. اللافت هذا الأسبوع ان معظم العروض التي قررت أنا وينتور حضورها كانت مكتظة ولم تبدأ في الوقت المقرر لها، رغم ان وينتور كانت حاضرة قبل الوقت في كل منها، لكن على ما يبدو أن وسائل الإعلام الأخرى ما إن تسمع انها ستأتي إلى عرض أي مصمم، حتى يحلو في أعينهم فجأة ويقررون هم ايضا الحضور، الأمر الذي جعل هذه العروض تبدأ متأخرة وتكون مزدحمة. لم ينافس إيقاع ما يحصل داخل قاعات العرض من فضول ومنافسة على جذب الاضواء، سوى الأزياء نفسها التي يمكن ان نلخصها في العملي الأنيق الذي كاد ان يضاهي الخياطة الرفيعة التي عودتنا عليها باريس. معظم العروض تميزت بمزج رائع أو بالأحرى تباين مثير بين الجريء والجميل، فلحسن الحظ تبقى لندن هي لندن، ولم تغير جلدها تماما لأنها لو فعلت ذلك لفقدت الكثير من خصوصيتها وأصبحت نسخة مكررة وباهتة عن باقي العواصم، وهو ما لا يرضاه البريطانيون لأسبوعهم. هذا الاسبوع الذي، وإن لم يحقق النجاح التجاري والإعلامي في السابق، يحسب له على الأقل أنه عاصمة الابتكار ومدرسة لتفريخ المواهب العالمية ونقطة جذب سياحية للشباب من كل أنحاء العالم بأسلوبه المنطلق والفريد، عدا انه نقطة جذب للمشترين والمتصيدين للمواهب الجديدة على حد سواء. «فلندن واحدة من اكثر العواصم المبدعة، بدليل مشاركة عدد كبير من المصممين المعروفين» حسب ما صرحت به هيلاري ريفا إحدى المشرفات على تنظيم الأسبوع، التي تابعت: «اتوقع اسبوعا ديناميكيا وقويا هذا الموسم، نظرا لمشاركة اسماء عالمية جنبا إلى جنب مواهب جديدة محلية وعالمية». وهذا ما كان فعلا. لكن رغم أن اسم لندن ارتبط باسماء براعم جديدة، فهو هذا العام ايضا يشهد مشاركة مصممين كبار امثال السير بول سميث، أماندا وايكلي، بيتي جاكسون، مارغريت هاول، جين ميور، فضلا على عودة مصممين كبار غابوا عنها لسبب أو لآخر مثل المصممة المفضلة للأميرة الراحلة ديانا، كارولين تشارلز بتشكيلة قالت انها تستدعي فترة الخمسينات، لكنها في الحقيقة استحضرت فترة الثمانينات وصورة الأميرة الراحلة، وإن كانت التصاميم اكثر نعومة ومواكبة لتوجهات الموضة الحالية. بدأ الأسبوع بعرض كل من اماندا وايكلي وجوليان ماكدونالد، الذي استقدم فتاة المجتمع الأميركية باريس هيلتون لعرض بعض تصاميمه، الأمر الذي شكل مفاجأة للحضور وألهب اهتمام وسائل الإعلام، خصوصا وانها عرضت قطع الماس تقدر بمليوني جنيه استرليني من تصميم فواز دي غريوزي De Grisogono. ما تجدر الإشارة إليه ان عودة جوليان مكدونالد من فرنسا بعد ان صقل تجربته أولا في دار شانيل ثم في دار جيفنشي، كانت مكسبا للندن، لأنه اضفى عليها بعضا من بريق هوليوود، الذي كانت تفتقده، كما ادخل خامات مترفة مثل الفرو، رغم ما يثيره هذا الأمر من غضب المناهضين لاستعماله وكلفه تغيير ملابسه بعد ان رشه بعضهم بالدقيق الأبيض وهو في طريقه إلى حفل مع ضيفته باريس هيلتون. لكن جوليان مكدونالد برر استعماله للفرو في الموسم الماضي بأنه أمر طبيعي كونه يخاطب المرأة الروسية في المقام الأول وهي لا ترى مانعا في استعماله، بل العكس فهو في بعض المناطق الباردة جدا ضروري ووسيلة للبقاء على قيد الحياة.

* لقطات

* شهد الأسبوع ايضا بداية مصمم القبعات المعروف فيليب ترايسي، كمصمم ازياء من خلال ماركته «أمبرو» التي تتضمن أزياء رياضية، إلى جانب بداية المغني بوي جورج أيضا كمصمم لماركة «بي رود» الموجهة للنساء والرجال على حد سواء.

* كانت لندن وما زالت العاصمة التي ترعى المواهب الجديدة وتبرزها للنور، لكنها ايضا عانت كثيرا من جحود بعضهم من الذين ما إن برز نجمهم حتى هاجروا إلى عواصم اخرى، مثل جون غاليانو، مصمم دار كريستيان ديور، ألكسندر ماكوين، فيفيان ويستوود وستيلا ماكارتني على سبيل المثال لا الحصر. خلافا لباقي عواصم الموضة العالمية، تعودت لندن على إعطاء الفرص للمتخرجين الجدد، والذين ليست لديهم الإمكانات أو لم يتمكنوا من الحصول على دعم مالي كبير من جهة معينة، بعرض تصاميمهم من خلال برنامج الجيل الجديد «دي نيو جينرايشن» الذي أسس في عام 1993 وتدعمه حاليا محلات «توب شوب». ويهدف البرنامج إلى تمويل عروض المتألقين من هؤلاء، مع العلم ان بعض اكبر الأسماء بدأت من هنا نذكر منها على سبيل المثال ألكسندر ماكوين والثنائي كليمنتس ريبيرو. هذا العام اختارت لجنة «برنامج الجيل الجديد»، وهي مكونة من صحافيين وخبراء موضة، 14 اسما من بين 182 مرشحا، وكان اسم غاريث بيو على رأس قائمة المحظوظين نظرا لأسلوبه الذي يتميز بالهندسة والخطوط الدرامية. الاسم الثاني هو ايضا لمتخرجة شابة هي إيمي ماكويليامز. لكن من أكثر العروض إثارة عرض اليوغوزلافية روكساندا إلينشيك، التي تشارك لأول مرة، وإن كانت تصاميمها قد عرفت طريقها إلى شهيرات امثال روزين مورفي والمغنية جاميليا وليبرتي روس.

* شهد هذا العام مشاركة مئات المصممين، لكن تم تسجيل 48 عرضا رسميا فقط، بعضها كان في أماكن حميمة وسط لندن، سواء في «الأوبرا هاوس» بكوفنت غاردن كما هو الحال بالنسبة للمصممة نيكول فارحي، أو في «دي رويال أكاديمي أوف آرتس» كما هو الحال بالنسبة لكارولين تشارلز، بين دي ليسي، أليغرا هيكس وغيرهم. ولأن ليس كل المصممين يحصلون على 20 دقيقة تسلط فيها الأضواء على تشكيلاتهم، فإن حوالي 150 منهم، على الأقل، يحصلون على مساحة في المعرض المخصص لهم ولإبداعاتهم، سواء كانت عبارة عن حقائب، مجوهرات، احذية، ملابس داخلية أو أزياء. في هذا المعرض يمكن للمشترين العالميين التعرف إلى المواهب القادمة والزائرين على توجهات الموضة المستقبلية.

* بول سميث: في موسم غلبت فيه الخياطة الرفيعة والتايورات، كان لا بد ان يستغل هذه النقطة ليقدم تايورات رجالية وقمصان ومعاطف مصممة على مقاس ومقاييس المرأة. وهذا ليس غريبا فهو قد بنى امبراطوريته وشهرته على مهارته في هندسة التايورات للرجل . مجموعته استحضرت صورة النجمة الأميركية الراحلة كاثرين هيبورن. فالبنطلونات جاءت سخية بينما الجاكيتات مهندسة ومدروسة. تركيز بول سميث على الخياطة المتقنة والتايورات جاء على حساب التصاميم الانثوية والناعمة، التي لم تكن بقوة الاولى.

* بول كوستيلو: قدم تشكيلة أنيقة جدا تميزت بتنورات عالية الخصر وبنطلونات مع جاكيتات قصيرة محددة، كما قدم بنطلونات قصيرة فوق الركبة مع جاكيتات مفصلة لإعطائها طابعا رسميا. كما قدم تايورات من التويد ومعاطف بتصاميم عسكرية إلى جانب الصوف. بعد العرض كان لنا لقاء مع بول كوستيلو، الذي قال انه استوحى تشكليته هاته من حقبة الأربعينات، وتحديدا فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، التي تميزت برغبة المرأة في أن تعود إلى الأناقة البسيطة والعملية.

* إيريديم موراليوغلو: مصمم قد لا نعرفه في الوطن العربي، لكنه يبسط جناحيه بثقة على ساحة الموضة العالمية. عمل مع المصممة دايان فون فورتنسبورغ، الأمر الذي أثر على اسلوبه. عرض مجموعة من الفساتين التي تعانق الجسم بنعومة وبنقوشات وألوان هادئة . المؤسف انه لم يستغل كل إمكاناته ربما لأنه حاول استعراض قدرته على الخياطة مما أوقعه في بعض المبالغة، وكان احرى به ان يستغل نقطة قوته والتركيز على كل ما هو ناعم ورومانسي.