ديمقراطية الموضة

المحلات الكبيرة تتحفنا بأزياء على الموضة وبأسعار زهيدة

TT

من يطلق أحكاما وتعميمات في الوقت الحالي، بان الموضة تقتصر على النخبة او تخاطب طبقة ذوي الإمكانيات العالية فقط، فهو إما غير ملم بما يدور في ساحتها، أو متحامل. فديمقراطيتها اصبحت واضحة للعيان، وجولة سريعة في شوارع الموضة ومحلاتها الكبيرة، توضح أنها اصبحت تنافس كبار المصممين، سواء من حيث التصميمات أو النوعية، وإن كانت لا ترقى إلى مستوى الخياطة الرفيعة «الهوت كوتير».

لكنها تعوض عن هذا الجانب بأزياء تمتلك كل مقومات الأناقة والموضة، وبأسعار جد معقولة، قد لا تصدق أحيانا. فالعديد من هذه المحلات، بدءا من «زارا» و«مانغو» و«اتش آند إم» و«توب شوب» و«أوايزيس» وغيرها، أصبحت تحرص على توظيف مصممين شباب يتتبعون الموضة ويحضرون عروضها أولا بأول، ليس فقط لاستلهام الأفكار ومعرفة ما يدور في دهاليزها، بل لتقليدها وطرحها للعامة بالشكل الذي يرونه على صفحات المجلات، وأحيانا كثيرة قبل ان تغادر بضاعة كبار المصممين خشبات العرض أو تصل إلى المحلات. وطبعا كما هو معروف فكل شيء تحت غطاء الديمقراطية مقبول ومرحب به، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالاناقة والأزياء. ففي هذه الحالة ترى المرأة ان الغاية تبرر الوسيلة. فعندما قدم المصمم العالمي رولان موريه فستانه «غالاكسي»، الذي أحدث ضجة كبيرة في الموسم الماضي، بحيث تصدر صفحات مجلات الموضة، كما اختالت به النجمات والشهيرات امثال فيكتوريا بيكام وديمي مور وأنجلينا جولي وتشارليز ثيرون وغيرهن، لم يكن بإمكان المرأة ذات الإمكانيات البسيطة ان تحلم باقتنائه، فسعره يتعدى الألف جنيه استرليني، لكن محلات «دوروثي بيركينز» البريطانية، لم ترد ان تحرمها من هذا التصميم، فما كان منها إلا ان طرحته في السوق بثمن لا يتعدى الـ30 جنيها استرلينيا. قد يقول البعض ان التقليد غير الأصل وان جودة الأول واضحة، لكن النقطة هي من يفكر في الجودة عندما يكون الثمن زهيدا بهذا الشكل؟ أما إذا كان المأخذ هو أن الأزياء التي تطرحها كبريات المتاجر والمحلات قد تتلف بسرعة، فإن الأمر وإن كان صحيحا، فهو لا يستحق التوقف عنده كثيرا، لأنها حتى لو استعملت مرة واحدة فإن ثمنها فيها، خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار انه اصبح بالإمكان الآن شراء فستان سهرة قد لا يلبس إلا في مناسبة واحدة، ويعطي الانطباع بأنه لمصمم عالمي، بسعر لا يتعدى الـ30 جنيها استرلينيا. ما يجب الانتباه إليه انه، باستثناء بعض القطع الكلاسيكية التي يمكن ان تبقى معنا زمنا طويلا ويمكننا توريثها لأجيال أخرى، مثل معطف من الكشمير أو جاكيت أو فستان اسود ناعم من شانيل أو تايور من كريستيان ديور أو اكسسوارات من برادا أو لوي فيتون، رحى الموضة لا تتوقف وأنها تتغير بسرعة، هذا عدا عن اننا قد نصاب بالملل من بعض الألوان والصرعات، الأمر الذي يجعل بعض القطع الغالية ثقلا ماديا ومعنويا بكل المقاييس. ثقلا ماديا لأنها تكون باهظة الثمن، ومعنويا لأننا نصاب بحالة من التمزق والصراع عندما نواجه الحقيقة ونعترف بأننا لن نلبسها ابدا رغم الثمن الكبير الذي دفعناه لاقتنائها.

هذه الأحاسيس لا تخامرنا ابدا عندما يتعلق الأمر بقطعة نشتريها من المحلات الكبيرة، فنحن نستفيد منها لفترة، طالت أم قصرت، ثم نغيرها بأخرى حسب الموضة، من دون ان يؤثر الامر على ميزانيتنا او نفسيتنا. بعبارة اخرى فبعض هذه المحلات، مثل «أتش آند إم» و«زارا» و«مانغو» و«بريمارك» البريطانية، أصبحت تمثل بالنسبة لنا ما تمثله مطاعم الوجبات السريعة: غنية بالألوان متنوعة النكهات ويمكن التنقل بينها بسرعة، ومن دون أي عقدة ذنب، خصوصا أن الدافع وراء رغبتنا المحمومة في التسوق ليس الحاجة والعملية، بقدر ما هو المتعة التي نستمدها منه. فكم بنطلون جينز أو تي ـ شيرت أو حذاء نحتاج؟ الجواب أننا نريد هذه الأغراض ونحلم بها للتغيير وليس لأننا بحاجة ماسة إليها، وكثيرا ما نستثمر فيها الكثير من الجهد والوقت، كما نعقد عليها أحيانا بعض الآمال، سواء في أن تخرجنا من حالة الاكتئاب او التوتر، أو أن تأخذنا إلى عالم بعيد عن الضغوطات اليومية التي نشعر بها. فعندما نقيس فستانا من القطن أو الكتان أو الشيفون منقوشا بالورود والأزهار، مثلا، فإن الصورة التي تتبادر إلى مخيلتنا هي اننا سنلبسه خلال عطلة ممتعة على الشاطئ، أو ما ماثل من التصورات التي تملؤنا بالسعادة والراحة وتنتشلنا من الروتين. وربما هذه التصورات والآمال هي ما تجعل التسوق متعة وطريقة مثالية للخروج من حالة الكآبة الخفيفة التي نمر بها بين الفينة والأخرى، حتى لو اقتصر الأمر على شراء أحمر شفاه فقط. وهذا ما أصبحت توفره لنا المتاجر الكبيرة بأسعارها الزهيدة، ويفسر انتعاش أسواقها والأرباح السنوية التي تجنيها. فمحلات «زارا» اصبحت لها فروع في العديد من انحاء العالم، وكذلك «مانغو» و«بريمارك» البريطانية، التي بدأت تتوسع عالميا بفتح أول فرع لها في اسبانيا، وطبعا لا يمكن تجاهل الحديث عن محلات «توب شوب»، التي ستفتح فروعا لها في الولايات المتحدة الأميركية بعد النجاح الذي حققته في بريطانيا. فهي من المحلات المفضلة للكثير من النجمات وفتيات المجتمع المخملي، اللواتي لا تخذلهن الإمكانيات، لكنهن يملن إلى موضة التنسيق بين الغالي والرخيص لخلق اسلوب شخصي ومبتكر، ونذكر منهن المغنية كايلي مينوغ على سبيل المثال، لا الحصر، التي تعتبر زبونة مخلصة. فأسلوب ارتداء ازياء تحمل توقيعات مصممين عالميين من الرأس إلى أخمص القدمين قد ولى واصبح موضة قديمة، لا تتبع قواعدها سوى قلة من السيدات الخمسينيات وما فوق. محلات «اتش آند إم» السويدية الأصل ذهبت إلى أبعد من مجرد توظيف مصممين شباب لمنافسة السوق الشعبي والنخبوي على حد سواء، فقد بدأت تقليدا جديدا در عليها ارباحا هائلة في السنوات الأخيرة، تمثل في الاستعانة بمصممين عالميين لطرح تشكيلات محدودة تحمل توقيعاتهم بأسعارها الزهيدة المعهودة. البداية كانت في عام 2004 مع قيصر الموضة، كارل لاغرفيلد، مصمم دار شانيل، الذي رحب بالفكرة، لأنه كما قال يتابع تحركات السوق وتغيراته، وبالتالي يعرف تماما أن الشابة العصرية والمعاصرة تميل إلى مزج بين ما تشتريه من المتاجر الكبيرة وما تشتريه من محلات غالية للحصول على مظهر شخصي، هذا عدا عن ان التجربة كانت بالنسبة لواحد مثله تحديا كبيرا نجح فيه بشرف. صفمجموعته نفذت من السوق في ساعات. وكان واضحا من خلال مراقبة الطوابير التي تجمعت قبل ان تفتح المحلات ابوابها، أن المتسوقات لم يكن فقط من ذوات الإمكانيات المحدودة أو الطالبات والتلميذات، بل ايضا مقتدرات مثلت التجربة لهن متعة وشعورا بنشوة الحصول على قطع متميزة بسعر التراب.

نجاح التجربة شجع على إعادة الكرة في عام 2005 مع المصممة الشابة ستيلا مكارتني، التي نفذت مجموعتها من الأسواق في خلال 40 دقيقة فقط، وكأن من فوت فرصة الحصول على قطعة بتوقيع لاغرفيلد لم يرد ان يفوت فرصة ذهبية اخرى، خصوصا أن التوكسيدو لم يتعد ثمنه الـ99 جنيها استرلينيا مقارنة بأكثر من ألف جنيه ثمن واحد من تشكيلتها الخاصة، كما ان الضجة التي أثيرت حول العارضة كيت موس، التي كان من المتوقع ان تكون الوجه الممثل للتشكيلة، وفضيحة تعاطيها المخدرات فضلا عن مقاطعة بعض دور الأزياء لها حينها، كانت إعلانا مجانيا روج لستيلا مكارتني وتشكيلتها في آن واحد. فكرة المزج بين عبقرية وخبرة مصممين عالميين وأسعار محلات شعبية كانت ضربة معلم من قبل محلات «أتش آند إم» فقد اكتشفت انها بمثابة الدجاجة التي تبيض ذهبا، لذلك لا يمكن ان تتوقف عند هذا الحد، وبعد ان سمعنا عدة شائعات بأن ميوتشا برادا ستكون الثالثة على اللائحة، إلا ان المفاوضات لم تنجح على ما يبدو، لأن محلات «أتش آند إم» وضعت حدا للتكهنات والشائعات بالإعلان ان الثنائي فيكتور آند رولف، هما اللذان قر عليهما الاختيار. الثنائي فكتور آند رولف صرحا بعد الإعلان عن اسميهما ان لتوجههما البعيد كل البعد عما تعودا عليه من خياطة رفيعة «هوت كوتير» عدة اسباب، منها أنه «إذا كانت الخياطة الرفيعة تمثل الموضة في أجمل وأرقى حالاتها، فإن محلات «إتش آند إم» هي الموضة في اكثر حالاتها الديمقراطية.. جذورنا مترسخة في الخياطة الرفيعة، وهذا لا شك فيه، فهي القلب النابض والمحرك لعملنا، لكننا أيضا نحب ان نلعب بالمتناقضات، ونؤمن بان التغيير عنصر اساسي لاسلوبنا». وأضافا: «بالنسبة لنا الموضة مضاد حيوي للواقع، وبالتالي هذه فرصة مثالية لإيصال رؤيتنا وأسلوبنا لشريحة اكبر من الناس». ألم نقل ان الموضة ديمقراطية؟

* قوة شوارع الموضة اصبحت أمرا واقعا بعد توجه العديد من المصممين إلى هذه المحلات الكبيرة بتصميم أزياء تحمل توقيعاتهم، لكن بأسعار مخفضة لمخاطبة النساء اللواتي ليس بمقدورهن شراء قطع غالية، بدءا من ماثيو ويليامسون، مصمم دار بوتشي، إلى غاسبر كونران وبيتي باركلي، بينما يقتصر البعض الآخر على مغازلة هذه السوق بتشكيلة واحدة ومحدودة، مثلما فعل كارل لاغرفيلد وستيلا مكارتني وأخيرا الثنائي فكتور آند رولف.

* لا تقتصر جاذبية المحلات التجارية الكبيرة على المصممين، بل أيضا على بعض النجمات اللواتي لم يتأخرن عن تمثيلها والترويج لها.

فبعد المغنية كيلي مينوغ والعارضات العالميات كلوديا شيفر وصوفي دال وسيندي كروفورد، اللواتي استعانت بهن محلات «اتش آند إم» لعرض أزيائها، هناك شائعات قوية تفيد بأن نجمة البوب الاميركية مادونا تتفاوض على عقد لتقديم عرض أزياء لنفس المحلات، حسبما أشارت إليه صحيفة «إكسبريسن» الصادرة باستوكهولم، رغم تكتم المسؤولين على الخبر حتى لا تفسد المفاجأة.