اكتئاب ما بعد الولادة

عندما يتحول أجمل حدث في حياة المرأة إلى لحظات تعاسة

TT

أمر عادي ان تصاب الأم الحديثة الولادة ببعض القلق وتعكر المزاج والحزن الذي يصاحبه بكاء من دون أسباب واضحة، لأنه نتيجة طبيعية للتعب والإحساس بالخوف من المسؤولية والمستقبل، فضلا عن تغير الهورمونات بعد الولادة مباشرة، لكن الأمر غير العادي ان تتحول هذه الحالة إلى سوداوية واكتئاب قد تدفع إلى الانتحار أو محاولة التخلص من الطفل، لكن الحقيقة التي تداولتها وسائل الإعلام الغربية مؤخرا انه بالرغم من ان اغلبية النساء يشعرن بالتحسن بعد أسبوع، إلا ان واحدة من كل سبع نساء تعاني من اكتئاب ما بعد الولادة، بل ان واحدة من كل عشرة نساء تعاني من هذه الحالة خلال فترة الحمل حسب ما جاء في دراسة قامت بها جمعية «تومي» الخيرية على حوالي 1000 امرأة كانت نتيجتها أنها حالة تصيب الكثير من النساء وإن كان ما زال مسكوتا عنها او يخلط بينها وبين القلق وتعكر المزاج، كما أفادت دراسة نشرت في «بريتيش ميديكل جورنال» أنه من بين 9000 امرأة حامل، تعاني 12% منهن من الاكتئاب في الأسبوع 18 من الحمل، لتزيد النسبة إلى 13.5% في الأسبوع الـ32. بيد أن المطمئن في الأمر أن دراسة اخرى قامت بها جامعة بريستول تفيد بأنه بعد الولادة بثمانية اسابيع تنخفض نسبة الاكتئاب بحوالي 9.1%.

الجدير بالذكر ان هذا المرض، كما يطلق عليه الآن، لا يفرق بين امرأة أو اخرى، فقد تصاب به امرأة من طبقة عادية أو نجمة معروفة مثل بروك شيلدز التي كانت اشهر واحدة عانت من هذه الحالة عندما وضعت طفلتها الاولى. ووصفت شيلدز حالة الاكتئاب التي أصابتها في كتاب أسمته «سقوط المطر.. رحلتي مع الاكتئاب بعد الولادة». كشفت فيه عن تناولها أدوية مضادة للاكتئاب للعلاج من اليأس وأفكار الانتحار. مما لا شك فيه ان بروك شيلدز كانت شجاعة باعترافها بالأمر علنا، وإن تعرضت لانتقاد كبير من قبل النجم توم كروز، لأنه حسب معتقداته السانتولوجية لا يعترف بالأدوية الكيمياوية للعلاج. الطريف ان توم كروز لم يحقق أي كسب جماهيري من وراء هذا الهجوم، بينما كسبت بروك شيلدز تعاطف معظم النساء، والرجال أيضا، وهذا يدل على ان العديدات منهن يعرفن تماما ما مرت به، إما لأنهن مررن به أو عايشن شخصا عزيزا عانى من نفس الحالة. ومما يدعو للاستغراب فعلا ان تتزامن فترة من المفترض ان تكون من اسعد فترات أي امرأة، بشعورها بالحزن والاكتئاب إلى حد يدفعها إلى الانتحار، لأن احاسيس فقدان الثقة، التشاؤم، القلق والعصبية والخوف من المستقبل أقوى من فرحة الأمومة. بعض الخبراء والأطباء يؤكدون ان الحالة لها علاقة بالتغيرات الهورمونية إلى جانب الضغوط النفسية التي باتت تعاني منها بعض النساء، وفي الغالب يفرضنها على أنفسهن، إما برغبتهن استرجاع رشاقتهن في وقت قياسي، أو العودة إلى العمل والتوفيق بين مسؤولياتهن العملية والاسرية وهكذا. ويزيد الأمر سوءا عندما تشعر المرأة انها لن تستطيع ان تحقق ما حققته بعض النجمات والشهيرات بعودتهن إلى وجاهة الأضواء بخصور نحيلة وبشرة متألقة ونشاط تحسدهن عليه الصبايا، متناسيات في سوداوية حالتهن ان هؤلاء النجمات لهن جيش من المدربين الشخصيين والطباخين وخبراء التغذية والمربيات لمساعدتهن. ويردد البعض أيضا ان زخم التحاليل والاختبارات التي تخضع لها المرأة خلال فترة الحمل، تجعل من ترقبها للحدث السعيد ميكانيكيا ومحفوفا بالقلق والخوف، هذا عدا ان بعضهن يضطررن للعمل إلى وقت متأخر من الحمل والعيش بعيدا عن عائلاتهن، الأمر الذي يجعلهن عرضة سهلة للمرض. تقول أنيت برايلي، من جمعية توميز بايبي الخيرية، التي قامت ببحث في هذا المجال بأن «النقلة التي تمر بها المرأة في هذه الفترة نقلة لا يستهان بها، وتضعها تحت ضغط نفسي لكي تكون أمها مثالية بكل المقاييس. الأجيال السابقة كانت تفكر انها بقيامها بواجبها يكفي أما الجيل الجديد فيعتقد ان من واجبه أن يرقى إلى الكمال، إضافة إلى ان الأم الشابة في السابق كانت تنعم بدعم اسرتها التي كانت تسكن على بعد خطوات منها، بينما الآن فإن العزلة هي التي تفرض نفسها على العديد من الأمهات».

* بعض الشهيرات واكتئاب ما بعد الولادة : ـ بروك شيدلز: انتابتها الرغبة بالانتحار بعد ولادة طفلتها الأولى ـ العارضة وسيدة الأعمال إيل ماكفرسون: دخلت مصحة للعلاج بعد ولادة طفلها الثاني في العام الماضي.

ـ المذيعة البريطانية غايل بورتر: انتابتها مشاعر الانتحار كما تساقط شعرها تماما بعد الولادة.

ـ الممثلة ومصممة الأزياء سايدي فروست اضطرت لدخول مصحة للعلاج لنفس الأسباب.

* الأسباب والنتائج : ـ العمل إلى الشهر الأخير من الحمل يولد مشاعر التعب والضغط وعدم استعداد تام للأمومة.

ـ الشعور بالغثيان وزيادة الوزن خلال الحمل يولد التعب وفقدان الثقة بالنفس.

ـ الاختبارات والتحاليل الكثيرة التي تقوم بها خلال فترة الحمل تولد حالة من القلق والخوف على صحة الجنين والمستقبل.

ـ تغير الهورمونات يولد تغير الحالة المزاجية. ـ بعد المسافات بين الأهل يولد إحساسا بالعزلة والوحدة وعدم الدعم.

ـ صورة النجمات وهن في أحسن حالاتهن النفسية والجسدية تولد شعورا بعدم الثقة.

* بعض الحلول قبل أ-ن يتحول الرمادي إلى سوداوي : ـ اطلبي مساعدة شريك حياتك، وبوحي له بمكنونات قلبك وما ينتابك من تقلبات مزاجية، ولا تتركيه يتخبط في الظلام غير فاهم ما تمرين به، خصوصا أن دعمه لك مهم جدا في هذه الفترة.

ـ أحيطي نفسك بصديقات أو افراد اسرتك، حتى لو كان الأمر مجرد الاتصال بهم بالتلفون والتحدث إليهم.

ـ لا تشعري بالذنب من أحاسيسك السلبية أو مخاوفك، فهذه تجربة جديدة تمرين بها، وكل ما عليك ان تتذكريه انك تقومين بعمل رائع وأن مشاعرك السلبية لا يمكن ان تستمر طويلا.

ـ إذا شعرت بأنك بحاجة إلى مساعدة عملية، لا تترددي من طلبها من طبيبك الخاص أو مولدتك خصوصا إذا استمر اكتئابك لأكثر من أسبوع ـ خططي لولادتك قبل الوقت إذا كنت امرأة عاملة، وذلك بترك عملك قبل الولادة بأسابيع حتى تحضرين نفسك لهذه النقلة نفسيا وجسديا.

ـ عندما تداهمك مشاعر التعب أو الاكتئاب اهتمي بنفسك قبل الاهتمام بطفلك. رغم ما يحمله هذا القول من قسوة تتعارض مع الأمومة، إلا ان الحقيقة التي لا يمكن انكارها هي انك إذا لم تكوني في حالة جيدة فإنك لن تعتني بطفلك بشكل جيد والعكس. ـ كوني صادقة مع نفسك ولا تحاولي إقناعها وإقناع الغير بأن كل شيء على ما يرام. في المقابل صارحي نفسك بحقيقة مشاعرك حتى تستطيعي التعامل معها.

ـ استغلي أي فرصة لأخذ قسط من الراحة، ولا تبالغي في أخذ مسؤولياتك الجديدة بجدية أكبر مما تستحق، كما لا تقارني نفسك بغيرك.