القهوة في لبنان: وسيلة تواصل .. ورغوتها تجلب الحظ

TT

يبدأ غالبية اللبنانيين يومهم بارتشاف فنجان من القهوة الساخنة، على نغمات هادئة تنبعث من الراديو، أو هم يستمعون إلى نشرات الأخبار الصباحية أو يقلبون صفحات الجرائد اليومية. ومهما تنوعت طرق تحضير القهوة، فهي تبقى مفتاحا ليوم جديد، لاسيما وانها بمثابة مسكّن للصداع للبعض ومنشط ليوم حافل بالضغوط العملية للبعض الآخر، ومتعة خاصة لربات البيوت اللواتي يباشرن اجتماعاتهن الصباحية بها. ولا بأس من قراءة سريعة للفنجان من باب التسلية. أما الشباب فنادرا ما يستغنون عن شرب القهوة إلا إذا اختاروا بديلا بنسخة أجنبية من المقاهي التي يرتادونها. فباتوا يطلبون، مثلا، الكابوتشينو أو الموكاتشينو أو الفرابوتشينو (القهوة المثلجة) أو غيرها. والطريقة التي يتبعها اللبنانيون بشكل عام في تحضير القهوة تبدأ بغلي الماء قبل اضافة البن ويفضل عدم تحريك المزيج للمحافظة على نكهته. اما من يرغبون في طعم اكثر حلاوة فيضيفون السكر الى البن وليس بعد سكب القهوة في الفنجان. كما يفضل البعض الحفاظ على الرغوة لانها جالبة الحظ وحين تعلوها فقاعة صغيرة فذلك مؤشر جيد اذ تدل على تلقي صاحبها مبلغا من المال. أما شكل الفنجان وإضافة السكر فيعتبران من أهم الأساليب المعتمدة لتصنيف الفرد ووضعه في خانة المحترفين الذين يحرصون على استخدام الفنجان العربي التقليدي ومن دون أية إضافات للتخفيف من نكهة البن عبر تحلية طعمه، لأن متعة القهوة تكمن في مرورتها كما قال أحد «المحترفين». أما الفنجان «العصري» الذي يقدم مع صحنه، فيستعمل لدى استقبال بعض الضيوف لإضفاء طابع رسمي على الجلسة. الطريف ان حتى طريقة تناولها لها طقوس لا يحيد عنها العديدون ممن يفضلون ارتشافها حين يجتمعون مع الأقارب أو الأصدقاء، وممن يرون ضرورة «حضور» الفنجان في كل المجالس، ليتمكنوا من «اختراق» حاجز الصمت الذي يكبل الكلمات، فتتحول القهوة بذلك «تكتيكا» للتواصل ووسيلة للبوح بـ «الأسرار». ويحضر هذا المشروب في جميع المناسبات العائلية الحزينة والسعيدة على حد سواء، لأن الضيافة مهما تنوعت، لا تكتمل إلا بها، لأنها تضفي طابعا شرقيا يساهم في ترسيخ العادات العربية رغم أن هذا التقليد موروث من الثقافة التركية.

ورغم انها تقدم للترحيب بالضيف فيقال إنها «قهوة الأهلا وسهلا»، إلا ان عبارة «أدعوك إلى فنجان قهوة» باتت مثيرة للريبة أحيانا، لانها تحمل في طياتها معاني أخرى لا علاقة لها بالنيات الحسنة، ذلك أن المخابرات السورية «التي حكمت البلاد» كانت تدعو بعض اللبنانيين إلى فنجان قهوة إذا أرادت اقتياد أحدهم إلى أحد مراكزها «لتسوي أموره».

ويلجأ العديد من التلامذة والطلاب إلى شرب القهوة خصوصا في فترات الإمتحانات، ليتمكنوا من السهر لإستكمال دروسهم، فيعلقون على الفنجان آمالهم ليقيهم من الوقوع في «فخ» النعاس، بينما تكمن المشكلة فيما بعد في عدم قدرتهم على النوم، بعد انهاء الواجبات المترتبة عليهم ذلك انهم غير معتادين على مفعول الكافيين.

على غير الاعتقاد السائد، تتمتع القهوة بفوائد صحية شرط عدم المبالغة في شربها، فبحسب دراسات أجرتها جامعة هارفرد في الولايات المتحدة الأميركية، فإنها تعمل على تخفيف خطر الإصابة بالنوع الثاني من السكري اي النوع الذي لا يعتمد على الأنسولين بشكل اساسي في العلاج. وأوردت الدراسة أن ارتشاف فنجان واحد من القهوة يوميا يخفف من خطورة الإصابة بهذا النوع من السكري بنسبة 13%. وخلصت دراسة أخرى في جامعة هوسترا في نيويورك إلى ان تناول القهوة يزيد من سرعة الكتابة والطباعة ويقلل احتمال الأخطاء عند النساء شرط ألا يتخطين الأربعة فناجين يوميا.

ولاحظ خبراء أن تناول كمية معتدلة من القهوة يوميا ينشط القلب والشرايين. وبما أنها تحتوي على مواد مضادة للأكسدة فهي مفيدة أيضا للكبد وقد تساعد على منع الإصابة بالتليف الكبدي والحصوات التي تتكون في المرارة. وثبت علميا انها قادرة على تخفيف آلام الصداع وأخطار الإصابة بالربو.

في المقابل يؤدي تناول كميات كبيرة من القهوة، أي أكثر من ثلاثة أو أربعة فناجين يوميا إلى زيادة عصبية المرء لأنها تحتوي على الكافيين. كما قد تسبب سرعة في خفقان القلب وارتعاش اليدين. وينصح المصابون بقرحة في المعدة والحوامل، بالإبتعاد عن احتسائها.