سيدتي.. عليك بفنون الاسترخاء للتحكم في نوبات غضبك

حتى لا ينتهي بك الحال إلى مصير نعومي

TT

برداء طويل أسود اللون، وقفازين سوداوين للوقاية من الأوساخ المنتشرة في المكان، أدت عارضة الأزياء الشهيرة، نعومي كامبل، خدمتها الاجتماعية في مجمع مانهاتن للنفايات في نيويورك، التي استمرت لمدة خمسة أيام. السبب كان تنفيذ حكم صدر بحقها لاعتدائها على مساعدتها أنا سكولافينو، بهاتف في مؤخرة رأسها بعد أن تعذر عليها إيجاد قطعة من ثيابها.

الحكم على نعومي شمل أيضا إلزامها بدفع جميع تكاليف معالجة المساعدة والتدرب على كيفية السيطرة على نوبات الغضب، مع العلم انها ليست المرة الأولى التي لم تستطع فيها ناعومي التحكم في عصبيتها الزائدة التي اشتهرت بها، لكن اذا كان لانفلات الاعصاب عقوبة في بلاد العم سام، فمن النادر أن نجد له عقابا في بلداننا العربية، حتى لو طال أقرب المقربين، لكن المؤكد أننا نخسر الكثير بعدم قدرتنا على كبت نوبات الانفعال، سواء كانت الخسارة تتمثل في مكاسب مادية أو خسارة بعض المقربين منا، وهو ما يعد العقاب الاكبر.

في البداية يجب أن نفرق بين حالات الغضب التي قد تصيبنا على فترات متباعدة نتيجة تعرضنا لضغوط أو مواقف صعبة، ونوبات الغضب المتكررة التي نصاب بها كلما واجهنا مواقف لا تروق لنا ولو كانت تافهة. الدكتور هاشم بحري، استاذ الطب النفسي بجامعة الازهر، أكد لنا أن الانفعال سمة من سمات الانسان، تحدث نتيجة تعرضه لموقف أو ضغط ما يتسبب في إفراز الجهاز العصبى الأدرينالين فى الدم، فتزداد سرعة التنفس ويتسارع النبض ويرتفع التوتر الشرياني، مما يزيد من حدة سلوك الفرد في التعامل مع تلك المواقف، وأضاف: «لكن هناك شخصيات بطبعها سريعة الانفعال ولا تمتلك القدرة على ضبط ردود أفعالها بما يتلاءم مع حجم الموقف. تلك الشخصيات تكون بحاجة إلى التدريب النفسي والسلوكي على كيفية التعامل مع ما يواجهها من مواقف لا ترضى عنها. لا من خلال المهدئات فقط، لكن من خلال تغيير سلوكهم الخاص بالتعامل مع المشكلات اليومية لتتحول مشاعر الغضب إلى هدوء، ويتم ذلك عن طريق تقليل حساسية هؤلاء الاشخاص الانفعالية، ومساعدتهم على ممارسة الاسترخاء النفسي والعضلي، وهو اسلوب يعتمد على تذكر الشخص المواقف الصعبة، التي قد تثير انفعالاته في حياته اليومية وتخيل نفسه فيها، ويطلب منه عادة الطبيب تغيير وضعه الحركي أثناء ذلك، فإذا كان واقفا فليجلس أو ينام والعكس صحيح، لمنحه الفرصة على مقاومة مشاعر الغضب، وهو ما يمكّنه من مواجهة المواقف من دون انفعال». تغيير الوضع الحركي للانسان في لحظات الغضب أمر سبق للرسول محمد عليه الصلاة والسلام، الإشارة إليه في أحاديثه، التي تحدثت عن الغضب وحذرت منه، حيث نصح من يغضب بالصمت، لأن أي سلوك للغاضب لا يمكن أن يوافق عليه هو نفسه حين تزول عنه نوبة الغضب. الغضب وسرعة الانفعال لا يؤثران في علاقة الفرد بالمحيطين به فقط، لكنهما يقللان أيضا من عمر الانسان حسب عدد من الابحاث العلمية، التي أشارت الى أن التغيرات أثناء الانفعال تتسبب في اصابته بالعديد من الأعراض المرضية مثل أمراض القلب والجهاز الهضمي والتوتر وعدم القدرة على النوم الهادئ. وإذا كان الطب النفسي قد لجأ إلى تمارين الاسترخاء لعلاج نوبات الغضب المتكررة، فاليوجا هي فن آخر للاسترخاء. فقد عرفها الانسان منذ ما يزيد على 5000 سنة. وتمارس من خلال مجموعة من التمارين العقلية والأوضاع الجسدية لإحداث تناغم بين حركة الجسم والتخيل العقلي مع طريقة التنفس. وتعتبر تمارين «درو»، من التمارين الأخرى القادرة على منح الانسان الهدوء، حيث تركز على تمارين التأمل والتخيل والنظرة الايجابية للحياة، وهي مفيدة خاصة لسلامة العضلات والمفاصل، كما تساعد على تحقيق التناغم الداخلي لأعضاء الجسم، وإبعاد المشاعر السلبية عن ذهن الانسان. يذكر أن دراسة كانت قد أجريت في مركز الطب التكاملي في جامعة «توماس جيفرسون»، بالتعاون مع جمعية أبحاث اليوجا في الولايات المتحدة، أوضحت أن جلسة يوجا تقليدية مدتها ساعة واحدة يمكنها تقليل مستوى الكورتيزول في الدم بشكل واضح، ومن المعروف أن الكورتيزول يؤدي دورا مهما في استجابة الإنسان للضغط النفسي.

وبعيدا عن أحاديث الاطباء، يجب أن نتذكر أن الغضب لا يحقق ما نهدف إلى تحقيقه، لكنه في المقابل يفقدنا السيطرة على أعصابنا ويؤثر سلبا في علاقتنا بالآخر.