20 وصفة لتحضير الرز

المطبخ الفارسي.. علاقة حميمة بين طبيعة أرض البلاد ومعتقدات الشعوب الإيرانية وعاداتها

TT

منذ صدور كتاب "الطبخ الفارسي الأسطوري" للخبيرة الماهرة مارغريت شيدا من دار نشر Grubb Street في لندن، وهو الكتاب الذي حصل على جائزة غلينفيدش لكتب الطبخ في عام 1993، تركز اهتمام الخبراء على سؤال واحد: كم مما بات مألوفا اليوم في المطاعم في الغرب، من أكلات هندية بشكل خاص، هي في الواقع من نتاج تأثيرات الطبخ الفارسي؟ وفي الكتاب نفسه تتبع مارغريت شيدا أصول الطبخ الفارسي وانتقالها على طريق القوافل التي عبرت بلاد فارس محملة بالحرائر من الصين والبخور من شبه الجزيرة العربية وبتوابل الهند. وهي تقول: حتى الطهاة الذين رافقوا الجنرالات في حملاتهم العسكرية من إيران نقلوا معلومات كثيرة عن الطبخ الفارسي. وهو الأمر الذي يجعل مفردة "أسطوري" تناسب الطبخ الفارسي تماما في رأي الخبراء، الذين يقولون إن لغة قصر المغول في دلهي كانت الفارسية، وبأن ثقافتهم كانت إيرانية، وبالطبع كان طعامهم فارسيا كليا. وأصل كلمة "برياني" مشتق من الكلمة الفارسية "بيريان"، بمعنى "محمّص"، في حين ان "بوراني" هي من الكلمة الفارسية المعربة التي تستخدم لأي أكلة تستند الى اللبن المخلوط بالخضراوات.

لكن أكثر ما استحوذ على اهتمام الهنود من بين ما نقله الطهاة الى الهند هو الخبز الفارسي "نان" المعمول بالخميرة، والمخبوز في التنور، في حين ان شعوب شبه القارة الهندية اعتادت على قلي الخبز في الدهن. واليوم نجد ان المطاعم الهندية المنتشرة من سنغافورة الى سان فرانسيسكو تقدم "النان" والدجاج (مرخ) و (الكوفتة) والكباب الإيراني الأصل.

ونصيحة الخبراء في هذا المجال هي ان الطبخ الفارسي ينبغي فهمه ضمن سياق فن الضيافة عند الشعوب الإيرانية في مختلف مناطق البلاد، وهو السياق الوحيد الذي ساعد في الحفاظ على مكانة هذا الطبخ كفن من فنون الشعوب الإيرانية، وليس مجرد نوع من الطعام.

فبصفة تاريخية، اعتادت الشعوب الإيرانية على فكرة ان الطعام لا بد من إعداده بطريقة تجعل كل وجبة مغذية وصحية وجديرة بتقديمها الى ضيوفهم، سواء كانوا شعراء او فلاسفة، او حتى ملك الملوك، كما يقال.

لكن ماذا عن حساء الفقراء الاسطوري؟

يقول الخبراء إن فكرة طبخ أكلات تناسب الملوك في ثقافات الشعوب الفارسية يفسر كون تدوين وصفات أكلات البلاطات مألوفا لديهم في الوقت الذي يندر فيه ان نجد وصفات مدونة لأكلات الفقراء، باستثناء حالة واحدة وهي وصفة حساء البصل البسيط (إيشكينيه) المملوء بقطع صغيرة من الخبز اليابس. وهذا الحساء هو الذي مكن الجنود المشاة من مواصلة حملاتهم بقيادة الملك "أشك" منذ أكثر من ألفي سنة. هذا الحساء استمد تسميته من الأشكانين، إحدى السلالات التي حكمت بلاد البارث. وكان الفرس والإغريق يؤمنون بأن أكل البصل يعطي الجنود القوة والشجاعة. وهم يرجحون أن حساء البصل الفرنسي العصري، الذي تضاف اليه قطع مكعبة من الخبز اليابس (كروتون)، هو من بين الأنواع المشتقة من حساء (إيشكينيه) الإيراني. فالطبخ الفارسي، بما فيه عادات استخدام الخبز والرز، بأكثر من عشرين نوعا مختلفا، يعتبره الخبراء من نتاج العلاقة الحميمية بين طبيعة أرض البلاد بتضاريسها وفصولها، من ثلوج سهول روسيا في شمال ايران الى الرمال الحارة في الجنوب وأمطار الـ "مونسون" الى الشرق منها في الهند. وكذلك تأثيرات عادات ومعتقدات الشعوب الايرانية في هذه المناطق المختلفة. وهم يقولون إن ما ينتج في المطبخ الإيراني يكاد يشبه النتاج الرائع لغزل الأنسجة والسجاجيد في ايران. وماذا عن الخبز لدى الشعوب الإيرانية؟

الوصفات التي تدرجها الخبيرة، مارغريت شيدا، تتقدمها وصفات لتحضير عجينة الخبز الإيراني من خبز الفطور "ناني بربري" وعجينة الخبز مع الحليب (شيرمال) والخبز الحجري (ناني سانجاك) وخبز الرقاق (ناني تافتون). وتقول (شيدا) إن اهمية الخبز بالنسبة للأكلات الإيرانية تتجلى في كتاب لطباخ ماهر في مطابخ البلاط الصفوي في القرن السابع عشر، فهو قد خصص الفصل الأول بأكمله للخبز.

ويلي الخبز أكثر من 20 وصفة لتحضير الرز. وكل واحدة منها تسمى باسم الفاكهة الجافة او الأعشاب التي تستخدم فيها منها (زرشك بلاو مع الدجاج والزعفران). وثمرة البرباريس، عرفتها انجلترا منذ العصر الفيكتوري. ويليه "قيسي بلاو"، أي الرز مع المشمش المجفف والكشمش مع لحم الخروف والزعفران والقرفة و(آجيل بلاو)، وهو الرز المطبوخ مع الكرز الحامض والجوز و(شيرين بلاو)، وهو الرز الذي يقدم في الأعراس والاحتفالات. ويزين باللوز والفستق وقشور النارنج والزعفران. ثم هناك الرز بالروبيان ورز العدس ورز الفاصولياء الخضراء، كذلك اللهانة والجزر. وتذكر مارغريت شيدا في حديثها عن ثقافة طبق الأعشاب الطرية (سابزي خوردان)، وهو بمثابة السلطة مع وجبات الطعام الإيراني، فوائد استعمال النعناع الأخضر مع سكر النبات لعلاج تقرح البلعوم وآلام البطن. واستعمال الطرخون لعلاج سوء الهضم ومنع غازات البطن. وتقول إن أوروبا عرفت عشب الطرخون عن طريق العرب في القرن الثامن. أما الفجل (بالإيراني: وروبجيه) فهو معروف بكونه مفيدا لتصفية الدم وتفكيك الحصو والرمل في الكلية. والأمر المشوق هو ان مارغريت شيدا، حسب اصول الطبخ الفارسي، لا تنصح باستخدام اللبن مع الفاكهة الصيفية الباردة، وهي العادة الشائعة في الغرب حاليا. وتقول ان مثل هذا الخليط ينتج عنه "تعارض الأمزجة" لأن اللبن "بارد" وأغلب الفاكهة الصيفية "حارة". وتوصي بفوائد خلط النعناع مع اللبن مع قليل من الماء البارد كشراب منعش وصحي، وهو مفيد للذين يعانون من التوتر وله تأثير مهدئ.

وفي دورات شهر يونيو (حزيران) ستنقل تجاربها خلال السنوات الثلاثين الماضية من حياتها التي قضتها في بريطانيا لتشرح كيفية تسهيل تحضير مأكولات ايرانية مع الحفاظ على نكهتها الأصلية التي عرفتها في مطبخ منزل عائلتها في ايران أيام صباها، حيث بدأ شغفها "بما كانت تحضره والدتي الماهرة جدا في الطبخ الإيراني التقليدي".

وقالت الدكتورة حائري عن أمها "كنت أراها تكرس وقتا طويلا لتحضير محتويات كل طبخة قبل ان تنهمك في الطرق التقليدية لتحضير الطعام. لكن الحياة في الغرب عموما لا تترك لنا الكثير من الوقت وبالتالي ليس لدينا فرص كثيرة لممارسة الطبخ. وهذا دفعني الى تجارب عديدة لاختصار الطرق التقليدية في تحضير مأكولات ايرانية مع الحفاظ على نكهتها الأصلية.

وربما هذه الصعوبات نفسها تدفع احيانا المهنيات من الإيرانيات الى التردد في محاولة تحضير أكلات ايرانية بالطرق التقليدية، بل إن البعض منهن لا تقتربن منها". لذلك، كما تقول د. حائري "فإن الهدف من هذه الدورات هو ان نقول لهن انه بالإمكان فعلا تحضير طبخات ايرانية دون ان تأخذ منهن وقتا طويلا وهو ما نجحت أنا في تحقيقه من خلال إدخال بعض التعديلات على هذه الطرق ليتسنى لي تحضير أطباق ايرانية في الوقت القصير المتاح لي بعد ساعات العمل في النهار".

* الزعفران والشاي.. من صميم ثقافة الأكل بإيران المطبخ الايراني من اقدم المطابخ فى العالم، وهو يتشابه مع المطبخ اليوناني في تقديمه اصناف عديدة من الكباب، كما يتشابه مع المطبخ الهندي في الارز، وهو مطبخ التوابل والبهارات بامتياز، وأشهرها الزعفران والسماق (يقدم مع اللحم او الدجاج او الاسماك)، الا انه ليس حارا مثل الكثير من المطابخ الاسيوية. والزعفران ليس فقط جزء من المطبخ الايراني، بل من التقاليد الثقافية، فتاريخيا كانت النساء يتجمعن في حلقات بالساعات من اجل قطفه. ومن الاطباق الشهيرة فى ايران «ابجوشت» او «ماء اللحم» (اب/ ماء ـ جوشت/ لحم) وهو مكون من اللحم والفاصوليا البيضاء والبطاطس وعصير الطماطم، وهذه المكونات تطبخ معا. وفى المطعم تقدم فى طبق عميق ومعه هون (آلة دق) معدني، يدق به الزبون المكونات لطحنها معا، ثم يضيف اليها بعد ذلك شربة اللحم ويتم تناولها بالعيش الايراني. ومع هذا الطبق لا مانع من طبق «شيلو كباب» ايراني من الفراخ ولحم الضأن عليه السماق والزعفران والليمون، ومشروب يسمى «دوغ» وهو لبن زبادي مضاف اليه ملح وماء ونعناع، ويشرب كعصير. وربما افضل مكان لتناول هذا الطعام الايراني التقليدي، مطعم ايراني شهير وقديم يسمى «لانه كبوتر» او «منزل الطيور» وهو اسم على مسمى لان بالمطعم نحو عشرة عصافير ملونة، ليست محبوسة في اي قفص تطير فوق رؤوس الزبائن وهم يتناولون طعامهم على «التخت» وهو عبارة عن كنبة كبيرة من الخشب المفروش بالسجاد، وعليه عدة مساند، يجلس عليه الزبائن وهي الطريقة التي كانت تقليدية للاكل في ايران، غير انها باتت نادرة جدا اليوم.

* كيف تشتري العائلة الايرانية الخبز اليومي؟

الشعوب الايرانية تنظر الى شراء العيش اليومي نظرة جادة من حيث ان خبز العائلة يجب ان يكون طازجا كل يوم. وهم يشترونه عادة من مخابز قريبة من مطاعم (جلو كباب) لكن هذا لا يعني ان العيش المستعمل مع الكباب هو نفس النوعية المطلوبة للفطور في الصباح.

وقد يستغرب المرء ان جغرافيا البلاد من الرموز التي تدخل في هذه المعادلة ايضا. فالشعوب الايرانية الساكنة في مناطق بحر قزوين والتي تعتمد في حميتها على الاسماك كثيرا تستخدم الارز والعيش أكثر مما هي الحال في مناطق اخرى من البلاد. اما العيش الايراني التقليدي فيسمى «سنجك» وهو خبز كبير الحجم جدا، والواحد منه يكفي العائلة. ومعنى كلمة سنجك الزلط الصغير، وذلك لانه يخبز على الزلط، اذ توضع العجين داخل فرن مفروش بالزلط الساخن، فيستوى الخبز عليه. وعندما يخرج من الفرن تكون مهمة المشتري ان ينتزع حبات الزلط من على الخبز. ولا بد ان يكون الايرانيون من كبار مستهلكي الشاي في العالم، فهم يشربون الشاي بشكل متواصل، وعندما تزور بيت اي إيراني، يقدم الشاي وغالبا ما يكون خفيفا اصفر اللون مع الفستق او الفواكه المجففة او اصناف من الحلوى. وفي الواقع مذاق هذا الشاي والذي يحرص الايرانيون على جعل النعناع من احد الاعشاب في خلطة الشاي الايراني هو جانب من سر خلطة الشاي الايراني اليومي.