حتى تأتي الصورة متكاملة.. العريس العربي يتجمل بالقديم والجديد

TT

رغم تغير إيقاع العصر وما نتج عنه من تغيرات ثقافية واجتماعية واقتصادية، إلا ان هناك عادات وتقاليد لا تختفي تماما. صحيح انها قد تتوارى لبعض الوقت بحجة العصرنة، إلا انها سرعان ما تعود نظرا لجمالياتها وما تتضمنه من زخم ثقافي متجذر في الذاكرة ومثير للحنين إلى حياة الأجداد والجدات، بكل بساطتها و«براءتها». وليس أدل على هذا من حفلات الزواج التي لا تختلف من بلد إلى آخر فحسب، بل في أحيان كثيرة من منطقة إلى أخرى، وهذا ما يؤكده هذا التحقيق الذي تم إجراؤه هذه المرة عن العريس العربي ومدى التحضيرات التي يخضع لها. فالعروس تأخذ دائما نصيب الأسد من الاهتمام سواء من خلال التحضيرات التي تسبق ليلة العمر أو بالتدليل، بينما يبقى عالم الرجل محاطا بالخصوصية أو متجاهلا لا نعرف عنه إلا الشيء القليل رغم انه أيضا يتمتع بتدليل لا يستهان به وبطقوس ممتعة كما يفيد هذا التحقيق.

* يوميات العريس السوداني

* ربما تكون حفلات قبل ليلة الزفاف والتي يقيمها أصدقاء العريس وأقاربه في منازلهم، ثم احتفالاته هو بمنزله في «حنة العريس» وما يصحبها من غناء وفرح وحبور ورقص تخفف قليلا من رهق نفقات الزواج بالنسبة للعريس السوداني الذي يقع عليه عبء 95% من تكاليف الزواج. فما أن يتم تحديد موعد الزفاف وقبله بأسبوعين إلا ويبدأ أصدقاؤه بعمل ما يعرف بالقيدومة وهي حفلة تقام بمنزل صديق العريس للاحتفال بزفه الى عشه، ولا يكون فيها غير الطرب والرقص بحضور الفنانين المغنين وتناول الأطعمة. ويقيم «القيدومة» أحيانا أقارب العريس وعماته وخالاته كل في بيته، ثم بعد ذلك يأتي دور العريس ليدعو الأهل والأصدقاء وأقارب العروس «التي يمنع حضورها» الى «حنة العريس» وهو حفل بطقوس خاصة. ففى هذا اليوم يرسل أقارب العروس وجبة إفطار بكميات ضخمة الى منزل العريس ومعها الهدايا والعطور العديدة لأم العريس. وبعد أن ينتهي الحفل ويتناول الجميع العشاء، توضع صينية بها صحن كبير فيه حناء وفوقها تغرس الشموع ثم أطباق مليئة بالعطور المختلفة، ويجلس العريس مرتديا جلابية بيضاء على فراش مغطى باللون الأحمر وتحضر من النساء أكبرهن سنا وغالبا ما تكون الجدة فتغرس يدها في صحن الحناء وتضع جزءا منها على قدم العريس فتنطلق الزغاريد، ومن ثم يتناوبن النساء في وضع الحناء على القدمين، ومن ثم اليدين وبالطبع دون نقش، فقط تسوّد باطن القدمين وباطن الكفين وتضع شريطا من الحناء حول الأصابع على ظاهر اليد، وتدعو النساء أصدقاء العريس بالمشاركة في وضع الحناء أيضا على كفوفهم اليسرى وسط البهجة والزغاريد والغناء و«العديل والزين»، وتصبح الحناء على الكفين رمزا للعريس الجديد يتلقى التهاني من الناس في الشوارع والطرقات والمحال وأينما ذهب!.

تنتهي مراسم يوم «حنة العريس»، ويبدأ حفل الزفاف بعدها بيومين على الأغلب، يرتدي فيه العريس البدلة «الأفرنجية» وعادة ما يميل العرسان الى البدلة السوداء بربطة عنق حمراء ويوضع هلال صغير مذهب على البدلة، وتكحل عينا العريس. وبعد أن ينتهي حفل الزفاف، تبدأ طقوس ما يعرف «بالجرتق»، وهو طقس يشابه الى حد بعيد طقوس الزواج الهندية فتجلس العروس ـ التي تكون قد بدلت فستانا أحمر مع ثوب أحمر بفستان الزفاف الأبيض ـ تجلس على ملاءة حمراء من القطيفة اللامعة التي تصنع بلبنان، أما العريس فتهيئ له أمه أو أخواته أو قريباته أزياءه و«أكسسواراته» فيرتدي جلابية بيضاء و«هلالة» وهي عبارة عن هلال ذهبي يربط على جبين العريس برباط أحمر، ثم يضع حول عنقه سبحة سوداء تسمى «اليسر» مصنوعة من الحجارة الكريمة، ويرتدي طاقية بيضاء مذهبة الأطراف ويضع ثوب «السرتي» وهو قماش لونه أبيض بأطراف حمراء على كتفيه، ويحمل الخرزة أو الحريرة وهي حجارة كريمة سوداء برباط حريري أحمر في يده اليمني، ومن حولهما يتصاعد البخور وروائح الصندل والعطور وغناء النساء الداعيات لهما بالخير والبركة، ثم توضع صينية خشبية مطلية باللونين الأحمر والأسود عليها أوان خشبية من نفس اللونين توضع عليها العطور كـ«الضريرة» التي تمسح على رأسي العروس والعريس وهي عبارة عن مسحوق الصندل الجاف والمحلب مع بعض الدهن المعطر، ثم يقف العريس على الفراش رافعا سيفا يحيي به النساء المجتمعات حولهما، وبعدها يحمل زجاجة عطر يرشها على الجميع وينثر قطع الحلوى، ثم يرتشف العروسان اللبن ويرشاه على بعضهما البعض ثلاث مرات. فاللبن رمز للتفاؤل للحياة المستقبلية الهنية البيضاء الخالية من المشاكل والمعوقات.

تقول السيدة «نايلة» وهلي صاحبة محل شهير لتجهيز العرائس: إن الطقوس تغيرت كثيرا، فالعريس في الماضي يتم «حبسه» في المنزل لأسبوعين قبل الزفاف ويدلك جسده بالعطور. أما في مناطق شمال السودان وقبائل الجعليين فكان العريس يحتفل في ليلة حنته بحمل سوط يضرب به ظهور أعمامه وأقربائه العارية حتى يسيل الدم منها تعبيرا عن ابتهاجهم وتعرف هذه العملية «بالبطان» بينما يشارك العريس في مناطق غرب السودان في «دق الريحة» أى سحن عطور العروس الجافة المكونة من الصندل والضفرة بيد الهون الخشبية الكبيرة! لكن كل شيء تغير بسبب إيقاع العصر، فالسيف التقليدي من شرق السودان الصليبي الشكل ذو الغطاء الجلدي الذي ترقص به العروس ويحمله العريس بعدها أصبح يستورد من الباكستان والصين بأشكال مذهبة ومفضضة ومطعم بالأحجار الكريمة، وهناك كثير من التغييرات المكلفة أصبحت تشكل ميزانية مرهقة جدا للعريس الذي يحلم بأن يبدأ حياة زوجية خالية من الديون!..

* في المغرب: حفل يحضره «وزراء» العريس

* مثل العديد من الدول العربية، لا يمكن الحديث عن تقاليد وطقوس زواج واحدة في المغرب، فهي تختلف من منطقة الى اخرى لدرجة ان هناك عادات شديدة الخصوصية في بعض المناطق النائية مثل البوادي والقرى. في شمال المغرب، كما في مدن الداخل، تبدأ طقوس الاحتفال في يوم الزفاف بذهاب العريس لحمام شعبي برفقة شباب من اقاربه واصدقائه، بعدها يعودون الى البيت وهم يرددون اناشيد واهازيج على شكل مدائح نبوية. في بداية ليلة الحفل، يحاط العريس بأصدقائه الشباب، ويودع حياة العزوبية، بأن يحلق له شعره وذقنه، ثم يرتدي ملابس تقليدية عبارة عن جلباب ابيض وحذاء تقليدي (بلغة)، وبذلك يصبح مستعدا لاستقبال المدعوين للحفل الذي يستمر الى الساعات الاولى من الصباح على نغمات الموسيقى. بعد توزيع الشاي والحلويات، يقدم العشاء للمدعوين، ثم يكون الجميع على موعد مع طقس احتفالي تلقائي وعفوي، يتمثل في ليلة الحناء، التي يحضرها الرجال فقط من أصدقاء العريس واقاربه.

وتختلف ليلة حناء العريس كليا عن ليلة الحناء الخاصة بالعروس. فبالنسبة للرجل يغمس اصبعه الصغير في اناء الحناء فقط كنوع من «التبرك» لا غير، يصحبها ترديد الحاضرين لابتهالات دينية ودعوات له بالتوفيق في حياته الزوجية، وان يرزق بالبنين والبنات، وبعد الانتهاء من الحناء يذهب العريس ورفاقه الى المسجد للصلاة، والتبرك بدعوات إمام المسجد.

واذا كانت العروس لا تستغني عن المزينة التي تهتم بلباسها وماكياجها حتى تظهرها في ابهى حلة، فبالنسبة للعريس يختار احد اصدقائه المقربين او شابا من اقاربه ليقوم بهذه المهمة ويطلق عليه لقب «وزير». يقوم بخدمة العريس والاهتمام بجميع التفاصيل الصغيرة التي تخص اللباس والمظهر، والتنظيم الجيد للحفل، واستقبال المدعوين، وغيرها من المهام. وقد يعين العريس اكثر من «وزير» لخدمته حتى يضمن ان كل الامور ستسير على ما يرام، خصوصا اذا كان الحفل كبيرا.

للاشارة، فطقس الحناء في ليلة زفاف الرجل، غير شائعة الا في مدن الشمال المغربي، اما في باقي المدن فليلة الحناء خاصة بالعروس وهي الليلة الاولى التي تسبق الحفل الكبير، وتسمى «الليلة الصغيرة» حيث تنقش العروس خلالها كامل يديها وقدميها بالحناء.

* العريس السعودي ينافس العروس

* زيارة سريعة لصالونات الحلاقة والتجميل الرجالية في أي مدينة سعودية تكشف أن العريس يتلقى عناية وتدليل لا يقلان عما تتلقاه العروس.يقول محمد سليمان صاحب أحد الصالونات الرجالية بجدة أن «هناك برامج جاهزة نصممها للعرسان وتفصل بحسب رغباتهم واحتياجاتهم».

تتضمن اغلبية هذه الخدمات جلسات كاملة لمعالجة البشرة بالاستعانة بالحمام المغربي الساخن ومعاجين التنظيف التابعة لها ومواد الصنفرة للحصول على بشرة نضرة ونظيفة. ولا يكتفي العريس بذلك بل يقوم بجلسات العناية بالأظافر، وجلسات التدليك، التي تساعده على الاسترخاء والتخلص من التوتر. وتبدأ الأسعار غالباً من الـ500 ريال لتصل إلى أكثر من 1000 ريال بحسب مستوى المحل وطبيعة المواد والمستحضرات المستخدمة.

ويصل الأمر بالنسبة لبعض العرسان إلى اللجوء إلى مبضع طبيب التجميل بدلا من مقص الحلاق ليصلح بعض العيوب الخفيفة والظاهرة مثل الإعوجاج في الأنف، أو تحديد الذقن بالليزر، والذي أصبح من المعالجات الرائجة بين الشباب مؤخراً، إضافة إلى تبييض الأسنان، والزيارات المتكررة لنوادي اللياقة البدنية.

وعلى الرغم من أن الأعراس وطقوس التجهيز لها تتشابه إلى حد كبير في كافة مناطق المملكة، إلا أن لكل منطقة عادات ونكهات خاصة يقبل عليها العرسان الشباب من باب التواصل مع جذورهم وتاريخهم. ففي مدينة جيزان مثلا، لا تقتصر الحنة على العروس، فحتى العريس يتحنى قبل زفافه بأيام، ولكن ليس للزينة بل لعلاج وترطيب الأقدام أساسا خاصة إذا ما عرفنا بأن العريس يشرف على تجهيز كل الاستعدادات للحفل، بمعاونة أقربائه وأصدقاءه، فلا يأتي يوم زواجه إلا ويكون منهكاً ومتعباً. أما اللباس السائد في جيزان فيختلف عن بقية المناطق، إذ يغلب عليه الإزار وقميص ملون. ولا يمكن أن تكتمل حلة العريس الجيزاني إلا بعقود الفل والنرجس معلقة حول رقبته والجنبية أو الخنجر في حزامه.واستكمالاً للطقوس عليه ايضا ان يكحل عينيه، ويفرق شعره الذي عادة ما يكون طويلاً ويصل إلى كتفيه من المنتصف، ويضع في مفرق رأسه ذروراً أحمر من صخر عطري جميل الرائحة يسمى «الحسن» لدلالة على أنه عريس مقبل على الزواج. وككل عريس لا بد أن يستعمل العطور والأطياب بسخاء. وأكثرها استعمالاً البخور الجاوي والمسك بأنواعه. وتلتقي عادات الكثير من المناطق الجنوبية مع طريقة العريس الجيزاني مع بعض الفوارق والاختلافات البسيطة.

ففي المنطقة الشرقية ما زال هناك طقس خاص يسمى «نظيفة العمر»، حيث يتم الحرص في بعض القرى كصفوى والقطيف والعوامية، من قبل أصدقاء العريس على اصطحابه في نفس يوم حفلة الزفاف إلى أحد الآبار أو العيون لتنظيفه في أجواء صاخبة وفكاهية، قبل ان يتوجهوا إلى منزله ليقوموا بتعطيره وتطييبه باستخدام دهن العود وماء الورد وعطور طبيعية أخرى، وثم إلباسه ومرافقته إلى مكان الحفل.

وفي قرية العوامية يزاد على هذا الطقس زفه على حصان يتجول به في أرجاء الحي وسط موكب كبير يضم رفاقه والمغنيين والمنشدين الشعبيين، وتكاد تجهيزات العريس لا تختلف كثيراً في الدمام باستثناء حرصه على لبس «بشت» أو عباءة مقصبة تعود لأحد أقاربه الذين سعدوا بحياة زوجية هانئة، من باب التفاؤل وحسن الطالع.

* العريس المصري.. لا يكذب بل يتجمل

* حتى يصل العريس في مصر الى ليلة الزفاف ويبدأ الاستعدادات الخاصة بها يكون قد تعرض لعذابات كثيرة بداية من البحث عن شقه حتى تجهيزها لاستقبال عروسه وعندما ينتهي من كل ذلك يكون في حاجة الى من يؤهله لليلة الزفاف، ويمحو علامات الارهاق عن وجهه المكدود. في القديم كان أصدقاؤه هم الذين يقومون بهذه المهمة فيحمونه ويحنونه ويأخذونه في زفة الى الحلاق حتى يقص شعره وذقنه، اما اليوم فقد تغيرت الأوضاع وظهر الكثير من مراكز وصالونات التجميل مهمتها إعداده في هذه المناسبة، وهي كثيرة وتتفاوت في مستوياتها بين المناطق الشعبية والراقية. لكن معظمها يتركز على قص الشعر، مع العلم أن أهم شيء في قصة الشعر ـ كما يقول مصفف الشعر، محمود لبيب صاحب أشهر كوافير للرجال في القاهرة ـ أن لا يلاحظ أحد أنه قام بقصه مؤخرا، ثم يتبع ذلك عملية تنظيف الوجه من الشعر الزائد، وهي عملية تنجز مبكرا لتفادي أي التهابات في الوجه قبل ليلة الزفاف. اما في يوم الحفل، فيحلق للعريس ذقنه ويضع له الكريمات المرطبة لتليين البشرة، وتفتيح المسام وتنظيف البشرة من الدهون، يلي ذلك وضع كريم تقشير يدلك به الوجه لدقائق، قبل وضع قناع لمدة أربع دقائق على الأقل قد تزيد حسب رغبة العريس وحاجته. وفي بعض الحالات النادرة قد يضع محمود لبيب مكياجا خفيفا لإخفاء عيوب في وجه العريس ناتجة عن بثور أو بقع سوداء أو غير ذلك من الشوائب. بعد الانتهاء من الوجه تبدأ مرحلة المانيكير والباديكير، يعود بعدها إلى العناية بالشعر بوضع الكريم المناسب والذي يختلف باختلاف نوع الشعر ودرجة ليونته، ثم التسريحة، ورش «السبراي» الفضي أو الذهبي عليها حسب رغبة الشاب واللون الذي يفضله.

اما في كوافير لوثر بحي المهندسين فإن العناية بالنسبة لفنان الشعر حسن محمد لا تقتصر على العناية بالبشرة، إذ يطلب البعض من العرسان صبغ شعرهم بلون مختلف تماما، أو فقط لإخفاء الشعر الأبيض. كما يطلب البعض ممن يعانون من تراجع الشعر أو تساقطه رشه ببعض المنتجات التي تمنحه نوعا من الكثافة، وكل هذا حتى تأتي الصورة التي يلتقطها المصور وتبقى ذكرى مدى العمر.. في مستوى المناسبة.