مانولو بلانيك.. الرجل الذي تبحث عنه كل سندريلا

TT

مانولو بلانيك اسمٌ أشهر من نار على علم في أوساط الموضة والأناقة على الأقل، فما أن يذكر أمام أي مصمم حتى يغشاه إحساس عميق بالاحترام، بدءا من إيف سان لوران وإيمانويل اونغارو إلى إسحاق مزراحي وكالفين كلاين مرورا ببيل بلاس وغيرهم ممن تعاونوا معه في فترة من الفترات. أما عندما يذكر امام أي انيقة فهي تشهق وتبدأ في تعداد جماليات إبداعاته، خصوصا ان عشق المرأة للأحذية معروف، فقد يكون من أكثر الاكسسوارات التي لا تستغني عنها وتهوى تجميعها بغض النظر إن كانت ستستعملها أم لا. حب أنيقات العالم لهذا المصمم لا يقتصر على صرفهن مبالغ كبيرة لقاء الحصول على واحد من إبداعاته، خصوصا ان اسعاره تبدأ من 275 جنيها استرلينيا فما فوق، بل إلى إجراء البعض منهن عمليات تجميل لتفصيل اقدامهن، أو بالأحرى تقصير أصابعهن، حتى يتمكن من ارتدائها، الأمر الذي انعش صناعة تجميل هذا الجزء من الجسم في الولايات المتحدة بالذات. لكن قد يصر بعض المتابعين أن الفضل في شهرته العالمية يعود إلى شخصية «كاري برادشو» في السلسلة التلفزيونية «سيكس اند ذي سيتي» التي جسدت دورها الممثلة جيسكا سارة باركر، على أساس أنها هي التي قدمته إلى قطاع أكبر من النساء بعد ان كان مقتصرا على النخبة والعارفين فقط، وهو الأمر الذي يعترف به مانولو ويدين له بالعرفان. ففي حلقة من حلقات السلسلة، مثلا، ذكرت انها لا تملك بيتا خاصا بها وانها ستموت فقيرة، لكنها في المقابل تملك عددا كبيرا من احذية مانولو تقدر بـ 40 ألف دولار، وفي حلقة أخرى، وعندما كانت تسير في أحد الأحياء الفقيرة بنيويورك اعترض طريقها لص، فما كان منها إلا ان صاحت في وجهه: «أرجوك يمكن ان تأخذ حقيبتي إنها فيندي أو خاتمي وساعتي لكن اترك لي مانولو بلانيك» إشارة إلى الحذاء العالي الذي كانت تلبسه في مكان ووقت غير مناسبين على الإطلاق، لكن كل شيء يهون في سبيل الأناقة. وكما صرح السيد مانولو فهو يعترف بجميل شخصية كاري براد شو ويكن كل الاحترام لسارة جيسكا باركر، التي يعتبرها ايقونة موضة، إلا ان ما لا يعرفه البعض انه لم يكن مصمما مغمورا قبل ذلك، فقد نجح في حفر اسمه في عالم الموضة منذ السبعينات حين ظهرت إبداعاته في مجلة «فوغ» الاميركية، المجلة التي كانت وما زال بإمكانها صنع اسم أي مصمم أو العكس، كما دخلت تصميماته المتاحف كتحف فنية لها تاريخ ورؤية تستحق العرض والدراسة.

وقد عاد اسمه إلى الواجهة مرة اخرى هذه الأيام بمناسبة عرض فيلم «ماري أنطوانيت» الذي تلعب بطولته كريستن دانست واخرجته صوفيا كوبولا. ورغم الاستقبال الفاتر للفيلم من قبل النقاد في مهرجان «كان» الأخير، إلا ان خبراء الموضة والمتتبعين لجديدها، كانت أعينهم على ما كانت تنتعله الملكة انطوانيت اكثر من اهتمامهم بأحداث الفيلم ودراميته، لأن مصممها هو بكل بساطة بلانيك، الذي يعلق على مشاركته الإبداعية في الفيلم بكل تواضع انه ما إن تلقى العرض حتى تحمس له كثيرا وترك كل شيء كان ينوي عمله للتفرغ كليا للفيلم، أولا بدراسة صناعة الأحذية في باريس والتصميمات التي كانت سائدة في الفترة التي عاشت فيها ماري انطوانيت، وثانيا بقراءة سيناريو الفيلم للتعرف على المطلوب منه تماما. ولا شك أن تخصصه في دراسة تاريخ وفن النهضة في جامعتي جنيف وباريس في شبابه ساعده كثيرا على فهم المطلوب منه، وجعل من التجربة متعة بحد ذاتها، بالنسبة له. ما لا يعرفه البعض عن بلانيك انه لم يكن يخطر بباله يوما انه سيصبح اشهر مصمم احذية في العالم رغم ميله إلى الرسم. أما بدايته في مجال الموضة فكانت جد متواضعة في لندن، حيث عمل كمشتري قطع جينز، وفي الوقت ذاته كان يمارس هوايته في رسم أفكاره في تصميم الأزياء والاكسسوارات، لاسيما أن فترة اواخر الستينات والسبعينات كانت تغلي بالأفكار والتغيرات الاجتماعية والثقافية، الأمر الذي انعكس على كل مناحي الحياة، بما فيها الموضة. وسرعان ما أثارت رسوماته انتباه المصور العالمي سيسل بيتون، الذي شجعه على التصميم، لكن يعود الفضل في تخصصه في تصميم الأحذية بالذات إلى دايان فريلاند، رئيسة تحرير مجلة «فوغ» في السبعينات، التي قابلته في نيويورك، وبعد ان رأت رسوماته الأولية في مجالي الأزياء والاكسسوارت وجهته إلى التخصص في تصميم الأحذية، وما كان منه إلا ان أطاع أمرها، فقد كانت هي عرابة الموضة وكلمتها مسموعة في أوساط الموضة. ولا شك ان نصيحتها كانت نابعة من نظرتها الثاقبة والسابقة لوقتها، فالسوق كانت متعطشة لتصميمات جديدة ومبتكرة في مجال الأحذية، لأن فترة السبعينات تميزت بأسلوبها المتحرر والوانها الصارخة وتصاميمها القصيرة (الميني) الأمر الذي كان يتطلب اكسسوارات مماثلة في جرأتها، وبالذات الأحذية التي اصبحت جزءا اساسيا من الإطلالة ككل ولا يمكن إخفاؤها بالتنورات الطويلة أو البنطلونات. وبالفعل كانت نصيحتها في محلها، فمنذ أول مجموعة له، ذاق طعم النجاح، ولم يلبث ان افتتح في عام 1973 اول محل له باسم «زاباتا»، وحتى تبقى تصاميمه خاصة جدا ومميزة رفض دائما أن يوسع امبراطوريته ويفتتح محلات كثيرة في كل أنحاء العالم، وبعد مرور أكثر من 35 سنة على دخوله هذا المجال ليس له سوى محل في لندن وآخر في نيويورك، وإن كانت احذيته تباع في كل أنحاء العالم في المحلات الكبيرة، كما رفض دائما ان يبيع اسمه لأي أحد رغم العروض المغرية والكثيرة التي تلقاها مبررا هذا بقوله: «لا اريد ان أصبح تابعا لأي أحد.. لقد تلقيت عروضا كثيرة ومغرية جدا، لكني مرتاح ماديا ولا أحتاج إلى المال.. فبإمكاني ان اشتري زهوري ولدي من ينظف بيتي..». لكن ما إذا كان قد ندم على أي شيء، فهو يقول انه غير معصوم عن الخطأ، فموضة الأحذية هذه الأيام، حسب رأيه، ليست أنيقة، لكنه عندما يتطلع إلى صور بعض تصاميمه القديمة في فترة السبعينات بالذات، فإنه يشعر بمدى قبحها وافتقادها إلى الجمال والأنوثة رغم فنيتها العالية، لكن ربما مكانها الأنسب هو المعارض وليس أقدام الجميلات. لكن شتان بين أحذية «البلاتفورم» الضخمة والغريبة التي جادت بها قريحته في البداية متأثرا بما كان يجري حوله من تغيرات وتحرر انعكس على ثقافة الأزياء، وأسلوبه الحالي كما قدمته شخصية كاري برادشو في سلسلة «سيكس اند ذي سيتي». فهي مثيرة وفي غاية الأنوثة بغض النظر إذا كانت مريحة أم لا، وإن كانت الأنيقات يؤكدن أنها مريحة وخفيفة جدا رغم شكلها الذي قد يوحي بالعكس. المشكلة التي تواجهها البعض منهن ليست كعوبها العالية والتي قد تصل احيانا إلى 11 بوصة، بل إلى كونها ضيقة من الأمام وكأنه صممها ونصب عينيه سندريلا. هذا الأمر لم يقف عائقا أمام طالبات الموضة اللواتي يدركن انه لن يغير اسلوبه من أجلهن، كونه لا يتبع اهواء السوق أو صرعات الموضة، وبالتالي عليهن هن تغيير شكل وطول اصابع اقدامهن إذا أردن ارتداء أحذيته. قد يجد البعض هذا الأمر غريبا بل ومثيرا للحفيظة والضيق، فكيف يرفض ان يصمم على مقاس المرأة العادية أو التي لم تحبها الطبيعة الجينية بأقدام صغيرة أو معتدلة، ويدفعها إلى إجراء عملية تجميل؟ والجواب بكل بساطة انه فنان أولا واخيرا، كما انه لا يفرض على أي واحدة ان تلبس إبداعاته، فهن من يركضن وراءه وهن معذورات في ذلك إذا كان ما صرحت به النجمة مادونا صحيحا بأنها تعتبر ارتداء تصميماته «متعة تفوق أي متعة حسية أخرى، فهي على الأقل تدوم أطول». أما بلانيك فيؤكد، من جهته، ان وصفته السحرية تكمن في فلسفته في الجمع بين العصرية والمرح، بغض النظر عن الخامات المستعملة والمناسبة، أي سواء كانت مصنوعة من الجلد أو الشامواه أو المخمل أو الحرير أو الفرو، وموجهة للربيع والصيف او الخريف والشتاء.