لو تشابهت الأذواق والأهواء لبارت السلع

أسبوع لندن لربيع وصيف 2008.. بين الفني والتجاري

TT

لعل الكاتب أوسكار وايلد أكثر من كتب عن الجمال والموضة، نظرا لاهتمامه الخاص بهما، لذلك عندما يقول «ان الموضة شكل من أشكال القبح التي لا يمكن تقبلها إلى حد اننا نحتاج إلى تغييرها كل ستة أشهر» فنحن لا بد ان نتوقف قليلا عند هذا القول. في حال لم نوافقه الرأي، فنحن سنعتبره مجرد متحامل وإذا وافقناه عليه، فإننا حتما سنفكر انه كان سابقا لأوانه، وفهم ما لم يفهمه غيره. ففي لغة اليوم، مقولته لن تعني قبح الأزياء بل قبح الجانب التجاري. فهو الذي بات يستدعي التغيير حتى لا تركد التجارة وتبور. وهذا ما يقوم به صناع الموضة على أحسن وجه، بل ان طرح الجديد لم يعد يقتصر على طرح تشكيلات جديدة كل ستة أشهر، بل أكثر من ذلك بكثير، بحجة انه اصبح لزاما عليهم تلبية حاجات الزبائن من الملابس الخاصة بالمنتجعات الصيفية، وأخرى للمنتجعات الشتوية وغيرها. وإذا كانت نيويورك قد اتقنت اللعبة منذ البداية إلى حد التفوق على كل من سواها، فإن ميلانو بفضل حرفيتها وعراقتها ايضا استطاعت ان تجمع بين العملي الانيق والتجاري وتحقق لنفسها مكانة مستقرة في الأسواق، فيما حافظت باريس على رقيها وقوتها الاقتصادية بفضل المجموعات المالية الكبيرة التي تسلمت زمام العديد من دور الأزياء وتضخ عليها المال الكثير. في المقابل، ظلت لندن بمثابة الابن الضال لفترة طويلة، نظرا لجنوح أبنائها إلى الجنون والابتكار، ورغم ما حققوه من شهرة ومن ثقة عالمية بأنهم فعلا الأكثر ابداعا، إلا ان هذه السمعة اكدت مع الأيام انها لا تغني من جوع. فجنونها الإبداعي استقطب لها وسائل الإعلام المتعطشة للصورة الغريبة، بل والصادمة في الكثير من الأحيان، لكنه لم ينجح في استقطاب المشترين والمؤثرين الحقيقيين، باستثناء الذين ترسلهم بيوت الأزياء العالمية لاقتناص موهبة جديدة، مثلما حصل مع جون غاليانو، الكسندر ماكوين، ستيلا ماكرتني وغيرهم. تجدر الإشارة إلى ان هذه الاخيرة اختتمت اسبوع لندن، بعد غياب عدة سنوات، بتشكيلة رياضية خاصة بـ«أديداس».

وحتى الذين لم تخطفهم اضواء باريس وإغراء الوظيفة المضمونة وقعوا تحت إغراء اضواء نيويورك لما تستقطبه من مشترين ونجوم على حد سواء. نذكر من هؤلاء أليس تامبرلي، لويلا بارتلي وماثيو ويليامسون، وإن كان هذان الأخيران قد عادا هذا الموسم إلى العاصمة التي شهدت ولادتهما، حاملين معهما الكثير من البريق والحيوية إلى اسبوعها، وليس أدل على ذلك من عرض ماثيو ويليامسون، المعروف بملك موضة البوهو، الذي فاجأ فيه المغني «برينس» الحضور بالغناء على المسرح، فيما رقصت العارضات على كلمات اغنيته «يو غوت دي لوك» في أزياء صارخة الألوان وبلمسات إثنية رائعة.

أجواء أسبوع لندن هذه المرة بدت مختلفة ورائعة ليس فقط لأن شمسها سطعت في أغلب الأيام، لكن ايضا لإيقاعها السريع والحضور المكثف لنجوم ووسائل الإعلام، فضلا عن فعالياتها التي أخذت شكل حفلات مبهرة، وعلى رأسها افتتاح معرض «العصر الذهبي للخياطة« بمتحف فكتوريا اند ألبرت. بعبارة اخرى كل الدلائل تشير إلى ان لندن عادت إلى قوة ايام زمان، أو بالأحرى قوتها في الثمانينات عندما كانت فيفيان ويستوود وحسين تشالايان يعرضان فيها. المشكلة التي عانت منها لندن في التسعينات وما بعد إصرار أبنائها على عدم تغيير اسلوبهم الجانح إلى الجنون احيانا وإحداث الصدمة احيانا اخرى، متناسين ان الاقتصاد يتغير ويؤثر على كل جوانب حياتنا، بشكل أو بآخر، وبأن الفكرة الاساسية التي يقوم عليها أي أسبوع موضة في العالم هي استقطاب ونيل رضا المشترين، الذين بدونهم لا يمكنهم بيع إبداعاتهم وتسويقها. لحسن الحظ انهم تعلموا الدرس، حيث بدأنا نرى محاولاتهم التوفيق بين الفني والتجاري. البعض يعيد الفضل إلى الرئيس التنفيذي لجمعية الموضة البريطانية، ستيوارت روز، الذي تسلم مقاليدها في عام 2004 وقبل التحدي ان يعيد إليها مجدها الغابر، وإخراجها من بؤرة المنافسة القوية التي بدأت تشهدها من قبل عواصم جديدة مثل مدريد التي يتزامن اسبوعها مع لندن، وتقدم فيه ازياء رائعة سواء من حيث التصميم أو التنفيذ أو العملي الأنيق. أي انها تتمتع بكل المقومات التي تجعلها ترقى إلى مصاف العواصم الأربع، مع فرق بسيط أنها لا تتمتع بإبداع لندن ولا روحها الشابة. هذا من جهة، أما من جهة ثانية فإن الفضل يعود أيضا إلى بعض المصممين الذين اكتووا بنار التذبذبات الاقتصادية مما جعلهم يوجهون انظارهم إلى المحلات الكبيرة، مثل «دبينهامز» ليضربوا عصفورين بحجر واحد: تحقيق الربح وإدخال المرأة العادية لعبة الأزياء والموضة من اوسع الأبواب وبأقل التكاليف حتى تظل دورة الموضة متحركة. جاسبر كونران واحد من هؤلاء المصممين الذين اصبحت لهم قاعدة شعبية لا يستهان بها، مع حفاظهم على محلاتهم الراقية التي تخاطب ذوات الإمكانيات العالية. تشكيلته الأخيرة جاءت غنية بألوان الشوكولاتة والألوان الحيادية التي يمكن تطويعها بسهولة في الحياة اليومية، كذلك الأمر بالنسبة للمخضرمة بيتي جاكسون، التي دخلت مجال التصميم في الثمانينات، ولا زالت تنتقل من نجاح إلى آخر بفضل حنكتها وقدرتها على فهم السوق، ومن دون ان تتنازل عن مبدئها في تقديم أزياء عملية وانيقة لكل المناسبات، ولا ترى غضاضة في طرح تشكيلة خاصة للمرأة العادية الإمكانيات في محلات «دبينهامز» ايضا. لعل الوحيد الذي لا يزال يعطي لندن نكهتها المجنونة القديمة، المصمم غاريث بيو، الذي يجنح إلى التصميمات الخيالية احيانا والحداثية احيانا اخرى باستعمال خامات غريبة وألوان متضاربة قد يصعب تقبلها للوهلة الاولى لكنها تجعل المصورين يتهافتون عليها ويهللون لها من باب التغيير والخروج عن المتعارف عليه، خصوصا الذين يعتقدون بان الأزياء جزء من الفانتازيا التي نعيشها، أو وسيلة تواصل تبوح بالكثير لكن بصمت. لكن غاريث بيو لا زال في مقتبل العمر وأمامه فرصة في أن يهذب جنوحه مع الوقت، كما حصل مع ألكسندر ماكوين. المهم الآن ان يثير الانتباه ويحرك اجواء لندن. أما ان تؤخذ تصميماته بجدية فهذا أمر آخر.