بين الموضة والأناقة خيط رفيع.. لا يقدر بثمن

الأولى هي الأزياء.. والثانية هي طريقة لبسها

TT

«عندما لا تعرف المرأة كيف تلبس، فإن أول ما نلحظه أزياؤها، وعندما تكون أنيقة فإن ما يثير اهتمامنا هو المرأة نفسها»، هذا ما قالته الآنسة كوكو شانيل منذ عشرات السنين وسيظل صحيحا ما دام هناك شيء اسمه أناقة. فالمتعارف عليه في اوساط الموضة ان هناك فرقا شاسعا بينها وبين الأناقة، ففي الوقت الذي تعني فيه الأولى الأزياء التي نلبسها، فإن الثانية تعني الطريقة التي نلبسها بها، لذلك عندما يُنعت أي منا بأنه ضحية موضة، فهذا لا يعني انه لا يتابع الموضة بل فقط لا يعرف كيف يوظفها. ضحية الموضة، حسب رأي زوي دراكيولي من «لويفي» «هو الشخص الذي لا يعرف ان الأناقة الحقيقية لا تعترف باسم ماركة أو ما إذا كانت القطعة تساوي 5 دولارات أو 5000 دولار». وتوجد حاليا عدة تعريفات لضحية الموضة، وإن كان معظمها يتفق على وصفه بـ«الشخص الذي يتقبل أي أسلوب يقدمه له المصممون بطريقة عمياء من دون أن يسأل إن كانت ستناسبه أم لا، وتكون النتيجة غالبا مظهرا غير متناغم ومثيرا للسخرية او الشفقة، أو مبالغا فيه بشكل يستفز». وهناك أيضا آراء اخرى تصفه بأنه الشخص المدمن على التسوق، الذي يشتري ما يشتريه فقط لأنه يحمل اسم ماركات عالمية، وآخر ما طرح في السوق، حتى وإن لم تشده جماليات الزي شخصيا أو تروق له، لكن ما دام قد سمع أو قرأ في مجلة انه «موضة الموسم» فهو يقبل عليه ويتقبله من دون تفكير. أكثر من جسد هذه الظاهرة في بريطانيا، كولين ماخلوخين، خطيبة لاعب الكرة البريطاني، واين روني، التي كانت ضحية موضة بكل المقاييس قبل ان تتعلم كيف تستفيد من اخطائها وتوظفها لصالحها.

ومما يذكر ان كبريات دور الأزياء والمصممين كانوا في فترة من الفترات يتخوفون من إقبالها على ماركاتهم لما تعطيهم لهم من دعاية سلبية. فرغم ما يعتقده البعض من أن المصممين لا يهمهم إلا بيع منتجاتهم وتحقيق الربح، إلا أنهم، وعندما يتعلق الأمر بضحية موضة تسلط عليه الأضواء مثل كولين، فإن الامر يتحول بالنسبة لهم إلى كابوس يرعبهم ويزعجهم، لأنها دعاية لا تخدمهم بتاتا، وتثير ردة فعل عكسية لدى الزبونة الانيقة. فهذه الأخيرة لا تريد ان ترتبط باسم دار او مصمم تقبل عليه نساء يفتقدن «الذوق» حتى لو كن مشهورات وغنيات، وهو ما يؤكد ان الذوق لا يشترى أو يقدر بمال. فمصروف كولين الشهري، مثلا، يقدر بمائة ألف جنيه استرليني، لكن ذوقها لا يعكس هذا المبلغ، ولم تساعدها كل الماركات العالمية، ولو مرة في بدايتها، أن ترتقي إلى مصاف الأنيقات، إلا قريبا عندما فهمت اللعبة ودخلتها من خلال ازياء المتاجر الشعبية. بالنسبة للأشخاص العاديين، فهم اكثر حظا من كولين، لأن صورهم لا تنشر على صفحات المجلات، لكننا للأسف نراهم في الشوراع والمقاهي والحدائق ويثيرون الكثير من الشفقة في نفوسنا، خصوصا في موسم الإجازات. ففي الوقت الذي يخفي فيه الشتاء الكثير من العيوب والاخطاء تحت المعاطف والكنزات السميكة والألوان الداكنة، إلا ان الصيف لا يرحم. إذا كان رجلا سيلبس قميصا، أو «تي ـ شيرت» ورديا فاقعا أو أصفر منقوشا بمطبوعات هندسية كبيرة مع بنطلون قصير يصل إلى الركبة وحزاما بلون القميص مع صندل «بإصبع»، أو بنطلون ضيق مع قميص مفتوح تاركا المجال لكي نرى قلادة ضخمة تتدلى من على صدره، وطبعا نظارة ضخمة بإطارات معدنية. الأهم من هذا كله ان يبدو اسم الماركة واضحا على صدره أو جيوب بنطلونه. وإذا كانت امرأة فهي تريد ان تبدو بمظهر شاب فتلبس تنورة طويلة بطيات متعددة وحزام عريض بإبزيم ضخم مع نظارات كبيرة ايضا، أو تنورة قصيرة جدا بغض النظر إن كانت قصيرة أو طويلة، نحيفة أو ممتلئة، شابة او ناضجة، وطبعا من دون ان تنسى تنسيق الحذاء والحقيبة مع لون الزي. وإذا كان صغر السن يشفع للفتيات الكثير من الأخطاء على اساس ان الأيام ستعلمهن، إلا انه لا يشفع للمرأة الناضجة، التي يفترض ان تبلور اسلوبها الخاص والأنيق بعد الخامسة والثلاثين. فهي هنا تكون لها شخصية مستقلة، وتعرف ما تريد وما يناسبها. بعد سن الأربعين تكون قد جرَبت الكثير من التصاميم، سافرت كثيرا، قرأت وتعرفت على ثقافات اخرى، وبالتالي نمت لديها ملكة الاختيار الصحيح، هذا عدا انها تصبح اكثر ثقة بالنفس، وهذا أجمل ما في الأناقة. تقول روبرتا هيل من دار بيربيري «تنمية أسلوب خاص في الموضة يشبه تذوق الطعام، نجرب أطباقا عديدة ومطابخ مختلفة قبل ان نرسي على الذي نفضله، وإن كنا في العديد من الأحيان نعرف منذ الوهلة الاولى إن كان لذيذا أم لا، لكن لا يمكن ان تكون لنا قدرة على الاختيار إذا لم تكن أمامنا خيارات أساسا». وهذا ما أصبح متاحا لنا في السنوات الأخيرة، فأساليب الموضة تنوعت، وأصبح كل شيء جائزا على شرط تنسيقه بذوق وتناغم مع الشخصية والمكان والزمان، وليس بالضرورة ان يكون (جاكيتا) من دولتشي أند غابانا مع تنورة لإيف سان لوران، وحقيبة لشانيل، وحذاء لجيمي شو، بل يمكن أن يكون (جاكيتا) من دولتشي اند غابانا مع بنطلون من «زارا» و «تي ـ شيرت» من «إيتش أند إم» أو «مانغو» مع حقيبة من شانيل.