الصالون المغربي يرتدي ثوب القفطان .. ويصمم بالكومبيوتر

سعره قد يصل إلى 20 ألف دولار

البيت المغربي ساير التطور الذي حصل في مجال الهندسة الداخلية التي اصبحت تتميز بالبساطة والانسيابية («الشرق الاوسط»)
TT

كانت العائلات المغربية العريقة في الماضي حريصة على ان يتضمن جهاز العروس، بالاضافة الى الازياء التقليدية من قفاطين وجلابيب، قماشا من النوع الممتاز ومفارش مملوءة بالصوف الطبيعي لتأثيث "صالة" الاستقبال الرئيسية في البيت بغض النظر عن الثمن، لانها ستكون بمثابة الواجهة البارزة للضيوف والزائرين، وقيمتها تعكس المكانة الاجتماعية للعروس وعائلتها. والاهم من كل ذلك ان هذا الصالون سيبقى في البيت لسنين طويلة لن يتغير، وتبقى المرأة فخورة به يذكرها بشبابها ويوم زفافها، لذلك تبقى حريصة على ان يحافظ على رونقه ولا يبلى ابدا، ومن اجل بلوغ هذه الغاية، كان محرما على اهل الدار دخوله الا في المناسبات او عند استقبال ضيوف مهمين.

ويتميز الصالون المغربي في شكله التقليدي بتكثيف الزخرفة واستعمال الالوان المتضادة مثل الاحمر والاخضر، بدءا من الفسيفساء على الجدران، وقماش المفارش، والارائك الخشبية المنقوشة، والسجادات الملونة، ثم الاكسسوارات التقليدية التي هي عبارة عن اواني صنع الشاي، ومزهريات مصنوعة من النحاس او الفضة،فيما يشبه الى حد كبير "الجلسة" الشرقية، واجواء القصور الاندلسية.

لكن شتان بين الأمس واليوم، فالأمور تغيرت كثيرا وجيل الشباب يميل الى التغيير والتجديد واللمسة العصرية، لذلك تغيرت بعض ملامح الصالون المغربي التقليدي، واصبح خاضعا بدوره لخطوط واتجاهات الموضة التي تطال كل شيء، ولم ينقذ اصالته سوى استفادته من الموجة العالمية السائدة التي تحتفل بكل ما هو "اثني" وكان للديكور المغربي نصيب لا يستهان به في هذا المجال.

وبسبب الاقبال على الصالون المغربي في شكله العصري، ظهرت العديد من المحلات المتخصصة اما في بيع الاقمشة الفاخرة المستوردة، او المتخصصة في تجهيز الصالون من الالف الى الياء، طارحة امام الزبائن مجالا واسعا للاختيار بين الالوان والاشكال و"الموديلات" الملائمة لكل بيت.

وفي هذا السياق، تقول مهندسة الديكور نرجس بنموسى من محلات "ديكوميا" في الرباط لـ "الشرق الاوسط"، ان المهندسين المتخصصين في الديكور الداخلي، هم الذين فرضوا النمط العصري على الصالون المغربي، والبيت المغربي ساير التطور الذي حصل في مجال الهندسة الداخلية التي اصبحت تتميز بالبساطة، والانسيابية في زوايا البيت. وتشير إلى انه من بين الاشياء الاساسية التي تغيرت التخلي عن "الزليج"، أو الفسيفساء على الجدران، وهي ميزة البيت المغربي التقليدي القديم، وتبعا لذلك تم التركيز على تأثيث الصالون بشكل عصري واطار تقليدي. فالصالون المغربي، كما قالت، لم يتغير كليا، بل استفاد من الابداعات والتصميمات المبتكرة للصالون الاوروبي، مثل الشكل الهندسي للارائك، اما على مستوى الاقمشة، فهي نفسها التي كانت مستعملة في الماضي في "رياضات" المدن العتيقة مثل فاس ومراكش والرباط وسلا، مثل القماش المقصب الذي يأتي بأشكال متنوعة مثل "بنشريف "، و"البهجة". وقد تم اكتشاف هذه الاقمشة من جديد وإعادة صياغتها وتوظيفها في اطار عصري مبتكر، يعتمد على مزج ثلاثة انواع من الاقمشة الرفيعة المتقاربة في الاشكال والالوان، بدل قماش واحد كما كان سائدا من قبل. كما تزين الوسائد بالخرز الملون لاضفاء المزيد من الانسجام والابتكار على شكل الصالون الذي يتخذ في حد ذاته شكل لوحة فنية، على حد تعبيرها، أو يأخذ بعدا عالميا. وبما ان الستائر اساسية في الصالون المغربي، فقد تم توظيف اقمشة مترفة من الساتان والحرير والمخمل، في تصميمات عصرية مزينة بالخرز. لكن لا يمكن الحديث عن الصالون المغربي التقليدي دون الحديث عن السجاد، أو ما يعرف باللهجة المغربية بالزربية "البلدية" او الرباطية نسبة الى مدينة الرباط . فهذه الأخيرة تتميز بأنها من الصوف الطبيعي، وباللون الاحمر الفاقع الذي تزين جوانبه رسومات ملونة بأشكال فنية تجعلها تبدو من بعيدة وكأنها لوحة رسمها فنان. ولهذا السبب فهي من أهم عناصر الصالون المغربي. الجميل في الأمر انه لا يشترط فيها ان تتلاءم مع الوان قماش الصالون، على العكس تماما من الصالون العصري، حيث يجب ان تتلاءم الزربية او السجاد بشكل دقيق مع قماش الصالون، ويراعى عند اختيار أي سجاد أن يكون بالوان متقاربة، ونقوشات خفيفة جدا، او بلون موحد، حتى تتم المحافظة على الانسجام بين قطع الاثاث المكونة للصالون وبالتالي. وتقول بنموسى انه على الرغم من الجمالية والفنية إلا ان الزربية "البلدية" الحمراء لا مكان لها في الصالون العصري، وتشير أيضا إلى انه من بين التغييرات التي طرأت على الصالون المغربي، شكل الطاولات الخشبية التي توضع فوقها المفارش، فقد اصبحت رفيعة وبنقوش خفيفة، ولون غامق. من جهته، قال كريم بنشقرون، المتخصص في الديكور المنزلي،ان التغيير والتطوير فرض نفسه على المجتمع وعلى أسلوب الحياة. ففي الماضي كان المغاربة ينفقون اموالا كبيرة بغرض تجهيز صالة الاستقبال الرئيسية في المنزل، لكنها لم تكن تستغل من طرف اصحاب البيت، وتبقى مرتبة طوال الوقت لكن مقفولة لا يدخلها احد الا الضيوف، بينما الآن، فالناس يريدون ان يستمتعوا بالجلوس في صالون البيت واستعماله بشكل يومي، مثل ما هو حاصل في أوروبا. وبسبب ذلك، اصبح المطلوب تجهيز صالون عملي وعصري، يستغل لمدة عام او عامين ثم يتم استبداله بآخر. ويعلق بنشقرون بأن هذه العقلية لم تكن موجودة عند الآباء، حيث كان الصالون التقليدي يعمر في البيت خمسين عاما او اكثر.

وبما ان العقليات تغيرت، فمن الطبيعي ان تتغير ادوات العمل أيضا، فالنقش اليدوي، مثلا، لحاملات المفارش التي كانت تستغرق شهورا، اصبحت تتم عن طريق الليزر في مدة قد لا تتعدى نصف يوم، ولن تطول حيرة الزبون في اختيار ما يلائم صالون بيته من اشكال والوان واقمشة، اذ بامكانه ان يشاهد شكله النهائي مصمما على الكومبيوتر اولا، ثم يوافق عليه بعد ذلك، حتى لا يفتح الباب لأي مفاجآت غير سارة، او سوء فهم بين الصانع التقليدي والزبون، حسبما قاله بنشقرون، الذي أضاف ان كل هذا لا يعني التخلي نهائيا عن العمل اليدوي، فبعض التفاصيل تتطلب عملا يدويا متقنا من طرف الصناع .

وعلق بنشقرون ان ديكور الصالون اصبح يصمم مثل القفطان، فالاقمشة المستعملة مواكبة لآخر خطوط الموضة العالمية، كما انها متقاربة على مستوى الخامات والتطريزات والالوان مع تلك المستعملة لخياطة القفطان الى درجة ان بعض النساء اختلط عليهن الامر، وكثيرا ما تصادف سيدة ترتدي جلبابا او قفطانا من ثوب مخصص للستائر او لتغليف الصالون، كما ان "السفيفة" التي كانت تزين واجهة القفطان انتقلت الى الوسائد.