امرأة تهمتها الجمال

مطالبة دائما بإثبات حسن النوايا والكفاءة

TT

"وكم رمت قسمات الحين صاحبها، وأتعبت قصبات السبق حاويها. وزهرة الروض لولا حسن رونقها، لما استطالت عليها كف جانيها". كلمات اثارتها قصة احدى الجميلات التي لم يجلب عليها جمالها سوى المتاعب. قالت دامعة العينين:"ليتهم يأخذون جمالي ويدعون لي الحرية في العيش بهدوء. لقد تمنيت أن تزول عني نعمة الجمال تلك حتى أتخلص من ملاحقة العيون لي كلما ذهبت لطلب العمل في أي مؤسسة، فغالباً ما أضطر لترك عملي بعد عدد من المواقف التي تجرح كبريائي كامرأة وكرامتي كإنسانة. الجميع يعتقد أنني فريسة سهلة الاصطياد. ورغم حاجتي للعمل لمساعدة زوجي في الإنفاق، إلا أن فترات مكوثي في البيت تطول كثيراً". فعلى غير السائد، هناك حالات واقعية تقول إن الجمال ليس دائماً مصدر سعادة لمن تتمتع به، فمن منا لا يتذكر مارلين مونرو، التي على الرغم من جمالها الباهر، والذي كان بوابة دخولها إلى عالم السينما بعد حياة بائسة قضتها في طفولتها وصباها، إلا أنه أيضاً كان الباب الذي دخلت منه الأحزان والتعاسة، لتنتهي حياتها في قمة شبابها مقتولة أو منتحرة، لا أحد يعلم. بعد موتها انكشفت الكثير من الحكايات التي تحكي عن مدى تعاستها في حياتها الخاصة، بدءاً من فشلها في العثور علي الحب الحقيقي رغم ملاحقة الرجال لها، انتهاء برفض النساء لها بسبب غيرتهن من جمالها الأخاذ الذي كان يثير الشكوك حولها.

"نقمة الجمال لا تقتصر على مونرو بحكم نجوميتها، ولكنها تمتد إلى العديد من النساء اللاتي يشغلن مواقع مهمة في كافة المجتمعات" هكذا بدأ الدكتور هاشم بحري أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر حديثه، مؤكداً أن المرأة الجميلة يقع عليها دائماً عبء إثبات حسن النوايا في علاقتها بالأخريات، والقدرة على النجاح في ما تؤديه من أعمال إذا كانت من النساء العاملات. ويضيف موضحاً: "للأسف الكثير من الناس ينظرون إلى الجميلات وكأنهن تحف فنية يجب التمتع بها وبمظهرها فقط. فعلى المستوى الاجتماعي تعاني المرأة الجميلة من غيرة النساء المحيطات بها حتى وإن أبدين لها عكس ذلك من خلال عبارات الترحيب والتودد، ويسعين بإرادتهن أو من دونها إلى إقصائها عن مجتمعاتهن خوفاً على أزواجهن منها. وقد يصل الأمر إلى ترديدهن حكايات تقلل من شأنها، مثل عدم قدرتها على إدارة شؤون بيتها أو ضحالة ثقافتها أو قدرتها على التعامل مع الآخرين، وأحياناً تتطور الأمور للنيل من سمعتها. وتزداد مأساتها إذا كانت عاملة، حيث تقضي وقتاً طويلاً في محاولة إثبات قدرتها في العمل وأنها تمتلك مهارات وكفاءات اخرى غير الجمال تؤهلها لأداء مهامها باقتدار. فيستغرق منها ذلك وقتاً طويلاً حتي تستطيع وضع الأمور في نصابها. والنتيجة ليست دائماً في صالحها، فالبعض منهن يفضلن ترك العمل إذا لم يستطعن التواؤم مع نظرات الرجال في العمل لها، والبعض الآخر قد يواصلن العمل ولكن تحت ضغوط نفسية شديدة قد تتسبب في إصابتهن بالاكتئاب. منذ سنوات قدمت الممثلة العالمية مونيكا بيلوتشي فيلماً بعنوان"مالينا" عبر عن مأساة المرأة التي حباها الله بالجمال الأخاذ، وتدور أحداثه في إحدى قرى جزيرة صقلية، حين يذهب أحد الرجال للمشاركة في الحرب العالمية الثانية، تاركاً وراءه زوجته الفاتنة "مالينا"، والتي تتحول حياتها إلى جحيم بسبب ملاحقة الرجال لها وغيرة نسائهم منها إلى الحد الذي يطلقن فيه الشائعات التي تؤكد علاقتها بآخرين غير زوجها. وفي الوقت الذي تصمد فيه مالينا يأتيها خبر وفاة زوجها فيزداد الهجوم عليها من كلا الطرفين، الرجال بملاحقتهم لها، والنساء بحقدهن عليها، فلا يتركنها حتى تتحول إلى إحدى فتيات الليل.

على الجانب الآخر نجد ان المرأة الفائقة الجمال ليست دائماً ضحية الآخرين، ففي بعض الأحيان تكون ضحية نفسها، خصوصا عندما تصاب بالغرور الذي يدفعها إلى تضخيم الذات معتبرة أن ما لديها منه يكفي لتحكمها في مقاليد الأمور، تأمر فتطاع، وتطلب فتلبى لها كل الأمنيات والرغبات، في الوقت الذي تفتقد فيه لحلاوة الحديث ومرونة التصرف، لينطبق عليها المثل القائل" كوني جميلة وأصمتي". ويحكى أن الفيلسوف الشهير برنارد شو جلس يوماً مع امرأة شديدة الجمال فقالت له: تعلم أنه لو تزوجنا، يمكننا إنجاب طفل يأخذ مني الجمال، ويرث عنك العقل؟ فرد عليها شو ساخراً: "أخشى لو تزوجنا أن يحدث العكس، ننجب طفلاً يشبهني في الملامح، ويأخذ عنك عقلك". "مقولة برنارد شو عبرت ببساطة عن الاعتقاد الذي يتملك بعض الجميلات اللاتي يرددن لأنفسهن بين الحين والآخر عبارة "أنا جميلة..وكفى" هكذا تحدثت الدكتورة سمية محمود، استاذة الطب النفسي بجامعة بنها، موضحة أنه لا يشترط في المرأة الجميلة الغرور وضحالة الثقافة، ولكن نسبة ليست بالقليلة من هؤلاء بتن هكذا، متناسيات حقيقة مهمة مفادها أن الجمال السطحي مهما طال عمره فلا بد له من زوال، تماماً كالأزهار التي وصفها الكاتب الإنجليزي الشهير وليم شكسبير في إحدى مسرحياته بالقول:"عندما تذبل الأزهار تصبح رائحتها أسوأ من رائحة القصب". ولهذا فالمرأة الجميلة التي لا تعد ذاتها ليوم يغيب فيها عنها الجمال قد لا تتحمل زواله أو ذبوله على الأقل من الناحية النفسية. الإعلامية المصرية ليلى رستم مذيعة التلفزيون المصري، التي اشتهرت في حقبة الستينات من القرن الماضي، كثيراً ما تعرضت لاتهامات وهي في قمة شهرتها بأنها مغرورة بسبب جمالها، وهو الاتهام الذي تجاهلته لسنوات طويلة ولم ترد عليه، إلا انها قالت في حديث لـ "الشرق الأوسط" أن جمالها كان لافتاً للنظر بالإضافة إلى ثقافتها العامة في كافة المجالات وهو ما منحها النجاح حتى بعد تركها العمل التلفزيوني في مصر والعالم العربي، مؤكدة أنها قد تكون تعرضت للغيرة من قبل بعض النساء، سواء في العمل أو خارجه، لكن ردة فعلها كانت دائما هي التجاهل. وأضافت: "الجمال نعمة فقط لمن يدرك قيمتها ويعرف أنها ليست كل شيء، المهم اللباقة والثقافة والتواضع وكلها أمور تفتح الباب الى القلب بلا صعوبة".