الأمومة بعد الأربعين

إنجاب الأم وهي في العشرينات يختلف عما هو عليه وهي في قمة نضوجها

النجمة مادونا أنجبت طفلتها البكر وهي على مشارف الأربعين وطفلها الثاني وعمرها 42
TT

بعد عشرة أعوام من العلاج والمحاولات الفاشلة، حملت سهام ورزقت طفلا رائعا، كانت قد تجاوزت الأربعين بعام. لكن ذلك لم يثنها عن رغبتها في طفل يمنحها نعمة الأمومة على رغم التحذيرات المتواصلة من تبعات الإنجاب في هذه السن. لم تخف من الانقلاب الذي طاول العادات التي يجب تغييرها لتتأقلم مع الحياة الجديدة، ومع المولود الجديد. لم تندم على فقدانها حرية الخروج من البيت، او اضطراب ساعات نومها او تأجيل فرص السفر إلى الخارج. لم تتوقف لحظة عند إمكانية تقويض حياتها المهنية التي لا يمكن تعويضها بسهولة في هذه السن. اكتفت بضم المولود الجديد إلى صدرها وودت أن تحكي للعالم اجمع عن سعادتها. بائع الخضار في الحي لاحظ مدى التغيير الذي طرأ عليها، كذلك طبيب الأسنان وزبائن زوجها.

وسهام ليست حالة استثنائية بين النساء. فالرغبة في الإنجاب بعد تجاوز العقد الرابع تسجل ارتفاعا مستمرا. وتشير بعض الدراسات على دائرة سكانية محدودة إلى أن 27 ألف امرأة أصبحن أمهات في أعمار تقارب الأربعين مقابل ثمانية آلاف قبل عشرين عاما. إحدى المجلات الطبية المتخصصة أوردت ان النسبة ارتفعت إلى 74% عما كان عليه في 1981.

وتعتبر الفنانة العالمية مادونا رمزا تقلده النساء، ليس فقط في الولايات المتحدة، إنما أينما كان، في مسألة الإنجاب المتأخر، كذلك هالي بيري وجوليا روبرتس وجينا ديفيس وهولي هانتر.

وفي حين كانت سن الأربعين عند المرأة بداية مرحلة حرجة تخافها وتصيبها بالتوتر لشعورها بأنها بدأت بالانحدار من ربيع الحياة والأنوثة والجمال، نجد أن الحمل تحرر هذه الأيام من حاجز السنوات. فالتقنيات و العلوم الطبية الجديدة صارت تسمح للمرأة بأن تكون حاملا و بصحة جيدة.

ومع ارتفاع معدلات عمر النساء التي بلغت حدود الثمانين تبدو فكرة الإنجاب في الأربعين مقبولة، لذا فكل امرأة ترغب في الإنجاب في تلك الفترة لن تكون غير واقعية.

لكن لإنجاب المرأة في سن الأربعين جملة تأثيرات منها القلق النفسي، خشية على الجنين الذي قد يتأثر نفسه من حالة الأم هذه. ذلك ان التقدم العلمي لا يحول دون مبادرة الأطباء إلى التحذير من تضاعف خطر الإصابة بحدوث تشوهات قد تصيب الجنين بسبب تأثير العقاقير وأمراض الحمل الفيروسية كالحصبة الألمانية وغيرها، إضافة إلى أن إمكانية أداء أعضاء الجسم المختلفة كالقلب والجهاز الهضمي والكبد والكُلى قد تضعف ولا تفي بمتطلبات الأم والجنين. من دون أن نغفل احتمال إصابة الأم بأمراض القلب أو السكري وغيرها في هذه السن مما يترك أثره في الجنين. من هنا يفرض على المرأة التي تحمل في هذه السن المتابعة الدقيقة مع طبيبها قبل الحمل وخلاله.

وكثيراً ما نجد النساء الراغبات في الإنجاب في تلك السن هن اللواتي يتزوجن في سن متأخرة.. ثمة شيء آخر يكمن في أن الزوجين اللذين ينشغلان بالحياة الاجتماعية او ينصاعان للضغط الاقتصادي في بداية حياتهما الزوجية ويكتفيان بابن وحيد أو ابنين اثنين، يسارعان مع التقدم في العمر وما يرافقه من استقرار ونمو اقتصادي إلى إعادة النظر في أوضاعهما والمسارعة إلى الإنجاب بسرعة قبل فوات الأوان.

ما يساعد على تحقيق مثل هذه الأمنية التزام التقيد بالتوجيهات والعناية الطبية أثناء الحمل وهي باتت تساعد على تجاوز المخاطر التي تتصل بتقدم العمر. وبفضل الأشعة الدقيقة و الزيارات المستمرة للطبيب، فإن استمرار الحمل يبدو ممكنا من حسن حظ الأم والطفل معا، فالأخطار تبدو متضائلة مع المستوى الذي بلغه العلم الطبي. وإنجاب طفل في الأربعينات ليس حدثا عاديا، سواء للأم أو للأب أو حتى للأشقاء والشقيقات الذين يتحولون إلى آباء وأمهات صغار. فمثل هذا المولود الذي يأتي في «غير موسمه» كفيل بتغيير حياة الأسرة وإيقاعها.

فالأم التي تكون «عريقة» في التربية، تجد أنها تتعامل مع المولود الجديد بأسلوب لم تتعوده مع أبنائها الآخرين، تخاف عليه أكثر وتتعب لأجله أكثر. تراقب حركاته وتناغيه وتدهش لابتسامته اللاإرادية وكأنها تستمتع بكل ما سيجلبه لها من فرح واكتشافات.

سوسن كانت تعيش ظروفا خاصة عندما أنجبت ابنتها الأولى، كانت قد تزوجت وهي تتابع وزوجها دراستهما الجامعية خارج لبنان، وبالتالي كانت وحيدة في الغربة. أما عندما أنجبت ابنها بعد 13 عاما، فكانت قد استقرت مهنيا واقتصاديا، تقول: «ابني الثاني أنجبته بمزاج. تحينت اللحظة المناسبة. وحاولت أن أعوض في تربيته كل ما لم استطع أن أوفره لابنتي حين كنت في الثانية والعشرين. صرت أكثر مرونة وأقل حزما. وأشعر أن سعادة ابني وفرحه أهم كثيرا من علامتين إضافيتين او ثلاث علامات لإحدى المسابقات في مدرسته».

ماذا عن موقف الابنة الكبرى من طفل جديد طارئ على العائلة؟.. في البداية انتابتها الغيرة الشديدة لمجرد ولادة طفل آخر في العائلة، لكن بعد ان استوعبت الحدث نصحت والدتها ان لا تكرر الأخطاء التي ارتكبتها بحقها مع أخيها الصغير. كأن تبالغ في الحزم لجهة التهذيب والتشدد في التربية والسلوك المستقيم كي لا ينال الصدمات التي تعرضت لها في مواجهة مجتمع لا يخلو من فساد. وتشير سوسن إلى ان نوعية الأطفال الذين تربيهم الأم وهي في العشرينات تختــلف عن نوعية الاطفال الذين تربيهم وهي في قمة نضوجها واستقرارها بعد الخامسة والثلاثين. وتضيف ان زوجها كان يريد هذا الطفل بإلحاح، لأنه لا يريد أن تقتصر عائلته على ابنة واحدة، عدا عن شعوره الغريزي بحاجة إلى طفل ذكر يحمل اسمه. كذلك يدخل على خط الإنجاب المتأخر إلحاح المجتمع العربي، فهو ينظر الى الأم التي تنجب ابنا واحدا وكأنها اصبحت عاقرا بين ليلة وضحاها، فيتجند الأهل والجيران وحتى مزين الشعر والخياطة للاستفسار عن التقصير الحاصل. ما يحفز المرأة على اتخاذ مثل هذا القرار. وغالبا ما يكون القرار ناجحا، لان الأمهات البالغات 35 سنة أو أكثر، هن الأكثر جدية من الأمهات البالغات 25 سنة، ربما لأن عامل السن يلعب دوره، فكل أم متقدمة في السن تعتبر حملها المقبل هو الأخير، على عكس الأم البالغة 20 عاما. وقد يرى بعض الاختصاصيين ان على المرأة أن تسعى الى إنجاب أولادها بين العشرينات والثلاثينات من عمرها، ليس فقط تجنبا للأخطار التي يمكن ان تهدد صحتها وصحة المولود، إنما كي تتمتع بتربيتهم ورؤيتهم شبابا وترى أحفادها أيضا. الأمر يحمل وجهة نظر. لكن وجهة نظر أخرى تطرح نفسها. فالمرأة التي تصل الى الأربعينات وهي في صحة جيدة وقدرة نفسية وبيولوجية على الإنجاب، وغالبا لا تزال تتمتع بمظهر لائق، لابد ستشعر بفراغ كبير إذا كبر أولادها واستقلوا عنها وتركوها وحيدة. ويمكن رصد بعض الحالات عن أمهات أرغمن على فطام أنفسهن عن أولادهن وهن في قمة عطائهن الأمومي. تقول إحدى هؤلاء الأمهات: «اندم كثيرا لأنني أنجبت أبنائي الثلاثة ولم أكن قد تجاوزت الخامسة والعشرين. كبروا بسرعة وأخذتهم دروب الحياة. وبقيت وحيدة مع زوجي نعاني فراغا لا يناسب إيقاع حياتنا النشيط. لو أنني انتبهت وأنجبت طفلا بعد بلوغي الخامسة والثلاثين، لكنت تجنبت وحدتي هذه وملأت أيامي بتربية هذا الطفل ليبقى لي ولزوجي رفيقا ونحن على عتبة خريف العمر». نساء أخريات احتطن للأمر.. او حملن بالطفل الأخير صدفة وكانت النتيجة أكثر من رائعة، تصف ليلى هذا الأمر فتقول: «كنت قد تجاوزت الخامسة والأربعين ودخلت فترة اضطراب العادة الشهرية، وبالتالي حسبت أني لن احمل بعد الآن، لكن الحمل حصل، صنفته وزوجي غلطة. وبدأنا نفكر في طريقة تصحيحها، ناقشنا الأمر مرات ومرات، شعرت بالخجل، لا سيما أن ابنتي كانت عقدت خطوبتها وتعد عدتها للزواج. ذهبت الى الطبيب باكية، لكنه حدثني بهدوء وشرح لي ان هذا المولود سيجدد حياتي. اخبرني عن نساء غرقن في الأمراض العصبية بعد الفراغ الذي عانين منه عندما استقل أبناؤهن. ترددت كثيرا قبل اتخاذ القرار، في نهاية الأمر قررنا زوجي وأبنائي وأنا الإبقاء على الجنين. واليوم بعد مرور 15 عاما اعرف الغلطة التي أثمرت آخر العنقود أعطت حياتي أحلى المعاني. من أجل هذا الصغير اهتم بشكلي واصبغ شعري وأتزين وأمارس الرياضة ليقدم أمه الجميلة الى أصدقائه».