عزة فهمي.. مؤسسة مصرية تغازل أسواق بريطانيا بالذهب والشعر

TT

* عجبت منك ومني - يا منية التمني

* أدنيتك مني حتـى - ظننت أنك أني

* وغبت في الوجد حتى - أفنيتني بك عني.

هذه الأبيات التي ألفها الشاعر العراقي الحسين بن منصور الحلاج منذ حوالي ألف سنة، ما هي إلا مثال بسيط عن النقوشات التي تحفرها المصرية عزة فهمي على حليها ومجوهراتها، أو بالأحرى تحفر بها اسمها كواحدة من ابرز مصممات المجوهرات العربية على الساحة المحلية حاليا والعالمية قريبا. ولا يقتصر الأمر على أبيات شعرية تحمل معاني أو رسائل خاصة، بل يشمل ايضا حكما فلسفية قديمة وحديثة وأقوالا شعبية مأثورة، تصبغ على تصاميمها نكهة تعبق بنكهة الشرق الدافئة وبجاذبية الغرب العصرية. والنتيجة دائما هدية لا تتكرر للمرأة التي تريد قطعا فنية تتجاوز الزينة. قطعا تعكس ذوقها وأسلوبها الشخصي وتحمل رسالة حميمة اختارتها بنفسها لأنها تعني لها شيئا معينا، أو تلقتها كهدية من شخص يعرف ذوقها أو يريد إيصال رسالة رقيقة تختصر الكلمات والمشاعر. بعد النجاحات التي حققتها عزة فهمي في مصر ثم منطقة الخليج، كان من الطبيعي ان تفكر في اختراق الأسواق الغربية، وطبعا تبقى لندن الاختيار الأول، كونها عاصمة الابتكار والإبداع بلا منازع، إلى جانب انها عاصمة تغلي بتنوع ثقافي كبير، ولا تفتأ ترحب بالمزيد منه. وحسب قول المصممة فإن بريطانيا بركان فائر بالأفكار والتأثيرات، وتتوفر على أحسن معاهد التصميم «كلما أحضر إلى لندن، أشعر أني آخذ جرعة ثقافية مركزة، فكل ما فيها ينبض، سواء من حيث الموسيقى أو المسارح أو المتاحف المتعددة. وأنا، كمصممة، أعتقد انه مهم بالنسبة لأي فنان ان يسافر ويتعرف على ثقافات اخرى، وحتى «يغسل» عينيه، إن صح التعبير، ويجدد أفكاره».

قد يقول البعض ان مخاطبتها لسوق لندن أو الغرب عموما، مجازفة أو مغامرة، وقد نتفق مع هذا القول لو لم نتعرف على شخصية هذه المصممة، التي قد تتميز بنعومة الأنثى وإحساسها الفني، لكنها أيضا تتميز بإرادة من فولاذ وطموح بلا حدود، بدليل ان تاريخها العملي يؤكد أن كل «مغامراتها» محسوبة بكل المقاييس. صحيح أن مجرد فكرة دخول هذه الأسواق، قد تصيب اي مصمم أجنبي ببعض الرهبة او الخوف، لسبب أساسي وهو أنها تزخر، بل تزدحم، بمصممي الحلي والإكسسوارات من كل صنف ونوع. فلندن تعتبر من اكثر عواصم العالم ترحيبا بالاختلاف، وبالتالي تضم نسبة لا يستهان بها من المبتكرين في هذا المجال، وأغلبيتهم يتمتعون بأسلوب خاص ومتميز، لكن ركوب الصعب ليس جديدا على واحدة مثل عزة فهمي. فقد دخلت منذ اكثر من ثلاثين عاما مجالا لم يكن يدخله سوى الجنس الخشن حينذاك، وتحدت كل الحواجز وأثمرت جهودها، فها هي تنطلق إلى العالمية، وتتحول من تلميذة إلى أستاذة في مجالها تدرب معلميها القدامى على تقنيات الليزر والكومبيوتر، وتعلمهم ان الإبداع ليس صناعة حلي جامدة، بل هو صياغة حلي لها لغة تخاطب العالم. وحسب قولها «حولنا الحرفة إلى صناعة من دون ان نفقد أو نتنازل عن الحرفة، لأنها هي التي تميزنا وتجعلنا ننافس القطع الأجنبية الرئعة.. والشطارة هي أن نلعب على هذه النقطة». وهذا القول يدل على أنها تستمد قوتها من دخول اسواق عالمية من ثقتها بأن أسلوبها ايضا جديد ومتميز، ويستحق ان يدخل غمار المنافسة مهما كانت، بل يفوز أيضا بقطعة كبيرة من النجاح. فهي حلي ومجوهرات لها خصوصية لا يوجد لها مثيل في الأسواق العالمية، وقد نكون في أمس الحاجة إليها حاليا في خضم الأحداث العالمية التي نمر بها كونها تعبر عن الوجه الجميل والمشرق من حضارتنا العربية وثقافتنا الإسلامية بكل عنفوانها وبساطتها. ومما يثلج الصدر انها تقوم بهذه المهمة بذكاء الأنثى المبدعة وتسوقه بجمالية فنية افتقدناها كثيرا في الآونة الأخيرة، وبالتالي يحق لنا ان نفخر بها ونصفق لها، خصوصا أنها نجحت أيضا في المزج بين الشرق والغرب، من خلال الأبيات الشعرية والحكم التي تحفرها على كل قطعة، والتي نجحت ايضا في إخراجها من عباءة التاريخ وغبار المكتبات والنسيان بالنسبة للجيل الصاعد، وبين التصاميم العصرية، التي من شأنها ان تروق لأي امرأة مهما كانت ثقافتها وتوجهاتها، وبغض النظر عن سنوات عمرها وإمكانياتها المادية.

وتقول عزة فهمي ان التأثيرات التي تستقي منها افكارها لا تقتصر على العالم العربي أو الاسلامي، فحتى تجدد تصاميمها كان لا بد ان تتوجه بأنظارها إلى عوالم وحضارات اخرى، لذلك نجد ايضا التأثيرات المغولية والعثمانية والبيزنطية في بعض القطع.

الجدير بالذكر ان بدايتها لم تكن سهلة بقدر ما كانت مثيرة، تماما مثل حليها. فقد دفعها حبها للحلي إلى ترك وظيفتها الحكومية وراتبها المضمون، لتقنع حرفيي خان الخليلي، الذين لم يكونوا يتخيلون يوما دخول امرأة مجالهم، ان تتدرب على أيديهم. وبالفعل استطاعت إقناعهم وأصبحت واحدة منهم، وكانت المرحلة التالية هي صقل الخبرة اليدوية التي اكتسبتها منهم، بالدراسة في لندن. ومع الوقت تفوقت «الصبية» على أساتذتها وأصبحت مؤسسة بحد ذاتها يتمنى دخولها أي فنان يحلم ان يتعلم الحرفة على اصولها. ومما لا شك فيه ان العديد من «المعلمين» لا يزالون يتذكرون تلك الشابة التي دخلت ورشاتهم، وأحدثت شبه ثورة حولت فيها صناعة الحلي والمجوهرات إلى فن محفور برسائل أمل وحب أبدية عندما تتعطل لغة الكلام.