آداب المصافحة بين الشرق والغرب

TT

يدرك العرب الأميركيون أو المقيمون في الولايات المتحدة من ذوي الثقافة الشرقية أن هناك فروقا واضحة في كثير من العادات الاجتماعية ـ التي اعتادوا عليها في بلدانهم الأصلية، وما يلحظونه أثناء تعاملهم مع أفراد المجتمع الأميركي الذي هو في الواقع متنوع المشارب والأصول الثقافية ولكن أفراده منصهرون في بوتقة أميركية واحدة تحمل معالم مشتركة سرعان ما يعتاد عليها القادمون الجدد.

يمكن القول إن المصافحة وأساليبها وآدابها ـ تعتبر من أهم الفروق بين الأميركيين والعرب أو بين الثقافة العربية الشرقية والثقافة الغربية بشكل عام.

في عالمنا العربي لا نجد غرابة أن يقبل الرجل زميله الرجل في وجنتيه أثناء المصافحة باليدين، ومن النادر في المجتمعات العربية المحافظة أن نرى رجلا يقبل امرأة أو يحضنها إن لم تكن زوجته أو والدته أو من هن في حكمهما، بينما في الولايات المتحدة فإن المجتمع ينظر إلى تقبيل الرجل للرجل بعين الريبة وقد يظن البعض أن من يقبل آخر ما هو إلا من المثليين جنسيا، في حين أن تقبيل الصديقة أو زوجة الصديق لا يثير اي تساؤل. وقد نرى في العالم العربي رجلين رفيقين ممسكين بأيدي بعضهما أثناء مشيهما في الشارع ولكن هذا لا يحدث في أميركا على الوجه الأغلب إلا بين رجل وامرأة أو بين المثليين جنسيا. الأميركيون ينظرون إلى المصافحة على أنها عهد أو اتفاق بين شخصين يتعرفان على بعضهما للمرة الأولى وبالتالي لا يحتاج الأميركي أن يصافح صديقه كلما رآه بل يكتفي بتحيته عن بعد أو بترديد كلمة «هاي»، في حين أن المجتمعات العربية أكثر دفئا في العلاقة بين أفرادها ولا بد من توجيه التحية ومصافحة الأصدقاء أو زملاء العمل لدرجة قد يضطر فيها الشخص إلى قضاء وقت طويل في عمله لتلبية المجاملات الاجتماعية.

كما أنك حين تزور صديقا في بيته في الولايات المتحدة دون سابق موعد، لا تستغرب إن رفض استقبالك أو إدخالك إلى منزله بحجة أنه منشغل بأشياء أخرى دون أن يتوقع معك أي رد فعل غاضب، أما في العالم العربي فإن الصديق لن يكتفي فقط بفتح باب بيته لك بل ربما يترك أعمالا هامة في سبيل استضافتك وأداء ما يسمى بالواجب الاجتماعي تجاهك ملقيا بكل مهامه الأخرى عرض الحائط في سبيل إرضائك.

وبحكم وجود هجرات عربية كثيرة إلى الولايات المتحدة فقد انتقلت بعض العادات العربية إلى المجتمع الأميركي من بينها تجنب الأميركيين مصافحة المحجبات لأنهم يعتقدون أن المحجبة على الأرجح لن تصافح رجلا أجنبيا، ويفاجأ كثيرون بأن بعض المحجبات المسلمات لا يرفضن مصافحة الأميركيين في حين يمتنعن عن مصافحة المسلمين من أمثالهن ولهن تبرير جميل لمثل هذا التصرف إذ تقول إحداهن «لو رفضت مصافحة رجلا أميركيا لا يعرف الإسلام فهذا يعني أني أقدم له انطباعا أوليا سيئا عن ديني ولهذا لا بد من التنازل حفاظا على صورة الإسلام، أما أخي المسلم فأنا أفترض فيه أنه يعرف تعاليم ديني ودينه ولن أجرح مشاعره إذا ما رفضت مصافحته لأسباب دينية».

وبما أن هناك من المحجبات من يمكن أن يصافحن غيرهن فمن المستحسن للرجل سواء في المجتمعات الأجنبية أو العربية ألا يبادر من جانبه بمد يده لامرأة محجبة بل عليه أن ينتظر المبادرة منها فإذا لم تمد يدها فمعنى ذلك أنها لا ترغب بالمصافحة وبالتالي يكون قد وقى نفسه من عناء الإحراج. ويرى علماء النفس في المصافحة البسيطة التي لا تستغرق أكثر من ثلاث ثوان، تعبيراً مهماً موحياً عن الشخصية ومميزاتها.

ويقول خبراء التعبير اللغوي الجسدي، إنه في اللقاء بين شخصين وخاصة لأول مرة فإن المصافحة وتلاقي اليدين أعظم تأثيراً بكثير من قول كلمة: أهلا، أو مرحباً أو ما إلى ذلك. ولذلك لا غرابة أن نجد في الثقافة العربية ثناء وإشادة بالمصافحة التي تعبر عن المحبة والوفاء والترحيب بين الناس.

أما عند الأميركيين فإن أقوى أنواع المصافحة هي التي تكون فيها يد تصافح الآخر واليد الأخرى فوق يد المصافََح، أو تمسك بذراعه. وهذه المصافحة تعبر بقوة عن شخصية تحب العطاء والود العاطفي تجاه الآخر كما تود إشعاره بالأمن والارتياح وأنه محل اهتمام خاص وترحيب حقيقي فسيح. ومن آداب المصافحة لدى الأميركيين أن تكون مصحوبة بابتسامة معبرة مع النظر مباشرة في عيني من تصافحه، أو هز يده والضغط عليها برفق ولباقة ثم ترك يد من تصافحه بعد ثانيتين أو ثلاثاً.