طاحونة دمشقية تتحول إلى فندق 5 نجوم

تجمع فنون المعمار الأصيلة وروح الفنون المعاصرة

TT

كانت طاحونة قديمة عمرها 400 سنة لتحضير الدقيق والخبز العربي، لكنها تحولت منذ أشهر الى فندق فخم في غرب العاصمة السورية بعد اعادة ترميمها بشكل مبتكر فريد يشبه القصور الفرنسية والايطالية التاريخية. أسلوب يجمع بين الاسلوب الشرقي الرفيع وتسهيلات الرفاهية الحديثة، خصوصا ان عدد الغرف لا يتعدى عشرا فقط، أطلقت عليها أسماء أدباء وفنانين سوريين مشهورين مثل الشاعر الكبير نزار قباني والمخرج السينمائي مصطفى العقاد. كما يحتوي على بركة للسباحة والحمام التركي والسونا وأغلب مفروشاته من النوع الأثري أو الطراز السائد في أوروبا في الثلاثينات من نوع «الآرت ديكو» وقد استغرق تجميع تلك المفروشات عدة سنوات لتلائم غرف نوم الفنانين الذين سميت الاجنحة والغرف بأسمائهم. ولو عاد نزار قباني أو العقاد لوجدا مفروشات بيتيهما من نوع «آرت ديكو» وقد امتزجت مع مفروشات حديثة بشكل يشبه الى حد كبير ما فعله كارل لاغيرفيلد مصمم الأزياء الشهير لدار شانيل في شقته القديمة في باريس أو ما قام به المصمم الايطالي فالنتينو في شرفة شقته في روما، حين زين المكان بالنباتات المغروسة في وعاء مربع حديث الى جانب أريكة طويلة مزينة بالطنافس والوسائد الهندية فبدا الجو وكأنه غرفة للحريم تجمع بين الشرق والغرب في القرن الحالي.

يقول غياث المشنوق، الذي أشرف على الترميم والزخرفة والديكور كما استورد بعض الأبواب والنوافذ من مصر والهند، في مقابلة خاصة مع «الشرق الاوسط» انه قضى حياته في خدمة الفن وانه سعيد لأن المبنى أصبح مخصصا للسياحة ولإقامة المعارض الفنية لكبار الرسامين السوريين ولحفلات الغناء الشرقي والموسيقى الكلاسيكية الغربية. ويمتاز هذا «الاوتيل البوتيك» بأنه بعيد عن ضوضاء المدينة وإن كان قريبا منها جغرافيا. فهو لا يبعد عن قلبها النابض سوى عشر دقائق بالسيارة.

فكرة وترتيب الفندق تتميز باسلوب «اوريجنال» يماشي التحدي الذي يرافق اعلان دمشق عاصمة للثقافة العربية عام 2008 ويسهم في انجاح الاحتفالية التي ستبدأ بالقمة العربية في شهر مارس (آذار) المقبل، كما تبين خصوصية دمشق كمكان لتفاعل الثقافات عبر التاريخ، وتعكس الذوق الرفيع في تصميم ديكور كل غرفة في انسجام تام يتجلى في كل زاوية من حيث ألوان الجدران والبلاط، وانتقاء طراز المفروشات والاخشاب والاقمشة فضلا عن الاكسسوار وفضاءات فارغة يتمازج فيها القديم والحديث في آن واحد. حين تدخل الفندق – الطاحونة تلاحظ الحدائق الجميلة المحيطة به والاقواس التي يستند عليها البناء الاثري فتعطي المكان رونقه وشخصيته، بينما تتبدل الجدران الحجرية البيضاء المزينة بلوحات حديثة للفنانين السوريين من حين لآخر وكأنها معارض متنقلة. طريقة استعمال الألوان المتضاربة التي تبرز قيمة البناء الحجري القديم تلفت الانتباه، بنفس القدر الذي يلفت فيه تقسيم الفضاء الى جزء معتم وجزء مضيء، لذا اعتقد البعض ممن لا يألفون ابتكارات الديكور الحديث ويحبون الاضاءة الكثيفة الباهرة أن المكان «يغم القلب» انما فاتتهم الفكرة المقصودة في أن الألوان والظلال وشكل قطع الأثاث توحي بالجو الفني المريح، الذي ينقلك الى القرون الماضية حين كان الهدوء والضوء الخافت من أسباب الاستمتاع بالحياة الرغيدة البسيطة. إلا ان هذا الانطباع يختفي عند التنقل إلى المسبح من خلال الكراسي الحديثة من آخر طراز والتي تحملك فعلا إلى القرن الواحد والعشرين، نفس الانطباع تخلفه صالة الرياضة والاسترخاء والحمام الفنلندي بالبخار (السونا).

ورغم اختفاء العديد من المهن التقليدية مثل صانع الطرابيش والقباقيب، لكن أحجار الطاحونة البيضاء ما زالت قائمة كما كانت منذ القرن السادس عشر، وقد سمع صوتها امبراطور المانيا غييوم الثاني حين زار دمشق عام 1898 أثناء الحكم العثماني، أي في عهد السلطان عبد الحميد واستغرقت رحلته بالقطار من بيروت الى عاصمة الشام تسع ساعات لأن سرعة القطار لم تكن تتجاوز 15 كيلومترا في الساعة في تلك الحقبة. ومما يذكر انه عندما أطل على المدينة من موقع في جبل قاسيون في حي المهاجرين، مهدوه له خصيصا وأسموه «المصطبة» ومن هناك تمكن من مشاهدة الطاحونة مستلقية بين البساتين ورحاها تدور بشكل منتظم فاستغرب كيف لا يقطن السكان في الجبل للتمتع بالمناظر الطبيعية الخلابة التي تحيط بالمدينة ببحرها الواسع وخضرة أشجارها الباسقة.

هذه الطاحونة ليست مجرد فندق متميز الديكور، بل اصبحت ايضا مسرحا لبعض الاحتفالات. فمنذ فترة أقيمت في بهو الفندق – الطاحونة، الذي يستعمل في الأيام العادية كصالة للانتظار وللأكل، الى مسرح صغير يسع حوالي مائة متفرج، أحيت فيه مغنية الاوبرا السورية سوزان حداد حفلا رائعا، اتحفت فيه الحضور بمجموعة من المقطوعات الكلاسيكية والاوبرا لبيزيه من اوبرا كارمن وألغار ورسبيغي لكنها أبدعت في اغنية من اوبرا «شمشون ودليلة» لسان سانس تقول:

قلبي يتفتح لصوتك مثلما تتفتح الأزهار لقبلات الفجر مثلما نرى سنابل القمح تتموج تحت لطائف النسمات قلبي يرتجف جاهزا ليتعزى بصوتك العزيز على قلبي.

ونظرا لمساحة الفندق وديكوره المتميز، هناك ايضا عروض للوحات فنية بين الحين والآخر، وقد أبدى عدد من الزبائن الاجانب اعجابهم بفكرة عرض اللوحات التشكيلية للفنانين السوريين والعرب في صالة الفنون، فهناك طبقة جديدة تابعت خط الرواد مثل فاتح المدرس ولؤي كيالي وسيبدأ اعتبارا من الشهر المقبل وطوال العام عرض لوحات وليد عزت ثم بهرام حجو وكذلك حكيم غزالة (من المغرب) وعمر حمدي والنحات عدنان الرفاعي ومصطفى علي والرسام حسن مراد وحمود شنتوت وسارة شما كما سيقيم فيه الفنان كنان العظمة حفلة موسيقية في فبراير (شباط) 2008.

لكن ليس هذا هو بيت القصيد، لأن الزائر إلى هذه التحفة الفنية لا شك سيزورها لمعمارها المتميز وديكورها الذي يجمع عبق الشرق وتسهيلات العصر. وليس ببعيد ان يتحول إلى وجهة سياحية بنفس المستوى الذي تتمتع به مآثر مثل الجامع الأموي وقصر العظم وقبر صلاح الدين ومكتب عنبر وكنيسة القديس بولص وبيت حنانيا والبيوت الشامية العريقة التي أعيد ترميمها في المدينة القديمة وآخرها بيت أول رئيس للجمهورية بعد الاستقلال شكري القوتلي، الذي شاهدناه في بعض المسلسلات السورية الناجحة مثل «باب الحارة». 1