وهي تجيب: أنا لا أقلد.. بل اقتدي

صديقتي تحرمني من التميز وتريد أن تصبح صورة مني

TT

ظاهرة التقليد بين الفتيات الصغيرات قد تكون عادية في بعض الحالات، حيث لا يزلن في هذه السن يبلورن شخصياتهن وأسلوبهن، لكن ان تستمر هذه الحالة معهن إلى مرحلة الشباب والنضج فهنا المشكلة. والمقصود هنا ليس التقليد بمفهومه الإيجابي الذي يترجم كإعجاب، بل التقليد الأعمى الذي ينطوي على عدم ثقة بالنفس او على غيرة مجنونة. تقول نسمة: «أن تشتري صديقتي فستانا ارتديته في يوم ميلادها ونال إعجابها، فهذا شيء طبيعي وأتقبله، ولكن أن يصبح هذا السلوك هو القاعدة، فلا تشتري الا ما أشتريه ولا تعجب الا بكل ما أضعه على جسدي أو رأسي فتلك هي المأساة التي جعلتني أفكر مليون مرة قبل أن أرتدي أي جديد عند لقائي بها لأنها وببساطة ستذهب لشراء مثيله في اليوم التالي، وربما بمجرد خروجها من باب منزلي». وتضيف: «لقد دفعتني إلى الابتعاد عنها لأنها أشعرتني أن الصداقة التي بيننا لا أمان لها لأن الغيرة هي الدافع الاساسي لها». حالة صديقة نسمة ليست نادرة، فهناك الكثيرات من النساء اللاتي لا يستمتعن بما لديهن ولا يحلو لهن، سوى ما لدى الاخريات. فعلى الرغم من رغبة كل امرأة في أن يكون لها اسلوب خاص بها في ملبسها ومظهرها الخارجي يميزها عن باقي النساء، الا ان بعض بنات حواء لا يمتلكن القدرة على التعبير عن ذواتهن إلا من خلال تقليد غيرهن، حتى لو كان لا يناسبهن أو يتماشى معهن. ولعل هذا هو ما دفع الفنانة ليلى علوي الى اخفاء اسم العطر المفضل لديها خوفا من تقليد البعض لها فتخسر رائحتها المميزة.

مصمم الازياء محمد الشربيني أكد لـ«الشرق الأوسط» ان هناك نساء يلجأن اليه لا لانتقاء تصميمات جديدة خاصة بهن، ولكن لشراء قطع رأينها على صديقات أو قريبات لهن، وحتى عندما يجربنها ويكون واضحا للكل انها لا تتناسب معهن في كل شيء، إلا انهن يصممن على شرائها، ويغلقن كل الأبواب على من تسول له نفسه ان ينصحهن باقتناء تصميم آخر. ويتذكر الشربيني: «لا انسى موقفا حدث معي حين صممت فستان زفاف لعروس كانت غاية في الرشاقة وبدا الفستان رائعا عليها، بعد حفل زفافها بعدة أيام جاءتني صديقتها، وأصرت على اختيار نفس تصميم الفستان بكل تفاصيله واكسسواراته رافضة اي تعديل عليه كي يتناسب مع بنيتها، مع العلم انها كانت ممتلئة جدا مقارنة بصديقتها. حذرتها من النتيجة الا انها لم تستمع لي وما كان عليّ إلا ان صممت لها الفستان وللأسف لم تكن الصورة في صالحها على الاطلاق». عادة التقليد، كما يؤكد مسيو عبده، أحد أشهر مصففي الشعر في مصر لا تقتصر على الملابس فقط، لكنها تمتد الى تصفيفات الشعر أيضا، حيث يحرص بعض المترددات عليه على تقليد بعضهن بعضا بغض النظر عن مدى مناسبة اللون أو القصة أو التسريحة لهن. فقد تكون سمراء ولا يناسبها اللون الاشقر، لكنها تصر عليه لان صديقتها أو زميلتها في العمل أو احدى قريباتها تبدو فيه رائعة.

وهكذا الحال في تصميمات الديكور، حيث يبدو الصراع المحموم بين الجارات والقريبات في هذا المجال بشكل قد يخرج عن الحد الطبيعي، كما تقول مهندسة الديكور شدوان سليم، التي تؤكد ان النساء كثيرا ما يفسدن الديكور عندما يقمن باختيار قطع لا تتناسب والتصميم الذي تم وضعه. وهو ما يحدث عندما تصر السيدة على وضع صالون مثلا من طراز لويس الخامس «لوي كانز» في ديكور تم تصميمه على الطراز الحديث لمجرد رغبتها في تقليد جارتها أو صديقة لها وتكون النتيجة صادمة للعين والذوق أيضا.

وتحتج سمر على هذه الآراء بقولها: لماذا تسمونها غيرة وتقليدا؟ لماذا لا ترونها على انها تعبير عن اعجاب؟ هل تصميم فستان أو تصفيف الشعر بأسلوب معين أو شراء قطعة حلي أعجبتني على شخص آخر جريمة يعاقب عليها القانون؟ انا لا أغير من زميلاتي ولا أسعى لتقليدهن ولكني أقتدي بهن، وعندما أرى عندهن ما يحلو لي أحب ان أشتري مثله «هذا كل ما في الأمر». لكن عندما يزيد عن الحد يتحول إلى مرض.

فقيام بعض النساء بتقليد غيرهن، إلى حد التطابق، يعود كما يرى الدكتور فايز الخولي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة، الى التنشئة وسنوات عمر الفتاة الاولى، مشيرا الى ان «الغيرة هي أحد مظاهر السلوك الانساني، ولها شقان: الاول فطري غريزي نستطيع ان نلاحظه بين الاطفال والاخوة الصغار، حيث يتنافسون في جذب انتباه المحيطين بهم، سواء كانوا من الاسرة أو المحيط الخارجي. الشق الثاني مكتسب عن طريق عملية التنشئة الاجتماعية وهي عملية معقدة جدا تبدأ من الطفولة، وتلعب فيها الاسرة دورا أساسيا. فالأسرة قد تنمي عند الأطفال الغيرة السلبية من خلال المقارنة بينه وبين الآخرين، فيقع الطفل ضحية الضغوط المستمرة التي لا تخلق بداخله سوى الاحباط المتكرر من أي شيء يقوم بفعله، حتى ولو كان صحيحا، ويظل دائما ينظر الى الآخرين معتقدا انهم الافضل في كل شيء.

وعندما تتعمق مشاعر الغيرة داخل الانسان يبدأ في الاهتمام بالشكل على حساب الجوهر، فيدمن التقليد الاعمى لعدم القدرة على اثبات الذات وفقدان الهوية، ومع الوقت تتحول المسألة الى غيرة سلبية نطلق عليها «الغيرة الانفعالية» وهذا النوع يؤدي الى تشوية ادراك الانسان للبيئة المحيطة به، فيكون كمن يبحث عن شيء لا يراه رغم انه أمامه. في هذه الحالة يكون الهدف الاساسي هو محاولة تقليد الآخرين وبالتالي يفتقد الفرد هنا الـ «المقدمات» وهي الحضور الذهني والقدرات العقلية والكاريزما.

وفي بعض حالات الغيرة السلبية ينتهي الأمر ببعض الاشخاص الى الاحباط وحالات الاكتئاب، وهو ما يظهر عند بعض الفتيات، فنجد الواحدة منهن تسعى لارتداء نفس الملابس التي ترتديها نجمة او مطربة معينة دون ان تبحث عما يبرز انوثتها وجمالها ويحقق ذاتها هي كشخصية مستقلة». دكتورة منال عمر، استشارية الطب النفسي بجامعة عين شمس، تصف المرأة المقلدة لغيرها بلا وعي: الغيرة العمياء التي تدفع البعض لتقليد الاخريات بلا أي ضوابط شيء يدعو للتعجب والاستنكار والباحث في تلك الشخصية يجدها ذات سمات محددة ومن السهل اكتشافها. فهي شخصية متمركزة حول ذاتها تعتمد على الآخرين ويكون هدفها دائما اشباع حاجاتها الأولية وغالبا ما تفشل في التنسيق بين دوافعها ورغباتها الشعورية واللاشعورية وبين قدراتها ومهارتها، فتبدو كشخصية لا تتمتع بالسلام الداخلي والشعور بالامان، وهذا يمنعها من الاندماج مع الآخرين بفاعلية. للأسف فإن هذه الشخصية باتت إحدى سمات بعض مجتمعاتنا العربية التي بات الاستهلاك هو الدافع المحرك الأساسي لها. وتضيف: للأسف ان المرأة التي تشعر بالغيرة وتسعى الى تقليد غيرها هي طرف واحد في القضية، لان طرفها الآخر هو المرأة التي يتم تقليدها، والتي تكون أمام خيارين لا ثالث لهما: اما تقبل الامر والابقاء على العلاقة التي تربطها بصديقتها، أو إنهاء علاقتها بها إذا كان الأمر يزعجها، كي تريح نفسها عملا بالمثل القائل «الباب اللي يجيلك منه الريح سده واستريح». وهذا ما يؤكده أيضا الدكتور خليل فاضل استشاري الطب النفسي، الذي ينصح المرأة التي تعاني من محاصرة صديقتها أو جارتها أو زميلتها لها بالتقليد الأعمى، الحديث معها بود وافهامها بهدوء ان ما تفعله يضايقها، وان تحاول مساعدتها على بلورة اسلوبها الخاص الذي يتناسب مع اسلوبها وشخصيتها وإمكاناتها بطريقة غير مباشرة أو مباشرة إذا لم تنجح الطريقة الأولى.

أما إذا لم تفلح تلك الامور في ردع الصديقة، فمن الممكن تهديدها بوضع حد لعلاقتهما في حال لم تتفهم مشاعرها وحجم المضايقة التي تتعرض لها. هنا ستكون النتيجة إما التأكد من صلابة العلاقة وعلى بقاء الصديقة المقلدة على صداقتهما وبالتالي ستتراجع عن تصرفاتها، ولو تدريجيا، أو ان تتمادى وهو ما يدل على انها لا تفهم معنى الصداقة وتفهم مشاعر الآخر.