عندما يتزاوج الفن والتجارة

معرض في لوس أنجليس لدار «لوي فيتون» للأزياء.. والفنان تاكاشي موراكامي يثير جدلا

TT

ركزت كيري ايفلسيزور نظرها على حقائب اليد المنظمة بطريقة أنيقة على الرفوف البيضاء، ولم تكن متأكدة من انطباعها حول المعروضات، المرصوصة في شبه جزيرة مساحتها ألف قدم مربع داخل متحف الفن الحديث في لوس انجلوس، فقد كانت هناك لتتسوق.

شعرت ايفلسيزور، التي أتت خصيصا من سان فرانسيسكو لمشاهدة معرض للوحات وتماثيل الفنان الياباني تاكاشي موراكامي، بالسعادة. هذا محل للبضائع الفاخرة ـ تديره شركة لوي فيتون ـ في قلب متحف.

وتمكنت من الحصول على قطعة قيمة عبارة عن حقيبة يد من تصميم مارك جايكوب، المصمم الفني لدار فيتون، تحمل شعار الشركة ـ وواحد من صور موراكامي الكارتونية. ولاحظت الجمهور الذي يتجول بـ «تي ـ شورت» وبنطلونات جينز فاخرة وأحذية عالية السيقان، مما لا يدعو للشك لأن «هناك نسبة كبيرة من الناس أتت هنا لشراء الحقائب» حسبما قالت.

كان الزوار يتخاطفون المنتجات الجلدية لأنها كانت مطروحة بعدد محدود، وتحمل الرسوم الكارتونية لموراكامي وتشيبي كينوكو، التي تتخذ دائما شكل الفطر. وكان الجميع يشعرون بأنهم يشاهدون زواجا بين الفن والموضة لكن في العالم التجاري.

وقد خلق المعرض، الذي تباع فيه الحقائب بسعر يصل إلى 960 دولارا والأجندات بـ 695 دولارا، ضجة حتى قبل افتتاحه في 29 أكتوبر (تشرين الأول). فقد اتهم المحافظون في عالم الفن انه قضى على الخط الفاصل بين الفن والتجارة. فالأعمال الفنية أصبحت مثل البضائع الفاخرة، والمحل داخل المعرض يعتبر وسيلة تسويقية أكثر منها للعرض، أي أنه بمثابة منبر للتاجر والفنان الباحث عن توسيع رقعة نشاطه في الوقت ذاته.

وذكرت اليزابيث كوريد، مؤلفة كتاب «اقتصاد وورهول: كيف تحرك الأزياء والفن والموسيقى مدينة نيويورك»: «إن أول بوتيك فاخر يندمج في معرض رسمي وهو موراكامي ـ فيتون، ومثال رائع ليس فقط على احتضان الفنان للنجاح التجاري، لكن أيضا السعي له». واضافت «في هذا المناخ يستفيد الجميع، انت تنتج نوعية جديدة من المنتجات، وآخر يوسع نشاطه الاقتصادي لتستفيد كل الأطراف المشتركة».

ومثل هذا المشروع أدى إلى تركيز الضوء على اتجاه يتزايد يجمع بين الفن والموضة. فقد ارتبط عدد كبير من الفنانين بالمنتجات الفاخرة منذ الثلاثينات على الأقل، عندما وضع سلفادور دالي وجان كوكتو اعمالهما السريالية على تصميمات الأزياء لإيلسا شياباريلي. لكن مثل هذه العلاقة أصبحت أكثر انتشارا هذه الأيام، وأكثر ربحا في الوقت ذاته. وليس من الغريب إذن أن يسعى فنانون من مستوى داميان هيرست وريتشارد برينس الى المشاركة في تصميم منتجات استهلاكية.

قال جيفري ديتش، تاجر الأعمال الفنية والشريك السابق لأندي وارهول: «منتجات الفنانين هو الاتجاه السائد اليوم». فقبل عقد من الزمن، كان التزاوج بين الثقافة والتجارة يعتبر كفرا، كما ذكر ديتش، إلا أن اليوم، كما يوضح، يعتبر مثل هذا التحالف «مجرد واحد من المجالات المتوفرة للفنان الذي يريد ان يصل برسالته للجمهور».

الفنان الياباني تاكاشي موراكامي، قبل أن يعمل مع فيتون قبل خمس سنوات، كان شخصية معروفة فقط لأوساط المهتمين بالفن، لكن تعاونه مع الدار الفرنسية كان رحلة تسويقية رائعة لدرجة أنها خلقت قائمة انتظار بالآلاف للحصول على الحقائب المنقوشة برسوماته. ويمكن القول إنها حولت موراكامي الى شخصية شهيرة. إذن أين هي المشكلة، ما دام موراكامي حقق اسمه، باعتبار ثقافة الماركات عمله الأساسي؟..

والجواب ان افتتاح محل يؤدي إلى تحقيق أرباح للفنان والشريك التجاري، يضعف سلطة متحف الفنون المعاصرة، وإن رفض بول شيمل الأمين الأول للمتحف هذا المنطق، مشيرا إلى أن المتحف لا يحصل على إيجار او نسبة من الأرباح من المحل، لأن ذلك سيضعف وضعه كمؤسسة لا تسعى للربح.

ولم تدفع شركة فيتون تكلفة العرض، لكنها أقامت حفلة افتتاح فاخرة في الليلة الأولى جذبت المشاهير مثل سيندي كروفورد ونعومي كامبل وفاريل وليامز وهلم جرا.

وأكد شيمل ان البوتيك هو جزء لا يتجزأ من رسالة الفنان. وأوضح «واحد من أكثر الجوانب الراديكالية لأعمال موراكامي هو رغبته لاحتضان واستغلال فكرة «الماركة» ومزج هويته مع هوية الشركة. وقد تبين من البداية انك اذا لم تواجه مشكلة الجانب التجاري لعملك، فسيبدو الأمر وكأنك تتجاهل الموضوع».

وقد لعبت وجهة النظر هذه دورا في القضاء على ضجة محتملة. فقد ذكر غيل اندروز، مدير متحف بيرمنغهام للفن في الاباما ورئيس جمعية مديري المتاحف: «ان المتحف أوضح أن البضائع الفاخرة هي جزء من تعبير موراكامي الفني. وهم يفعلون ما تفعله متاحف الفنون الحديثة، ألا وهو اقتحام مجالات جديدة».

كما لا يمكننا نسيان جذب الزوار للمعرض، أي أن المتحف قد استفاد من التعاون. وذكر شيمل «من المؤكد انه أدى إلى زيادة عدد زوار متحف الفن المعاصر».

ومثل هذا الاستقبال حقق نجاحا جيدا للتجار، الذين يسعون دائما للبحث عن أي ثورة تسويقية جديدة، كما أصبح دعم نجوم هوليوود لبيوت الأزياء مهما. لوي فيتون ليست وحدها أول من دخلت هذا المضمار، فقد دخلته بيوت أزياء أخرى، ففي العام الماضي، مثلا، حاولت شركة ليفي شتراوس للجينز زيادة مبيعات الجينز الفاخر بإصدار مجموعة جينزات باسم «وورهول فاكتوري اكس»، وهي عبارة عن نوع من الجينز مطرز او مطبوع بأعمال وورهول. وفي العام الحالي، انضمت الشركة، في محاولة لدعم نجاحها إلى هيرست الفنان المتمرد البريطاني. واليوم يمكن للذين لا يستطيعون شراء عمل فني لهيرست شراء بنطلون جينز يحمل موتيفات مستمدة من أعماله الفنية. وفي السنوات الأخيرة استفادت شركة فندي وشركة لونشونغ للحقائب الجلدية من أسماء الفنانين. فقد انضمت شركة لونشونغ في محاولة لتغيير صورتها المحافظة، الى ترايسي ايمين الفنانة البريطانية.

وفي العام الحالي كلفت دار «مالبري» للحقائب الجلدية الفنانة البريطانية جولي فرهوفن لتصميم مجموعة من الحقائب والأوشحة والملابس التي تحمل رسوماتها ذات الطابع المثير للغرائز.

ومن ناحية أخرى، أعطى جايكوس، وهو من هواة جمع الأعمال الفنية لكل من جون كورين واليزابيث بيتون وبرنس، دفعة قوية لهذا الاتجاه عندما أعلن دعوة برنس لتصميم مجموعة حقائب «لفيتون». وتوقيت هذه الدعوة مناسب للغاية: فمتحف كغنهام يقدم معرضا لأعمال برنس على مدى 30 سنة. وتراهن الشركة على ان بعض الحقائب مطبوع عليها رسوم كارتونية، تجذب انتباه نفس الطبقة المرفهة التي تعتبر برنس شخصية معروفة ومنتشرة. وقال ايف كارسيل، رئيس شركة لوي فيتون: «إذا ما نظرت إلى عالم الفنون فإن الناس الذين يهتمون بالفنون المعاصرة، يهتمون أيضا عادة بالبضائع الفاخرة.

والجسر بين العالمين يزداد وضوحا يوما بعد يوم». ويؤكد كارسيل تلك النقطة بالإشارة إلى أن 60 حقيبة من حقائب الموراكامي جرى بيعها كلها في الأسبوع الأول.

وأضاف في إشارة إلى منتجات موراكامي الجلدية انه «بالنسبة لنا فإن رد الفعل كان رائعا». ورفض الإفصاح عن تفاصيل البيع، لكنه قال: إن أرباح موراكامي التي تمثل نسبة بسيطة من نشاط «فيتون»، تمثل أكثر من الأرباح الكاملة لبعض الشركات المنافسة. ومثل هذه المنتجات، نوع من الفنون الفاخرة، تجذب إليها الطبقة المرفهة الصاعدة، أو كما قال سيمون دونان، المدير الإبداعي لبرنيز نيويورك «امتلاك مثل المنتجات يمثل الاستهلاك العارف. فهم يقولون: لست مشترياً فقط، انا مشتر سوبر».

ومثل هذه التأكيدات لا تحظى بجدل من الين بلاك، وهي فنانة من سان فرانسيسكو، شاهدت معرض موراكامي، ولاحظت ان الزوار الذين ليست لهم علاقة قوية بأعمال الفنان موراكامي يعتبرون حقائب فيتون مكسبا. وأوضحت «من المهم معرفة كيف يعرض المشترون تلك الحقائب، بالنسبة لهم، فالصور على تلك الحقائب تعتبر وساما».

* ساهمت انا فاسيا كونتريراس في هذا التقرير خدمة «نيويورك تايمز»