أسبوع الأزياء الراقية بباريس.. بدايته مسك وآخره عنبر

من شانيل وإيلي صعب إلى ستيفان رولان.. فساتين تنافس الماس في بريقها وترفها

من عرض ستيفان لوران
TT

جيورجيو أرماني، كريستيان ديور، إيلي صعب، شانيل، لاكروا، غوتييه وغيرهم من الأسماء، بلا شك تألقوا في اسبوع الموضة الباريسي للازياء الراقية وألهبوا الخيال بإبداعاتهم الرائعة، لكن هل ستعرف تصميماتهم طريقها إلى السجاد الأحمر، وبالضبط إلى حفل توزيع جوائز الأوسكار؟ سؤال لن نعرف جوابه إلا في الـ 24 من شهر فبراير القادم. قد يتساءل البعض ما علاقة هذا اليوم باسبوع الموضة في باريس، والجواب ببساطة ان هذا الاسبوع، في العادة، يكون المناسبة المثالية للنجمات من كل أنحاء العالم لحضور عروض الازياء أو توكيل خبيرات لاختيار فساتين يتبخترن بها في هذه المناسبة، والحفلات التي تليها، سواء كان حفل «فانيتي فير» أو حفل المغني البريطاني إلتون جون، الذي أكد ان حفله قائم ولن يتأثر بإضراب أي احد. لكن إذا كان حظ حفل الأوسكار مثل حظ حفل توزيع جوائز الغولدن غلوب الأخير، الذي الغي بسبب تضامن نجوم هوليوود مع كتاب السيناريو والمؤلفين المضربين عن العمل منذ حوالي ثلاثة اشهر، فإن العديد من المصممين سيصابون بخيبة أمل كبيرة، ليس لأن إبداعاتهم لن تتلقى المزيد من الاضواء خارج هذا الاسبوع فحسب، بل لأنهم سيخسرون آلاف الدولارات على شكل دعاية مجانية في التلفزيونات وصفحات المجلات. فهذه الفعالية لا تقل أهمية عن العروض الموسمية، إن لم تفوقها، ففي العام الماضي، مثلا، تابع الحفل حوالي 20 مليون شخص من 150 دولة في العالم، العديد منهم لم يكن يهتم بنتائج الحفل بقدر ما كان مهتما بمن لبس لمن. بل اصبحت التلفزيونات تبث برامج خاصة تسأل فيها النجمات عن مصمم الفستان ودار المجوهرات التي اخترن منها اكسسواراتهن وما شابهها من أمور. وهذا يدل على شيء واحد وهو أن عالم الترفيه وصناعة الموضة اصبحا وجهين لعملة واحدة.

إيلي صعب، الذي ارتبط اسمه بنجمات هوليوود ومناسبات السجاد الأحمر، بل ويرجع البعض شهرته العالمية لظهور هالي بيري في إحدى إبداعاته وهي تتسلم جائزة الأوسكار في عام 2002، عدا ان بيونسي وديبرا ميسينغ وكايت والش وغيرهن من بين اشد المعجبات بأزيائه، قد يكون من بين المتضررين من هذا الإضراب وتبعاته. فهو، إلى جانب كل من جيورجيو ارماني وفالنتينو، اكثر من اتقن لعبة الإبهار والبريق سواء كانت المناسبة حفل اوسكار أو حفل زواج فخم، لأنه ببساطة ساحر يستطيع ان يضفي على اي امرأة، مهما كانت مواصفاتها، الكثير من الجاذبية والاناقة فيحولها بفستان إلى سندريلا أو أميرة من قصص ألف ليلة وليلة. في يوم الأربعاء الماضي، ظل وفيا لاسلوبه المبهر، حيث قدم تشكيلة تخاطب النجمة بداخل أية واحدة منا، بغض النظر عن عمرها وإمكانياتها ومقاييسها.

وبالرغم من ان سعر الفستان الواحد يقدر بعشرات الآلاف لكن يبقى الحلم مجانيا وفي متناول الجميع، وأقل ما يمكن وصف هذه التشكيلة به هو انها خفيفة مثل الحلم. الربيع والصيف المقبلين بالنسبة لإيلي، احتفال صاخب بأحجار الماس النادرة، وبالذات بألوانها، فضلا عن شفافيتها وصفائها وطرق تقطيعها وصقلها. بدأ العرض بمجموعة من فساتين الكوكتيل القصيرة، من الدانتيل والكريب جورجيت والموسلين والأورغنزا والتول واللاميه، بعضها من دون اكمام أو أكتاف، وبعضها بجاكيتات بوليرو قصيرة. ألوان الأحجار الكريمة كانت هي السائدة، بدءا من السيترين الاصفر إلى الأزرق الأكوامارين، والوردي الهادئ، وطبعا الماسي، الذي إن غاب عن القماش حضر على شكل احجار سواروفسكي أو خرز مطرز باليد. بالنسبة لفساتين السهرة والمساء الطويلة، فقد استحضرت الأساطير اليونانية وصورة الاميرات وهن يتهادين في فساتين من الموسلين أو الشيفون التي تتراقص على الجسم. معظمها كان يعانق الجسم عند الصدر وباقي الجسم، لتنبعث منها قطعا من الاقمشة المشدودة خلف الظهر أو عند الصدر، تنسدل بسخاء لتخلق نوعا من الطبقات الجديدة تغلف الجسم من عدة جوانب، والنتيجة كانت مزيجا من الترف والرومانسية. وما لا يختلف عليه إثنان ان هذه التشكيلة، حتى في حال لم تجد طريقها إلى حفل الاوسكار، فإنها حتما حملت إيلي صعب إلى مرحلة جديدة كمصمم عالمي. مرحلة أكد فيها انه مايسترو من الطراز الأول، يتقن أدواته أكثر من أي وقت مضى، بدليل تمكنه هذا من لعبة التفاصيل، بعضها كان واضحا، وبعضها خفيا لا تشعر به سوى صاحبة الفستان وهي تلبسه، أو متخصص يفهم معنى التوازن، وبالتالي لن يمكن لاي أحد بعد اليوم القول، إن ما قدمه في هذا الاسبوع هو مجرد فساتين رومانسية موجهة للأميرات والنجمات فحسب، كما لن يجرؤ احد ان يتهمه بالتوجه إلى سوق يعرفه جيدا ولا يريد ان يخضه، لأن التقنيات التي استعملها كانت تزخر بفنية عالية والكثير من التوازن المحسوب، مما سيجعل اية امرأة تقتني قطعة من هذه المجموعة كمن اقتنت تحفة للابد، قد تغني عن الماس أو اي حجر ثمين. يوم 23 من هذا العام، دخل تاريخ الموضة، بمناسبة اسالت دموع العديد من المتتبعين لها، فهو اليوم الذي ودع فيه الروماني فالنتينو، ملك مناسبات السجاد الأحمر، بآخر عرض له بعد 45 عاما. طبعا كان لا بد ان تكون التشكيلة مميزة حتى ترسخ نفسها في هذا التاريخ. ففالنتينو لا يكفيه انه من صمم فستان زفاف جاكلين كنيدي، كما لا يكفيه ان معظم النجمات المخضرمات والشابات، بدءا من إليزابيث تايلور في قمتها إلى سكارلت جوهانسون واوما ثيرمان وجوليا روبرتس.. وهلم جرا، لبسن له وأحببن تصميماته. هذه الرغبة في التميز امر طبيعي بالنسبة لواحد تشرب المهنة منذ الصغر، أحبها فبادلته نفس الحب. ورغم الجو الحزين الذي ساد متحف «رودين»، حيث اقيم عرض الوداع في البداية، إلا أن الأجواء تغيرت بمجرد ان ظهرت اول عارضة. فقد بقي فالنتينو على كلمته عندما صرح قبل العرض بأيام: «لا أريد ان أكون عاطفيا.. يجب ان اكون سعيدا، فقد استمتعت بمشوار رائع، ولم أندم على اي لحظة»، الأمر الذي انعكس على الأزياء المتفتحة بالأزهار والورود والألوان الفاتحة، إلى جانب الأحمر، ماركته المسجلة طبعا والأبيض. ما سنتذكره به دائما انه ظل لأكثر من نصف قرن، وفيا للجمال وللمرأة، وإن كان نخبويا وجه كل جهده للمرأة المخملية والمقتدرة. ولعله إلى جانب كارل لاغرفيلد، مصمم دار شانيل، الوحيد الذي تشرب تقاليد مدرسة الهوت كوتير بطريقة صحيحة. كارل لاغرفيلد، لحسن الحظ، لايزال معنا، ولايزال يؤكد ان بجعبته الكثير ليقدمه، ولا يبدو انه يعرف معنى التقاعد عن العمل، بدليل انه استغرب عندما سمع عن استقالة فالنتينو في العام الماضي ولم يوافقه على هذا القرار. كارل يتمتع بروح شابة وعصرية للغاية، وهذا ما يؤكده لنا موسما بعد الآخر، لكن تشكيلته الأخيرة التي قدمها في «لوغران باليه» كانت جديدة بشكل إيجابي.

بدا فيها وكأن مشاعر عديدة تتضارب بداخله، فهو من جهة وفي لكوكو شانيل، مؤسسة الدار التي تسلمها منذ اكثر من عشرين عاما وحملها إلى الألفية، ومن جهة ثانية يريد اثبات استقلاليته عن الآنسة. وربما تكون هذه التشكيلة الأولى التي كاد فيها اسمه يغطي على اسمها، ولو للحظات قصيرة. رغم عودته إلى ارشيف الدار، كانت هناك لمسات جديدة وخصوصا فيما يتعلق بالتصميمات الهندسية التي اكد من خلالها انه سيتسيد ساحة الموضة لسنوات طويلة قادمة. هذا اليوم شهد ايضا عرض جون بول غوتييه، الذي جعل من البحر وكائناته الاسطورية، وبالذات حوريات البحر بطلات تشكيلته للربيع والصيف. الفساتين جاءت مفصلة على الجسم بتقنيات عالية تظهر فيها التطريزات وكأنها قشور جلد السمك، كما ان أذيالها جاءت رائعة ومبتكرة. ورغم الإخراج الرائع، إلا ان الجائزة الذهبية في هذا الجانب تذهب إلى الفرنسي فرانك سوربييه، الذي اتحف ضيوفه في «سيرك ديفير» (سيرك الشتاء) بعرس مسرحي موسيقي راقص، قدم فيه «تابلوهات» متنوعة كانت الخلفية التي قدم فيها إبداعاته. فالمسرح الدائري تحول إلى فضاء مفتوح ومتنوع. في التابلوه الأول، حوله إلى حديقة يتنزه فيها الرجال والنساء والعائلات، لتأتي الأزياء بقماش الجينز للرجال، وفساتين حالمة تستحضر حلم ليلة صيف غلب عليها الدانتيل والأورغنزا والموسلين واللون الابيض السكري، للنساء. التابلوه الثاني كان مشهدا من نزهة على شاطئ البحر، الامر ومن ثم أسهب في استعمال اللونين الابيض والازرق والتصميمات المستوحاة من ازياء البحارة، وإن تخللت بعضها نقوشات بالابيض والاسود والأحمر. التابلوه الثالث كان رحلة إثنية على إيقاع طبول تاهيتية تهادت فيها العارضات بفساتين باطوال مختلفة والوان دافئة ونقوشات الغاب، لينتقل في الاخير إلى الثمانينات وثقافة «الديسكو» والألوان الصارخة. وهكذا اكد سوربييه مرة أخرى انه ليس مصمما مبتكرا فحسب بل ايضا متذوقا للثقافات البعيدة وفاهما لها، وإلا ما كان يستطيع ترجمة معانيها وروحها في هذه التصميمات الرائعة، الموجهة إلى مناسبات خاصة جدا، وليس إلى الاوسكار الذي سيكون أو لا يكون. ختام الأسبوع كان لذيذا مثل البداية، فقد قدم ستيفان رولان تشكيلته الثانية من الأزياء الراقية مؤكدا ان مستقبل الأزياء الراقية سيكون بيد الشباب. فهذا المصمم الذي اتحفنا بمئات الفساتين والتايورات المفصلة بحرفية عالية يحسده عليها العديد من العمالقة، سبق له العمل في دار جون لوي شيرير، وقدم لها تشكيلات ناجحة، وهذه المرة، تفوق حتى على نفسه من حيث حرفية ما قدمه وروحها المنطلقة. ومما لا شك فيه أن استقلاليته منحته الكثير من الثقة للعب بالأقمشة والأشكال، لكنها ثقة بعيدة كل البعد عن الغرور أو الشطحات الفانتازية التي يعتمدها البعض لإثارة الانتباه، بالعكس فهي ثقة نابعة من خبرة ومن رغبة في منح المرأة المزيد من الجمال والتميز. ما يحسب له تعامله الذكي مع القماش. فهو بالنسبة له مثل الكنفاس بالنسبة للرسام.