إذا كان الأسود قد ارتبط بفترة الثمانينات وبالمصممين اليابانيين، فإن الأبيض على ما يبدو سيكون لون الألفية بلا منازع. فمنذ أن عرض الثنائي فيكتور أند رولف تشكيلتهما البيضاء في عام 2002، انفتحت شهية باقي المصممين عليه أكثر من قبل. وعندما قدم الثنائي دولتسي اند غابانا تشكيلتهما لموسم الصيف المستوحاة من السبعينات ومن أعمال المصورة الفوتوغرافية سارة مون، من خلال تشكيلة مترفة يغلب عليها الدانتيل والحرير الشفاف، عرف خبراء الموضة ان الأبيض سيكون لون هذه السنة من دون منازع. أما عندما أسهب مصمم دار كالفن كلاين، فرانسيسكو كوستا، في استعماله بحجة انه وجد فيه ضالته في رحلة بحثه ومحاولته إبداع مجموعة بسيطة وناعمة تميل إلى الروحانية، تأكد هذا الرأي أكثر. وهكذا سرعان ما تحول الأبيض من لون كان يرمز في الماضي للسلام والبراءة والفرح، وأيضا الحداد في بعض الثقافات، إلى رمز للجمال والجاذبية المطلقة. ففي كل مواسم الموضة، بما فيها الخريف والشتاء، تتوالى التشكيلات ذات التصاميم الرائعة التي تضفي على المرأة الكثير من الأناقة عوض كيلوغرامات زائدة كما كان الاعتقاد سائدا في الماضي. ومما ساعد المصممين على تحقيق هذه المعادلة الصعبة، تطور تقنيات الأقمشة التي اصبحت في غاية الانسيابية والليونة، بعد ان دخلت تكنولوجيا الليزر على الخط حتى في الفرو، الذي اصبح يستعمل في فساتين وتنورات، وهو الأمر الذي لمس وترا حساسا لدى المرأة في كل انحاء العالم. ولا نحتاج إلى القول هنا ان الابيض لقي إقبالا كبيرا من قبل المرأة عموما، والنجمات بالذات في السنوات الاخيرة، بدليل ما نراه خلال مناسبات الأوسكار و«كان» وغيرهما، لأنه يعكس الضوء ويزيدهن بريقا لا يضاهيه إلا بريق الألماس. وهو ما تؤكده ساشا بيريندت، المديرة الفنية لستيلا ماكارتني بقولها إن مجرد ارتداء قميص بسيط بلون ابيض من شأنه ان «يضفي الحيوية والنضارة على الوجه...أعتقد ان ذلك يعود إلى أنه يبرز بياض الأسنان والعيون». وشيئا فشيئا بدأ هذا اللون يتخلص من إيحاءاته القديمة، وعلى رأسها انه يعطي الانطباع بأن المرأة بدينة أكثر مما هي عليه في الواقع عكس الأسود، إلى جانب انه لون سريع الاتساخ ويظهر البقع بشكل فاضح، الأمر الذي جعل الكاتب اوسكار وايلد يقول عنه انه «اللون الذي يتجرأ على النطق باسمه». كل هذه الاسباب تفسر إقبالنا على الأسود وتفضيلنا له في المناسبات الكبيرة، لاننا لا شعوريا نميل إلى كل ما هو مضمون ونخاف من الاحراج.
هذا عدا أن الموضة بفلسفتها الجديدة بأن كل شيء جائز ما دام يعكس الذوق الرفيع والقدرة على خلق مظهر خاص، شجعت على كسر بعض التابوهات القديمة كالقول إن الالوان الغامقة للشتاء والفاتحة للصيف، وبالتالي لم يعد الأبيض حكرا على الربيع او الصيف فقط، بل اصبح ايضا لون الشتاء. فالموضة اصبحت اكثر مرونة وتقدم خيارات أكبر للمرأة، سواء من حيث التصاميم أو الألوان. وبالتالي أصبح بإمكانها أن تستفيد من الأبيض في كل المواسم والفصول، وإن بقي مفضلا في فصل الصيف نظرا لقدرته على امتصاص حرارة الشمس وما يمنحه من إحساس بالانتعاش والبرودة، كما انه يبدو رائعا على بشرة برونزية لوحتها الشمس بأشعتها الذهبية.
غير انه خضع لعملية تجميل ناجحة جدا في الآونة الأخيرة جعلته لون المساء والمناسبات السعيدة، ولا نقصد هنا فستان الزفاف فقط بل أيضا فساتين السهرة. فإذا كان الأسود يضفي علينا جاذبية مغلفة بالغموض، فإن الابيض يضفي علينا جاذبية البريق والتألق. أما لمناسبات النهار والأيام العادية، فإنه برهن انه لون بعدة وجوه ويمكن التلاعب به وعليه بشكل كبير. فهو يتناغم مع معظم الألوان كما يمكن تنسيقه مع أي قطعة. وحسب قول المصممة اليونانية المقيمة في لندن، صوفيا كوكوسالاكي، فإنه لون لا يختفي «وهذا مهم بالنسبة لي» وهذا ما ترجمته من خلال تشكيلة صيفية غلبت عليها الفساتين المستقيمة بتفاصيل مزركشة بتخريمات: «الأبيض يتناسب كثيرا مع التفاصيل، هذا عدا انه رائع ويعكس الكثير من الجاذبية». أما بالنسبة لبعض الخبراء فهو ايضا لون يمنح السكينة لأنه هادئ ومريح للعين، خصوصا انه مرتبط في الأذهان بالروحانية والطهارة، بينما يبقى بالنسبة للبعض الآخر مجرد بديل رائع وهادئ لموجة الألوان الصارخة التي اجتاحت ساحة الموضة في السنوات الأخيرة، وملاذا من اللون الأسود الذي اجتاح موسمي الخريف والشتاء.
أما إذا كان ما زال لديك أدنى تحفظ من هذا اللون أو فقط تتخوفين منه، فإن هذا الموسم والموسم القادم هما فرصتك لتجاوز تحفظاتك ومخاوفك ولو من خلال قميص ابيض، فهو كلاسيكي ويتماشى مع كل شيء، او جاكيت مفصل تلبسينه مع بنطلون جينز أو تنورة مستقيمة. أما إذا كانت لديك نسبة اكبر من الجرأة فعليك بفستان ناعم، وتأكدي انك به ستضمنين أنك لن ترتكبي اي خطأ في حق مظهرك، كون الفستان أيضا موضة الموسمين القادمين، على شرط ان تتجنبي الاقمشة العاكسة للضوء او التي تلمع مثل الساتان، لأنها تبرز كل العيوب. في المقابل اختاري قماشا يمتص الضوء مثل القطن أو الحرير او الشيفون أو الكروشيه. وتجدر هنا الإشارة إلى انه رغم قولنا السابق ان الأبيض يتماشى مع كل القطع والالوان، فإن تنورة بلون ابيض تحتاج إلى بعض الحذر، لأنها تتماشى أكثر مع نفس الدرجة من اللون او مع الألوان الفاتحة إلا في حالات نادرة. أما إذا لم تقتنعي لحد الآن ان الأبيض هو لون الانوثة والجاذبية، فعليك بالاكسسوارات، حذاء، مثلا، أو حقيبة يد. فالاكسسوارات تبقى دائما الوسيلة الأسلم لمظهر مواكب للموضة.
* همسات على الهامش
* على عكس الاعتقاد السائد فإن درجات الابيض متعددة، ففي الهند مثلا تشير الكتب القديمة إلى تقسيمهم له إلى الأبيض الثلجي والأبيض المشابه للون الأسنان والأبيض بلون السحاب. وفي اليابان هناك ما لا يقل عن ست درجات منه تختلف حسب قوة بياضه وايضا الطاقة التي تعكسها كل درجة منه. فبعضها حسب رأيهم، يعطي طاقة ميتة، وبعضها طاقة ديناميكية.
* لتجنب المظهر المغرق في الرومانسية، يمكنك تنسيق فستانك الناعم مع اكسسوارات بتصاميم هندسية كأن يكون الحذاء بأحزمة أو بكعب «الويدج»، أو كأن تكون حقيبة اليد بشكل محدد ولون قوي. وتذكري انك تريدين مظهرا عصريا وليس رومانسيا حالما يأخذك إلى القرن الثأمن عشر.
* الابيض بدرجته الدافئة يناسب كل البشرات، عكس الابيض الثلجي، الذي يناسب شريحة معينة من النساء، مع العلم ان درجة الأبيض قد تتغير إذا تم ارتداؤه لوحده وعندما ينعكس لون البشرة عليه.
* قد يتماشى مع كل الألوان، لكن قد يكون اللون الذهبي الناعم من أكثر الألوان المتناغمة معه، جربي قيمصا ابيض مع تنورة بلون ذهبي أو مع الفضي مثل الزي الذي ظهرت به عارضة إيلي صعب.
* لأن هذا اللون يحتاج إلى عناية خاصة ويتعرض للاوساخ بسرعة، فمن المستحسن ارتداؤه في اماكن ومناسبات معينة، خلال دعوة مثلا لن تحتاجي للقيام بأي مجهود فيها سوى ان تبدي انيقة ومتألقة، وتجنبيه حين تضطرين للمشي طويلا أو عندما تتطلب المناسبة الحركة أو القيام باعمال يدوية.
* بالنسبة للأحذية، من الأفضل تجنب الحذاء العالي جدا، لأن مظهره قد يبدو رخيصا بسهولة. في المقابل اختاريه على شكل صندل مفتوح جدا او على شكل حذاء من دون كعب أو «باليرينا».
> سواء أحببت حقيبة يد بلون ابيض أم لا، فإنها حتما ستطل عليك من كل المحلات والمجلات، فقط طرحها كبار المصممين، بدءا من فيندي وديور وشانيل إلى بالنسياجا وكلوي مرورا بلويفي وسيلين، بأشكال مختلفة وتصاميم متنوعة ستجعلك تغيرين رأيك فيها لا محالة.
* لا داعي للتنسيق بين حقيبة اليد والحذاء، أي ان يكونا معا بالأبيض، إلا إذا كنت تتوخين مظهرا دراميا. لمظهر عصري يمكن الاكتفاء بالأبيض في الحذاء مثلا على أن تكون الحقيبة بلون آخر، أو العكس. كما لا تخافي من استعمال أحذية أو حقائب بألوان داكنة، مثل الاسود أو البني، فهي قد تضفي عليك لمسة شباب.
* لا بأس من إضافة اكسسوارات على شكل اسورة ضخمة أو قلادات كبيرة لمظهر شبابي، كما ظهر في عرض سيلين وإيلي صعب وشانيل وغيرهم للربيع والصيف.