أبناء يرهقون آباءهم بالطلبات.. ولا يرضون إلا بالغالي

بحثا عن الترف أم تعويضا عن الحنان

TT

«لماذا ولدتني اذا لم تكن قادرا على تلبية طلباتي؟»، بهذه العبارة القاسية يواجه الأبناء آباءهم وأمهاتهم هذه الأيام، عندما يعترضون أحيانا على عدم استطاعتهم تلبية طلباتهم التي لا تنتهي. الأمر أصبح مشكلة رئيسية يعاني منها الكثير من البيوت المغربية، ولا تكاد تختلف في تفاصيلها من أسرة إلى أخرى، وكأنها صفة مشتركة لجيل بكامله من المراهقين طغت عليه ثقافة حب المظاهر المادية. ويرى معظم الآباء ان اهتمامات أبنائهم تنحصر في الشكل والمظهر، فهم يرهقونهم بطلبات لا تخرج عن هذا الاطار: ماركات ملابس معروفة، احذية رياضية، هواتف محمولة، أجهزة الكترونية، دراجات نارية، وحتى سيارات، غير مكترثين بالقدرة الشرائية لآبائهم. ويبرر هؤلاء المراهقون رغبتهم في اقتناء السلع الغالية بضرورة مواكبة الموضة التي لا تتوقف عن التغير. يقول أحد الآباء: «في زماننا، كنا لا نتجرأ على ان نطلب من ابينا شراء ملابس او احذية، رغم حاجتنا الشديدة لها الا اذا تكرم علينا بذلك، وغالبا ما كان يتم ذلك في المناسبات والاعياد، كما كنا نفرح بأي شيء يقدم لنا، بغض النظر عن السعر او الموضة. اما حاليا فعملية الشراء لا تتوقف طوال العام ،ولا يقبل اولادنا، الا كل ما هو غال مما تطرحه الشركات التجارية التي تستعمل كل وسائل الاغراء لدفع الشباب لاقتناء منتجاتها. حلمهم الكبير أن يحصلوا على قطعة ملابس «اصلية». ويتابع: «وهذا ما فتح الباب للمنافسة بين طلاب المدارس والثانويات التي تحولت الى فضاءات لاستعراض آخر صيحات الموضة، ومكانا لإثبات الوجاهة الاجتماعية الزائفة». ويقول أب آخر: ان «المقلق في الامر هو ان هؤلاء المراهقين غير مكترثين بالتحصيل الدراسي، وهي صفة اخرى تجمع بينهم، فلولا الحاح الآباء عليهم بضرورة واولوية التعليم، لغادروا مقاعد الدراسة باكرا، بل ان التفوق الدراسي تحول الى موضوع للمساومة. فالابن يشترط على ابيه الحصول على مكافأة مسبقة اذا ما اراده ان ينجح، وكأنه لا يدرس الا من اجل ابيه او امه اللذين لا يكفان عن ملاحقته طوال اليوم بالترغيب او الترهيب من اجل الاهتمام بدروسه، مستغلا هذه النقطة لصالحه. فاذا حصل على معدل مرتفع، فهو يطلب الحصول على هاتف جوال آخر موديل، او حذاء رياضيا لا يقل عن 150 دولارا، او دراجة نارية، او كاميرا رقمية، وغيرها من الأشياء المادية التي اصبحت تسيطر على تفكيرهم اكثر من أي دراسة او تحصيل علمي».

وامام هذا الوضع يرى بعض الآباء انه لم يعد امامهم خيار آخر، سوى الاستسلام لطلبات ابنائهم، مهما كلفهم ذلك من تضحيات مادية، خوفا عليهم من الشعور بالحرمان الذي عانوا منه في طفولتهم،والذي قد يؤدي بهم الى الضياع، وإهمال الدراسة، ومصاحبة اصدقاء السوء، خصوصا وان «الزمن تغير والمغريات كثيرة امامهم». وبالموازاة مع الطلبات المتعلقة بالمظهر الخارجي، يشكو الآباء من مشكل آخر له صلة بالاول، هوان ابناءهم لا يحسنون التصرف بالمال الذي يحصلون عليه، فيبذرونه في اقتناء «السندوتشات»، او اقراص الموسيقى المدمجة، وغيرها من الاشياء التافهة في نظرهم، ثم لا يترددون في المطالبة بمبالغ أخرى باستهتار، ومن دون اكتراث لأي ظروف مادية قد تعاني منها الاسرة. لكن قبل محاسبة الابناء هل سلوك الآباء سليم حيال ابنائهم؟ ولماذا لا ينجحون في تفهم احتياجاتهم، علما ان أي سلوك يصدر عن المراهق هو نتيجة لتربية والديه؟ أخذنا هذه الأسئلة وغيرها إلى فاطمة الكتاني الاختصاصية النفسية، التي قالت لـ «الشرق الأوسط»: ان العلاقة بين الآباء وابنائهم في سن المراهقة تكون صعبة، وغالبا ما تعتريها المشاكل، لانها مرحلة فاصلة بين الطفولة والرجولة. غير ان ما يحصل، هو ان معاملة الابوين لابنائهم لا تتغير كثيرا، ويستمرون في معاملتهم كأطفال، من خلال اتباع اسلوب الاوامر والنواهي، خوفا عليهم من الانحراف، او الفشل الدراسي، وهنا تنشأ ازمة كبيرة في العلاقة بين الطرفين، عنوانها عدم التفاهم على مستوى الافكار والطموحات والاحتياجات».

وتؤكد الكتاني ان المراهق محتاج الى حنان ورعاية من طرف والديه، واسلوب آخر للحوار والتفاهم بعيدا عن الاوامر، أي بالاصغاء اليه وتفهم احتياجاته واهتماماته حتى وان بدت للآباء سخيفة، ثم الكف عن توجيه النقد المستمر اليه بسبب مظهره، ونوعية لباسه او افكاره، لأن من شأن ذلك زيادة تأزم العلاقة اكثر بين الطرفين، ودفع المراهق الى العزلة داخل البيت، وتفضيله لاصدقائه الذين يقاسمونه نفس الافكار والاهتمامات.

اما بخصوص تزايد الطلبات المادية للمراهقين، فهي نتيجة، بنظرالكتاني، لفقدان الحنان لدى المراهق الذي يعبر عن ذلك من خلال كثرة الطلبات.

اما بالنسبة للآباء، ونظرا للعلاقة العاطفية التي تربطهم بأبنائهم، فهم يشعرون بالذنب والتقصير تجاههم، ويخافون ان يشعروا بالاهمال بحكم اشغالهم الكثيرة، وبالتالي يصبح التعويض ماديا.

وتضيف ان العلاقة بين الآباء والابناء مختلفة عما كانت عليه في السنوات الماضية، فالعالم تغير كليا من حولنا، بسبب العولمة، والاختراعات المادية، مثل الهاتف الجوال والانترنت، ولذلك يشعر الآباء بأن ابناءهم لا يشبهونهم في شيء، وهذا واقع يجب التكيف معه وليس رفضه. وتضيف ان «الخطأ الاكبر الذي يقع فيه الآباء هو التذبذب بين القسوة واللين، وبين الحوار والقمع، والتساهل والشدة، والتراجع عن القرارات، ثم اللجوء الى اسلوب المن في العطاء، واشعار الابن بأن كل ما يقدم له لا يستحقه، وهذه الطريقة في معاملة الابناء هي التي تدفعهم الى عدم احترام آبائهم، ومن ثم المبالغة في العناد والتحدي، واغراقهم في لائحة الطلبات، كتعبير عن الرفض للقوانين غير الواضحة والتذبذب في المعاملة التي يتلقونها من الوالدين».

وتلقي الكتاني كامل المسؤولية على الوالدين لتغيير سلوك ابنائهم، مؤكدة ان تلبية طلبات الابناء من دون قيد، سلوك خاطئ، وعلى المراهق ان يكون على وعي بالامكانات المادية لاسرته، كما تنصح باعتماد الحوار الهادئ بدل الجدل العقيم، واتباع اسلوب واضح وجدي في المعاملة.