الصديري .. قطعة ثالثة تزيد الرجل بهاء

من اكسسوار مكمل للبدلة إلى قطعة قائمة بحد ذاتها

TT

حتى منتصف القرن الماضي ظل الصديري عنوان الكلاسيكية والأناقة الارستقراطية في أوروبا، بحيث لا تكتمل البدلة في المناسبات المهمة من دونه. بيد أن دوام الحال من المحال، لأنه عرف في الستينات والسبعينات والثمانينات انتكاسة جعلته يرتبط بمناسبات الأعراس، بقماشه المصنوع من الساتان وبلونه الأبيض، كما جعلته مرادفا للرجل المغرق في الرسمية والخائف من التغيير، بعبارة اخرى الرجل الممل. والحق يقال ان طريقة ارتدائه، والأقمشة السميكة المستعملة آنذاك في صنعه، لم يساعدا على زعزعة هذه الصورة أو تغييرها سريعا. لكنه مع بداية الألفية بدأ يستعيد بعضا من اعتباره بشكل تدريجي، إلى ان تخلص من صورته القديمة تماما ونفض عنه غبار الروتينية والمحافظة المملة في المواسم الماضية. الفضل قد يعود إلى انتعاش موضة الرجل «الداندي» أو المتأنق الحريص على كل صغيرة وكبيرة تتعلق بمظهره، التي لمست وترا حساسا لدى الرجل الذي دخل معمعة الموضة بتغيراتها وإثارتها، وأصبح يريد أناقة لافتة من دون مبالغة أو بهرجة، كما قد يعود إلى تصاميمه الشابة والحيوية التي تجعله قطعة مكملة للبدلة في المناسبات الرسمية، كما قد تجعله قطعة اساسية إذا تم ارتداؤه مع قميص وبنطلون عادي أو مع جاكيت وبنطلون جينز في المناسبات الـ «الكاجوال». أما في الأيام الباردة، فهو جد عملي نظرا لما يمنحه من دفء وحداثة في موسم يحتفل بموضة الطبقات المتعددة. لكنه في كل الحالات يبقى قطعة تضج بالعصرية والحداثة، مما يجعله جذابا في عيون الرجل العصري، بغض النظر عن عمره وأسلوبه وطبقته، بل ودخل عالم المرأة ايضا من خلال العارضة البريطانية كايت موس، التي التقطت لها صور عديدة به في السنوات الأخيرة. ولا يخفى على أحد مدى تأثيرها على ساحة الموضة وشوارعها، فبين ليلة وضحاها، شوهدت الفتيات يلبسنه مع الجينز أو مع التنورة القصيرة بشكل لا يترك أي مجال بأنه انتقل من خزانة الرجل إلى المرأة، وبدلك اكتسب دورا مهما في أناقة الجنسين، وإن كان الأمر مختلف بالنسبة للرجل بعض الشيء، لأنه أبطأ من المرأة في معانقة الصرعات، ويميل ان يمسك بالحبل من الوسط، عندما يتعلق بالأزياء. السبب كما يرجعه بعض المصممين إلى كونه لا يزال يعاني من عقدة الخوف من تجربة الجديد فيما يتعلق بالألوان الصارخة والنقوشات المتناقضة، أو القديم من القطع التي ارتبطت بالآباء والأجداد حتى وإن عادت إلى الساحة بترجمة عصرية مثل الصديري. كما يرجعه البعض الآخر إلى عدم الثقة بأي شيء لم يتعود عليه إلى ان يصبح مضمونا. وهذا ما حصل مع الصديري، الذي بدأ يتسلل إلى خزانته بالتدريج وبجرعات خفيفة قبل ان يأخذ المصممون قرارهم بإغراقه به في عروضهم الأخيرة، وتبعهم في ذلك خبراء الموضة العاملين في المجلات البراقة، وكانت النتيجة أن العين تعودت عليه ومع الوقت استحلته. الطريف ان اهتمام بعض الشباب الآن لا يقتصر على ما يطرح في الأسواق والمحلات، بل يغزون خزانات أسلافهم ليأخذوا قطعا يعتبرونها «فينتاج» ويلعبون على وترها بين القديم والحديث ليخلقوا خلطة خاصة بهم، وهو ما انتبه له بعض كبار المصممين من أمثال بول سميث الذي طرح مجموعة من الاكسسوارات بما فيها هذه القطعة القديمة الجديدة، تلعب على هذه النغمة ليخاطب هذه الشريحة من الزبائن الأكثر جرأة.

وشتان بين مكانة الصديري اليوم وبينها في العقود الأخيرة، إذ نجح في تكسير الحواجز الطبقية والعمرية، وفي التأكيد انه فعلا قطعة عملية وانيقة شابة. ففي الشتاء يمكن التعامل معه كقطعة إضافية تمنح الدفء، وقد تغني عن المعطف، وفي الربيع والصيف قطعة «سبور» تتمتع بجيوب تغني عن تكديس جيوب البنطلون بكل الأغراض الضرورية من هاتف جوال ومفاتيح أو «أيبود»، كما انه يتحول إلى اكسسوار لافت إن كان بنقوشات والوان جريئة، بحيث يعطي أي بدلة داكنة انتعاشا وجرعة حيوية. عمليته تتجلى أيضا في أنه يضفي على أي زي مهما كان بسيطا أناقة عصرية تتسم ببعض الرسمية التي تتطلبها بعض المناسبات. أما إذا تم تنسيقه مع بنطلون جينز أو بنطلون ضيق فإن الإطلالة التي يحققها تشبه إطلالة مغنيي الروك اند رول وبالتالي تناسب الشباب أكثر. نظرا لكل هذا، ليس غريبا أن يجعله معظم المصممين، بغض النظر عن اساليبهم ومدارسهم واتجاهاتهم، جزءا لا يتجزأ من تشكيلاتهم للموسمين الماضيين والمقبلين على حد سواء، بدءا من الثنائي دولتشي اند غابانا وأغنيس بي، ولوي فيتون إلى بول سميث، ديسكارد، و«كوستيم ناسيونال» وجيورجيو ارماني وغيرهم. المهم بالنسبة لهؤلاء ليس القطعة بحد ذاتها، بل الطريقة التي تنسق بها مع باقي القطع. يقول جيورجيو أرماني ان الصديري قطعة كلاسيكية بلا شك «لكنه أيضا قطعة من السهل تطويعها بطريقة تمنح لابسها اناقة وعصرية، بل وتجعل باقي القطع تبدو أكثر تميزا حتى وإن كانت عادية». ويضيف أنه يمكن ان يستعمل كقطعة مكملة للبدلة لمظهر رسمي من دون مبالغة، أو كقطعة اساسية، بدل السترة لمظهر شاب. تجدر الإشارة إلى أن أرماني قدمه بقماش المخمل للشتاء وبأقمشة خفيفة مثل الكتان للربيع والصيف، كما ان بول سميث أدخل عليه جرعة الوان ونقوشات ورود هادئة وخفيفة تتماشى مع موضة هذا الموسم من دون اي بهرجة أو استعراض مما يجعلها تناسب الرجل الكلاسيكي والرجل الجريء على حد سواء. الجدير بالذكر أنه مثل الكثير من القطع التي تعرف رواجا كبيرا في السنوات الأخيرة، ليس إبداعا من خيال المصممين الحاليين، بل يعود إلى القرن السابع عشر حين تبناه الأوروبيون من بلاد الفرس بعد إدخال بعض التغييرات عليه. وارتبط تاريخيا بالطبقات الأرستقراطية والمالكة، إذ يقال ان الملك تشارلز الثاني كان يلبسه طويلا ، بينما إدوارد VII كان أول من فتح الأزرار السفلى منه بسبب انتفاخ بطنه، لكن هذه الإطلالة اصبحت في الوقت الحالي مظهرا شابا يقبل عليه حتى ذوو الكروش المصقولة. وهذه ليست أول مرة تتحول موضة نخبوية إلى شعبية، بدليل الكورسيهات والجاكيت الطويل والقبعات وهلم جرا. أما دور المصممين المعاصرين، فيقتصر على تفاصيل تحديثه، وإنزاله من برجه العاجي ليكتسب صبغة شعبية وأكثر حيوية، لأن الخطأ الذي وقع فيه الرجل سابقا، وأثر سلبا على الصديري، حسب رأيهم، أنه ربطه بالمناسبات الرسمية، وبالتالي كان يعتقد انه يتناسب فقط مع بدلة مقلمة أو من التويد أو الصوف مع قميص كلاسيكي وربطة عنق، مما حدد وظيفته وحد منها. لحسن الحظ أن الخطأ صحح، واصبح بالإمكان ارتداؤه مع تي ـ شيرت من القطن وبنطلون جينز، أو تحت سترة من الكتان خصوصا، وانه أصبح يأتي بأطوال مختلفة، أو مع جاكيت وقميص من دون ربطة عنق لمظهر يجمع بين الاناقة والانطلاق. أما من حيث تصاميمه، فهناك الطويل الذي يصل إلى حزام البنطلون ويتميز بصف من ستة ازرار، وهو الكلاسيكي، وهناك القصير الذي تفرق بينه وبين الحزام بوصة او أكثر، وهذا التصميم يناسب فئة الشباب وذوي الأجسام الرشيقة والمصقولة اكثر، ويعرف إقبالا كبيرا من قبلهم، لا سيما بعد أن ظهر به مغنون معروفون من أمثال بي. ديدي وجاستن تامبرلايك. كما أصبح يأتي بياقات متنوعة مع اختلاف عدد الأزرار وأشكالها. ورغم ان ما طرحه المصممون يغني ويكفي من حيث النوعية والجودة والأشكال والألوان إلا انه عندما يكون مفصلا على الجسم بشكل يعانقه، فهو أكثر من رائع، لذلك يفضل الاستعانة بخياط ماهر يستطيع ان يبدع قطعة تخفي العيوب وتبرز الجماليات وتتكلم لغة العصر، لأن دور الصديري، كما أصبح متعارفا عليه، لم يعد مجرد مكمل للبدلة، لا يظهر منه إلا الجزء الأمامي فقط، بل تحول إلى قطعة اساسية قائمة بحد ذاتها يمكن الافتخار بها وإظهار كل تفاصيلها.